** من سعيت أنت إليه لا شروط لك عليه.. ومع هذا كان ينبغي التقدم بحذر فما عادت الدنيا هي الدنيا.. ولا عاد الناس هم الناس.. والحق أنني كنت مأخوذا بذلك «التغيير» الذي طرأ. فثمة إشعاع أخاله في نهاية النفق لم يكن في الواقع إلا خداعا. ** لقد كنت كمن يمد يديه إلى الأمام يتلمس مواقع خطاه أو تصاعد «العمود» الذي يحاول جازما أن يجتاز المستحيل فضل الطريق.. ولكن أصاب في نهاية الطريق!! ** ولصاعد «العمود» قصة طريفة لها دلالتها.. وإن فقدت في هذا الزمن وهجها فما عاد أجد يهتم بالنور ولا بأعمدة النور المطفأة.. ** وكان أمام مبنى «عكاظ» العتيق في العمارية قبل أربعين سنة ثلاثة من أعمدة الإضاءة.. وكان أحدها بالغ العقوق فهو مطفأ على الدوام. ** وكان في العمارية شاب نصفه مجنون.. ونصفه تبينا فيما بعد أنه عاقل.. وكان «صدقة» وهذا اسمه يأتي قبل الغروب بقليل فيصعد العمود المطفأ بجهد بالغ وعندما يصل إلى «المنتصف» «يتزحلق» فيعاود الكرة مرة وأخرى.. ونحن نتطلع إليه باستغراب، وكان المارة من أبناء الحارة يسخرون منه ويتعمد بعضهم الوقوف تحت العمود يترقبون سقوطه.. ويضحكون.. أما هو فلم يكن يعبأ بأحد، كان مثابرا وبجهد بشري خارق للوصول إلى نهاية العمود.. ولم يكن يصل. ** ومضت الأيام تلو الأيام وفتى العمارية كعادته يأتي كل يوم ليتسلق العمود.. لا يكل ولا يمل!! ** وكان عم صالح شبكشي رحمه الله وشيخنا الفاضل عبد القادر عطية المأذون الشرعي ينصحان «صدقة» بعدم تسلق عمود النور حتى لا يصاب بمس كهربائي.. أو يسقط سقوطا فاجعا «تنكسر فيه» «رقبته»، ولكنه ما كان يرضخ أو يستجيب إلى هذه النصايح، كان يرى أن النور ضروري لحياة الناس ويعتقد أن تمرين الصعود والهبوط على عمود النور يعلم المرء الصبر والجلد للوصول إلى غاياتهم. ** وذات مساء سمعنا ضجيجا وتصفيقا وهتافا صاخبا كان شباب الحارة فرحين.. لأن صدقة أخيرا وصل إلى نهاية العمود.. أما هو فقد بقي منتشيا مربوطا «بغترته» الحمراء في العمود.. وأخرج بثقة ورقة وقلما من جيبه وكتب سطرا واحدا وتعجب الناس ماذا كتب؟ فالتقطوا الورقة التي قذف بها من أعلى وذهل الجميع. ** لقد كتب عبارة واحدة وبكلمات قليلة جدا كتب "نهاية العمود».. .. وضحك شباب الحارة وتغامزوا.. وهمس أحدهم «ألم أقل لكم أنه أكبر مجنون».. .. أما شيخنا الراحل عبد القادر عطية الذي انتزع الورقة من أيديهم فقد علق قائلا «صدقة أكثر عقلا منكم لقد بلغ غايته وكتب لكم من أعلا بنصف لسان ولا يهم المكانة ولا المكان وهذا يكفي..» ولا أزيد. للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 الاتصالات أو الرقم 636250 موبايلي أو الرقم 737701 زين تبدأ بالرمز 254 مسافة ثم الرسالة