رأيتُ بالصورة وسمعتُ بالصوت مَن سمى نفسه بأحد العلماء، وبأحد الباحثين، وبأحد حفاظ كتاب الله وذلك في تسجيل لقوله في إحدى القنوات المصرية وتناقلته المواقع الشبكية ثم الجوالات المختلفة.. سمعته ورأيته وهو يهذي بفكر رديء هابط عما انتهت إليه بحوثه الضالة المضلّة من أنه توصل إلى حل إشكال أخواتنا المسلمات اللاتي يؤذيهن الالتزام بالحجاب. فذكر لحل هذا الإشكال تأصيلاً مفاده أن المرأة الرقيقة ليست ملزمة بالحجاب وانه ينبغي منعها منه كما فعل بهن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان يضربهن بدرته إذا قلدن الحرائر في الحجاب.. وبناءً على التفريق في حكم الحجاب بين الحرائر، والإماء في الالتزام بالحجاب للحرائر وعدم الالتزام به للإماء فيمكن للحرة أن تختار لها زوجاً وتتولى مباشرة تزويجها نفسها منه بصيغة التمليك فتقول له: ملكتك نفسي فتكون له بذلك أمة رقيقة تنتقل أحكامها من أحكام الحرائر إلى أحكام الإماء وبذلك لا يجوز لها ولا يلزمها التقيد بأحكام الحرائر ومن ذلك الحجاب فلها أن تخلع حجابها وأن تثبت لها أحكام الإماء - الرقيقات - ومن ذلك عقوبات ارتكابهن الفواحش حيث إن عليها في حال ارتكابها الفاحشة نصف ما على المحصنات من العذاب. فيا أيها الدَّعيُّ على العلوم الشرعية: أيجوز للحر أن ينتقل من الحرية إلى الرق؟ أليس من أسباب غضب الله ومقته على من اغتصب حرية إنسان فباعه وأكل ثمنه إلا يكلمه الله ولا ينظر إليه وله عذاب عظيم؟ إلا يعرف هذا الدَّعي على الدين وعلومه أن الرق أصله الكفر والقتال المنتهي بالانتصار والسبي؟ سبحانك هذا ضلال مبين. فأين إخواننا حراس الشريعة الإسلامية في أرض الكنانة من علماء الأزهر وغيرهم من هذا العابث بدين الله؟ إن مقالته الآثمة تقتضي ان تنتقل المرأة الحرة إلى أمةٍ يُستحل عرضها بملك اليمين ويكون لسيدها حق بيعها وفي حال إنجابها منه تثبت لها أحكام أمهات الأولاد ومن ذلك البقاء في الرق إلى موت سيدها إلا أن يعتقها فهل هذه الأحكام المتعلقة بالرقائق - الإماء - تقابل حصول الحرة على التحلل من الحجاب أي فتاة حرة ترضى بذلك؟ إنه الضلال بعد الرشاد،والانفلات بعد الاستقامة والثبات ومن أمنَ العقوبة أساء الأدب. وهذه الفتوى وإن كانت غريبة ومنكرة إلا أنها - مع الأسف الشديد - صدرت في عصر التعسف في استعمال الحق، وفي عصر التجاوز والانحراف في المناداة بالحرية الفكرية، فبالأمس قال أحدهم: إن للإنسان الحق في قول أو فعل أو اعتقاد ما يريده وفي الانتماء إلى ما يعجبه من دين أو مذهب أو فكر وما عليه أن يكون يهودياً أو نصرانياً أو بوذياً وما على المسلم أن يكون سنياً أو شيعياً أو صوفياً أو متحللاً من ذلك كله. لاشك أن الحريات مهما وجدت في بيئات تحترمها فهي مقيدة بما يتفق مع النظام العام والتجاوز في استخدامها خاضع للعقوبات المقررة لها ولنتائجها سواء أكانت هذه العقوبات عقوبات ربانية أم كانت عقوبات بشرية وفق ما يقتضيه القانون العام للتعايش البشري. وما يحتج به مما في كتاب الله تعالى من قول الله (لا إكراه في الدين) وقوله(فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ونحو ذلك فهي نصوص تدل أواخرها على التهديد والترهيب في حال اختيار ما لا يقره العقل السليم من حكمة خلق الله عباده. قال تعالى: (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) وقوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها. إلى آخر الآية). اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .. والله المستعان. *جريدة الرياض