لا شك أن التحوّلات القائمة في المنطقة العربية تحديدا وفي العالم تجاه التحوّل الديمقراطي أو ما يطلق عليها (الموجة الخامسة من الديمقراطية في العالم) تفرض إعادة دراسة ومراجعة هذه التحوّلات المهمة، ومعالجة أوجه النقص فيها كي لا تنتكص على أعقابها لتتحوّل لأنظمة سياسية ترفع شعارات ديمقراطية فقط دون أن تحقق تحولا جذريا وحقيقيا. قد يكون أهم التحديات التي تواجه الديمقراطيات الناشئة هو عملية إدماج مختلف المكونات الاجتماعية في المشروع الديمقراطي لتكون عناصر أساسية فيه بدلا من إقصاء وتهميش بعض هذه الفئات أو المجموعات المواطنة. تحت مظلة شعار (الديمقراطية للجميع) استضافت مدينة ليما بالبيرو الأسبوع الماضي المؤتمر السابع للحركة العالمية للديمقراطية والذي شارك فيه حوالي 500 حقوقي وناشط من المؤمنين والمدافعين عن الديمقراطية من أكثر من مئة دولة في العالم. المؤتمر الذي شارك في حفل افتتاحه وزير خارجية البيرو ومسؤولون دوليون على مستويات رفيعة، إضافة إلى باحثين وأكاديميين ومنظمات دولية وإقليمية متعددة، يهدف إلى خلق حالة تضامنية بين العاملين في هذا المجال في صراعهم لتحقيق الديمقراطية، ويعزز تبادل الخبرات والتجارب بينهم، ويوجّه رسالة إلى الأنظمة الشمولية بأن الإصلاح والديمقراطية لم يعودا خيارات محلية بل قضايا محل اهتمام كل شعوب العالم . كل القضايا المتعلقة بالتحوّلات الديمقراطية – سواء تلك في الدول التي لا تزال ترزح تحت أنظمة مستبدة أو التي بدأ التحول الديمقراطي يأخذ مجراه فيها – مطروحة للنقاش والحوار. من بين ورش عمل متعددة يتم تناول التحديات التي تواجه الحريات الدينية، النقابات العمالية، المجتمع المدني، الفئات المهمشة، التنوع الاجتماعي، حرية الإعلام، المرأة والشباب، المؤسسات الحقوقية. لم يكن الربيع العربي والتحولات في المنطقة العربية بعيدة عن النقاش في ظل صعود اتجاهات وجماعات سياسية حديثة التجربة في أنظمة الحكم، وصياغة دساتير وطنية جديدة، وإدماج جميع الفئات في النظام السياسي. تجربة من إندونيسيا في التعايش بين الأديان المتعددة، وتجربة من الكونغو في النضال الحقوقي، وأخرى من بولندا في إدماج جماعات الغجر، ورابعة من جنوب إفريقيا في التوعية بالحقوق المدنية. إشراك الشباب كان هما رئيسيا للمنظمين منذ عدة سنوات بهدف تشجيعهم على المشاركة المجتمعية وإفساح المجال أمام إبداعاتهم الفنية والحقوقية، والتي حصدوا على إثرها عدة جوائز تشجيعية. ما يخلص له المشاركون في هذا الملتقى هو أن المسار الديمقراطي في العالم بشكل عام هو في حالة تسارع وتواصل، وأن النضال من أجل الديمقراطية جهد متصاعد، على الرغم من العقبات التي تعترض هذا الطريق. فالصورة الأشمل أن المجتمعات الإنسانية تسير نحو التحرر والديمقراطية والمشاركة الشعبية.