الناس في الرياض يحبون سلمان ولا يتصورونها بدونه، والأمر ينسحب على بادية نجد وتجار الحجاز وعوائلها، وكل من سنحت له الفرصة بالمقابلة أو الحوار معه، والأمير سلمان صاحب نظرة موفقة وصادقة في الحياة والناس، وهو رجل مؤثث بالمفهوم التربوي والسياسي والاجتماعي للكلمة، كما أنه حاكم من طراز نادر، وقرأت في كتاب زين العابدين الركابي عن الأمير (2008) رصدا للجانب الإنساني أو غير المعروف في شخصية سلمان، والركابي سجل انطباعاته بحياد نسبي، ومن زاوية المثقف وعلاقته الحذرة والحساسة بالسلطة، ولم تخرج أفكار الكتاب وكاتبه عن ما عرفته بالتجربة المباشرة، فقد تشرفت بالكلام مع الأمير سلمان، ووقفت على توجيهاته ومواقفه الحازمة والحاسمة في أكثر من مناسبة. أذكر أيضا أن والدي أطال الله في عمره، وأمده بالصحة والعافية كان يسجل إعجابه بالأمير سلمان بين فترة وفترة، وفي مرة قال إنه من أكثر أبناء الملك عبد العزيز تأثرا بوالده في عاداته وعباداته وتعامله مع الناس، وأنه ورث شيئا من ملامحه وطريقته في الكلام، والأمير الكبير بإنجازه كانسان وقدوة، يحرص دائما على زيارة القريب والبعيد ومتابعة أحوالهم، وسمعت من الشيخ نايف بن عبد المحسن الفرم، أنه عندما حضر إلى لبنان ضمن الوفد المرافق للملك سعود في سنة 1952، لم تشغله الالتزامات الرسمية عن زيارة الخال عبد المحسن بن صنيتان الفرم، رحم الله الملك والشيخ، والخال عبد المحسن قصد بيروت للعلاج في مستشفياتها، وتوجد صورة فوتوغرافية توثق للزيارة، وتظهر لطافة وسماحة وشباب سلمان الذي لم يتغير، وقيل لي إنه إذا زار مريضا في مستشفى قام بزيارة كل من في الدور ولو لم يكن يعرفهم، ثم من غيره يعتذر للناس إذا وقفت الظروف دون مقابلتهم في مجلسه الأسبوعي كل يوم اثنين، وفي هذا عدل ولباقة اجتماعية وحسن تصرف لا يليق إلا بسلمان، وعرف عن الأمير استخدامه للاستشهادات في مكانها المناسب، والذاكرة الحاضرة في أبواب المعرفة المختلفة، والاتزان وعدم التهور، أو التصريح الرومانسي والمتشنج للإعلام، ومعها ابتعاده عن البيروقراطية والروتين في إدارة شؤون الإمارة، وإيمانه الراسخ بأن المجتمع السعودي ليس ملائكيا، وقابلت من آل سلمان، الأمير فهد بن سلمان يرحمه الله والأمراء سلطان وعبد العزيز وفيصل، وتبقى للأمير فهد مكانة خاصة لا أستطيع مقاومتها، وما زال استقباله الحار لي وكلامه معي حاضرا في ذهني حتى هذه اللحظة. سلمان نحت صورة عبقرية للعاصمة السعودية، حتى أنها صارت تشبهه في شوارعها ومبانيها وأنفاسها، وقرأت تصريحا منشورا لابنته الأميرة حصة، قالت فيه بأن عائلة سلمان الصغيرة تغار من انشغاله بالرياض، فالرجل مهتم بمدينته ومعمارها والنظام فيها، وعرفت من مصدر موثوق أنه أمر بازالة مبنى مخالف في بيت أحد أبنائه، وكأنه هنا يمارس سلطة الرسام أو الشاعر المبدع الذي لا يتسامح أبدا مع من يتجرأ على تشويه لوحته أو قصيدته الأجمل، وربما فهم بأن المدينة مقدمة على العائلة في عقل وعاطفة سلمان، وهو تصور غير دقيق، فالأمير يحرص على الجلوس مع عائلته باستمرار، والفارق أنه لا يخلط بين العام والخاص في حياته، ومما قاله الركابي، إن سلمان مثقف ومتابع للإعلام، وأنه اتصل به دون وسيط أو مأمور سنترال، لمناقشة مقالة نشرها، والأمير لم يستثنِ الركابي بالتعقيب، ورد باعتباره حاكما إداريا لمنطقة الرياض على كتاب منهم: تركي الدخيل وصالح الشيحي، وصحح معلومات نقلتها بعض وسائل الإعلام حول نسب آل سعود، ولم يكلف أحدا بالرد نيابة عنه، مثلما يفعل الآخرون، ومن يعرف سلمان أو تابع أخباره في الإعلام، يدرك تماما بأن الردود حملت اسمه ورسمه وأسلوبه في التفكير. الركابي إضافة لما سبق سجل في الكتاب مشاهدات عن حوار للأمير سلمان مع طلاب من جامعة هارفارد الأمريكية، ونقل استنتاجات مهمة منها أن الأمير يميل إلى التدرج في علاج الأمور ولا يتعجل، وأنه لا يغير رأيه بسهولة «خلع ثوبه» ما لم يقتنع بوجاهة الرأي المخالف، وأن الشورى السعودية، من وجهة نظر الأمير، تمثل معادلا إسلاميا للديموقراطية في نسختها الغربية، ومفهوم «العزم» القرآني في الإسلام، يساوي تقريبا حق الفيتو المكفول للرئيس في الدستور الأمريكي، وأن أية دولة بدون محرمات أو أسرار ليست دولة، وأن فكرة الأحزاب السياسية لا تصلح كنموذح للحياة البرلمانية في السعودية وتؤثر على الوحدة الوطنية، وحول حقوق المرأة نقل الركابى عن الأمير سلمان في حواره مع طلاب هارفارد، أن الحقوق الشخصية للمرأة محفوظة، واستدل بأوراق كانت على مكتب الأمير، وفيها شكوى لسعودية ترغب في الزوج من شخص يرفضه أهلها، وتوجيه الأمير بعرض القضية على المحكمة لتعود من القاضي بحلين: إما موافقة أهلها، أو أن يزوجها القاضي بمعرفته تأكيدا لحقها الشرعي، وتكلم الركابى عن تجربته الحوارية مع الأمير سلمان في موضوع أن عرش الله كان على الماء أولا وقبل بداية الخلق، أو مثلما ورد في القرآن الكريم والحديث النبوي، وفي المذكور تكريس لمبدأ أن «العقل» يأتي قبل «النقل» في رؤية الأمير. الأمير سلمان بن عبد العزيز شخصية تستحق أن تكتب وتكرم، اعترافا بدورها وتعزيزا لأفكارها، ولا أدرى ماذا أقول، فالكلمات مهما كبرت تصغر أمام سلمان وكتاب يتيم يذكره ولا يذكره... [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة