إن المتتبع للعوامل التي شاركت في تشكل ميليشيا الحوثي، لا يمكن فصلها عن ظروف وطريقة نشوء حركات سياسية في بلدان أخرى رفعت شعارات جذابة، وفرت لها غطاء سياسيا وأمنيا لحمايتها من قسوة عامل الجغرافيا الذي يعمل ضدها، على العكس من الحوثيين الذين تمترسوا منذ البداية في قمم ووهاد جبال صعدة، واستفادوا بشكل كبير وأساسي من وعورة المنطقة وصعوبة التنقل فيها، مما أسهم في منحهم مزايا قوة في الميدان عندما شرعوا في مجابهتهم العسكرية للقوات الحكومية. بيد أن سؤالا جوهريا لا بد وأن تطرحه المعارك الدائرة هناك، عن مدى قوة الحوثيين وقدرتهم على فتح جبهات متعددة، مع ما يترتب على ذلك من معرفة واضحة بحجم الإمكانات المتاحة لقوات التحالف، خصوصا المملكة العربية السعودية وهي قدرات اقتصادية وبشرية غاية في الأهمية، يضاف إليها ما تتمتع به من ثقل سياسي في الخليج والإقليم ككل، ناهيك عن تحالفات وعلاقات دولية مع قوى عالمية كبرى. وهذا الإدراك هو ما يفسر الدعم الذي يوفر لهذه العصابة المتمردة كل عناصر الإسناد اللوجيستي والمادي، ليضمن لها البقاء والاستمرارية في حالة الصراع الدامي، وإلا كيف يمكن أن نفهم هذا التمرد الذي لا يعبر عن مطامح انفصالية لجماعة عرقية أو إثنية؟ فالحوثيون قبل أن يتحولوا إلى المذهب الإثنا عشري، ينتمون أصلا إلى المذهب الزيدي الذي تعايش عبر القرون بسلام ومحبة مع المذهب الشافعي في اليمن، دون أن ينبئنا التاريخ عن وقوع أي حالة احتكاك أو صراع بين أبناء اليمن على أساس مذهبي. لكن قوى إقليمية تسعى لتحقيق أهدافها، باستخدام سياسة الجزر المتناثرة أو ما يمكن تسميته بالتغذية المستمرة لبؤر الصراع المختارة بعناية، لتوظيفها بما يخدم إستراتيجياتها العليا. ومن هنا جاءت ميليشيا الحوثي الخطرة على استقرار المنطقة بشكل عام، والتي ما إن تخرج من حرب مدمرة حتى تدخل في حرب أو نزاع آخر، وهي أي المنطقة مثلما هو معروف، حيوية وحساسة وشهية لقوى إقليمية. إننا نقف أمام تسلسل خطر من تعاقب مثل هذه الظواهر في منطقتنا العربية حصرا، وهي ظواهر تنمو وتكبر بحسب المناخ السائد، وتأخذ شكلها العسكري أو السياسي بحسب ما تمنحه الجغرافيا من مزايا وما يهبه الواقع الاجتماعي والثقافي من تعقيدات في كل دولة عربية.. إن ظاهرة الحوثيين، ومع اتساع رقعة النزاع وارتفاع حدة المواجهة، وما تحصل عليه الحكومة اليمنية من دعم سياسي واقتصادي من قوات التحالف والإقليم ومن تأييد ومساندة لافتة من الدول الكبرى، سوف تتلاشى في القريب العاجل بفعل ضربات قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية وتغيير تكتيكاتها العسكرية، وبما يتلاءم ونوعية الصراع الدائر على أساس جيش نظامي يحارب قوة متمردة تعتمد على حرب العصابات. لكن الشيء الملفت في الحرب الدائرة والانتصارات المتتالية لقوات التحالف والانهيار السريع لهذه العصابات الحوثية أصبحت القوات على مشارف الحديدة لتسهيل عملية اقتحام صنعاء لتعلن قريبا من عاصمة العرب صنعاء عن نهاية هذه الميليشيا الإيرانية. كما أن الحوثيين لا يحظون بحاضنة شعبية أو سياسية في اليمن، هذه جميعها عوامل سوف تسهم في خنق وتلاشي هذه الحركة، لكن المؤكد في ضوء التجارب السابقة، أن الحوثيين لن يقضى عليهم كمنهج وحركة، ما لم تنهض القوى السياسية والأحزاب اليمنية ومعها منظمات المجتمع المدني، لإرساء نواة حقيقية لمشروع وطني جامع يرسخ الثوابت ويعمق التلاحم، ويوسع مساحة المشاركة السياسية في الحكم وتعرية وفضح جرائم الحوثيين لاحالتهم لمحكمة الجنايات الدولية كمجرمي حرب. وهذه من مسلمات الأشياء، إذ إنه في ظل الأزمات والتحديات تبتكر الشعوب الحضارية والحية أساليب ووسائل تساعد على التجدد والتطور، ولا شك أن الشعب اليمني الأصيل ساهم في العطاء الإنساني والحضاري في كل تاريخنا العربي، الذي هو في الحقيقة يبدأ من اليمن ولن ينتهي إلا في اليمن.