الرقيب، وما أدراك ما الرقيب! وليس المقصود بالرقيب، العسكري الحامل تلك الرتبة، ولا الحارس الذي يكلف بمراقبة العدو ورصد تحركاته، ولا الجاسوس المكلف بمراقبة المحبين ومحاصرة خطواتهم للحيلولة بينهم وبين اللقاء. الرقيب المقصود هنا، هو ذاك الذي يكلف بمهمة فحص ما ينتج من مطبوعات ودواوين شعر ومقالات وبرامج وأفلام وأغانٍ وغيرها، وعنده صلاحية فسح الطريق أمام ما يشاء، وقطعه على ما يشاء. فالرقيب حر في الحكم على ما بين يديه بما يشاء، معياره الأول الذي يرجع إليه، ذائقته الشخصية، وفهمه الخاص، فهو قد يحجب المقال أو الكتاب أو ديوان الشعر لأن العنوان لم يرقه، أو لأن شكل الغلاف لم يستحسنه ذوقه، أو لأن الإهداء المدون على الغلاف لا يتماشى مع قيمه، كما أنه قد يحجبه لأنه عجز عن فهم بعض ما ورد فيه، أو لأنه تبادرت إلى ذهنه تأويلات للنص تحتم عليه الحجب! ظل الرقيب إلى وقت قريب، يمثل سلطة مطلقة، يهابه الناس، ويسعون إلى كسب رضاه والتودد إليه خشية إقلاقه بما قد لا يستمزجه ولا يستطيع هضمه، فتضيع عليهم فرصة الفسح لمنتجهم الذي يحلمون بنشره وانتشاره بين الناس، سواء كان مقالا أو رواية أو كتابا أو ديوان شعر أو فيلما أو أغنية أو غير ذلك، لكنه اليوم، فقد مكانته المهيبة تلك التي كان يتمتع بها، وصارت قراراته شكلية لا أهمية لها، فهو متى منع كتابا من النشر، بزغ عليه شامخا عبر الإنترنت، وإن هو حجب مقالا عن الظهور، طل عليه متحديا عبر قوقل، وإن وأد فيلما لم يعجبه، شاهده صارخا عبر اليوتيوب، وإن ألغى قصيدة يبغي موتها، صدحت أبياتها على ألسنة الناس عبر تويتر. السيد قوقل مضياف كريم، صدره أرحب بكثير من صدر الرقيب، ومجلسه يسع كل أحد، فهو ديموقراطي النزعة لا يؤمن بالمعايير الانتقائية، ولا يعرف إغلاقا للباب، ولا يضع حدودا وحواجز تفصل بينه وبين الطارقين، يستقبل الجميع لا يطرد منهم أحدا. ورغم أن الرقيب يعرف ذلك المنافس جيدا، إلا أنه لا يزال يتشبث بفرض سلطته، ويحرص على ممارسة دوره السلطوي، حتى وإن ظل منافسه فاتحا الباب يستقبل الفارين من جور أحكامه. تشبث الرقيب بأداء دوره أشبه بتشبث المحتضر بالحياة، فهو مهما قاوم لا بد في نهاية الأمر من أن يستسلم للموت. فهل الرقيب يمر اليوم بمرحلة الاحتضار؟ وهل مهمته في طريقها إلى أن تكون نسياً منسياً ؟ [email protected]