أمين عام رابطة العالم الإسلامي يرأس اجتماع المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف    القبض على باكستاني يروج الشبو بالشرقية    محافظ الخرج يستقبل مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    انعقاد مؤتمر الأمراض المناعية في تجمع عالمي وطبي    37 بلدة جنوبية مسحها الجيش الإسرائيلي وأكثر من 40 ألف وحدة سكنية دمرت    أطفال اليمن يتألقون بتراثهم الأصيل في حديقة السويدي    الولايات المتحدة تختار الرئيس ال47    الطائرة الإغاثية السعودية ال19 تصل إلى لبنان    سيناريو التعادل .. ماذا لو حصل كل مرشح على 269 صوتاً؟    "الصناعة والثروة المعدنية" تعلن فوز 11 شركة محلية وعالمية برخص الكشف في 6 مواقع تعدينية    اليوم الحاسم.. المخاوف تهيمن على الاقتراعات الأمريكية    المملكة تثري الثقافة العربية بانطلاق أعمال مبادرتها "الأسبوع العربي في اليونسكو" في باريس    مركز مشاريع البنية التحتية بالرياض يشارك في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر بالقاهرة    توقعات بهطول الأمطار الرعدية على 5 مناطق    أرباح «أرامكو» تتجاوز التوقعات رغم تراجعها إلى 27.56 مليار دولار    إشكالية نقد الصحوة    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    النصر لا يخشى «العين»    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    المملكة ومولدوفا تعززان التعاون الثنائي    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    سلوكيات خاطئة في السينما    إعادة نشر !    «DNA» آخر في الأهلي    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    تنوع تراثي    مسلسل حفريات الشوارع    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    منظومة رقمية متطورة للقدية    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    1800 شهيد فلسطيني في العملية البرية الإسرائيلية بغزة    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    في شهر ديسمبر المقبل.. مهرجان شتاء طنطورة يعود للعلا    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    «تطوير المدينة» تستعرض التنمية المستدامة في القاهرة    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    أمير تبوك يستقبل قنصل بنغلاديش    وزير الدفاع يستقبل نظيره العراقي ويوقّعان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض        مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المبادرات الاحتسابية: يوسف الأحمد نموذجاً
نشر في أنباؤكم يوم 26 - 07 - 2010


مدخل:
الحمدلله وبعد،،
في أواسط العام 1410ه تخرج الشيخ المحتسب يوسف الأحمد من كلية الشريعة بالرياض لمرحلة البكالوريوس، وفي عام 1417ه نوقشت رسالته للماجستير بعنوان (أحكام قضاء الصلاة في الفقه المقارن).
ولم ينته العام 1424ه إلا وكان الشيخ يوسف قد أنجز رسالته للدكتوراه وكانت في مجال الفقه الطبي وكان عنوانها (أحكام نقل أعضاء الإنسان: دراسة فقهية مقارنة) وكان للرسالة مشرفان، مشرف فقهي من داخل كلية الشريعة، ومشرف طبي من خارج الكلية، وكان المشرف الطبي هو البروفيسور الطبيب د.محمد باخطمة (استشاري جراحة الكبد والقنوات المرارية بمستشفى جامعة الملك عبدالعزيز بجدة)، والدكتور باخطمة شخصية متميزة في الوسط الطبي السعودي فله أكثر من سبعين بحثاً منشور في مجلات محكمة علمياً، وكانت الدراسة الفقهية لأحكام نقل الأعضاء تحتاج إلى تصور واقعي إضافة إلى توجيهات الطبيب د.باخطمة، ولذلك -أعني لأغراض إتمام الدراسة الفقهية- فقد حضر الشيخ يوسف إحدى عشرة عملية جراحية مطولة لنقل الأعضاء، بعضها استغرق الليل كله، بحيث يستطيع أن يكتب عن أحكامها الفقهية بدقة، وقد أتم الرسالة ونوقشت في التاريخ المذكور.
وفي مجال البحوث الشرعية القصيرة فقد نشر الشيخ يوسف بحوثاً محكّمة مثل: بحث محكم بعنوان (وضع اللولب في الرحم لمنع الحمل)، وبحث محكم بعنوان (ضابط مسافة السفر)، وبحث محكم بعنوان (صوت المرأة) وقد درس الخلاف الفقهي فيه وتوصل إلى ترجيح اختيار ابن تيمية، وأنه أوسط الأقوال، فيجوز للحاجة وبلا رفعٍ للصوت، ومثال الجائز: اتصالها للسؤال الذي تحتاجه ونحوه.
وللشيخ يوسف دراسات شرعية لم تحكّم بعد مثل: حكم التعزير بالمال، احكام الاكتتابات في الأسهم، وغيرها. وأما في مجال الدروس الشرعية في حلقات العلم فللشيخ دروس كثيرة، ومنها درس فقهي في شرح عمدة الفقه لابن قدامة تم تسجيله في (47) شريطاً.
وبعد هذه الجولة القصيرة في النتاج الفقهي للشيخ المحتسب يوسف الأحمد، سنعرض الآن نماذج من أعماله الاحتسابية، وربما يتسرب سؤال لدى القارئ عن الغاية من هذه الورقة؟ والحقيقة أنني سأرجئ الإفصاح عن غاية هذه الورقة إلى خاتمتها.
-مأسسة العمل الاحتسابي:
كان للشيخ يوسف جهود فردية مبكرة في الاحتساب الشرعي، ولما ازدادت المهام أراد أن يرتب أوراقه فأنشأ مكتباً شخصياً للاحتساب في حي الصحافة بالرياض، وكان ذلك في عام 1425ه، ولايزال المكتب يزاول نشاطه إلى الآن، وفي المكتب موظفون رسميون، وفيه متطوعون يستفيدون من خدمات المكتب فقط، وهو مكتب موافق للأنظمة السعودية.
-الاحتساب في قضايا المعتقلين:
في جمادى الأولى من عام 1425ه حين اعتقل الشيخ سليمان العلوان والشيخ عبدالله السعد (الاعتقال الأول) وغيرهم قام كثير من المحتسبين بجهود واسعة لتفريج كربة إخوانهم، كمكاتبة المسؤولين وزيارتهم والإلحاح عليهم، ومن ذلك مخاطبة الملك عبدالله (كان حينها ولياً للعهد) خطابات عديدة، ومما جاء في أحد الخطابات الجماعية ما يلي:
(المقتضي لتحريره اعتقال عددٍ من المشايخ وهم: فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان، وفضيلة الشيخ المحدث عبدالله بن عبدالرحمن السعد، وفضيلة الشيخ حسين بن محمد المستنير، وقد آلمنا خبر اعتقالهم، وحز ذلك في نفوس أهل العلم والدعاة وطلاب العلم، ونرى أن الاعتقال يزيد الأزمة ولا يعالجها، ونتقدم إلى سموكم في معالجة هذه الأزمة بالتالي: خروج هؤلاء المشايخ من السجن، إن كان ثمة ضرورة أمنية فإنه يكون بطريق يتحقق من خلالها حفظ حق الشيخ كاللقيا بالجهة الرسمية في وقت الدوام الرسمي، خروج بقية المشايخ المسجونين، ومنهم: الشيخ الدكتور عبدالله الريس، والشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، وأمثالهم من أهل العلم والدعاة إلى الله) [وثيقة من مكتب الشيخ يوسف الأحمد]
ووقع على هذا الخطاب الجماعي جملة من الدعاة منهم المشايخ: يوسف الأحمد، وعبدالعزيز العبداللطيف، وابراهيم الحماد، وفهد القاضي، و محمد الخضيري، ومحمد الفراج، وعبدالعزيز العمر، ومحمد الهبدان.
وفي ذات الفترة فإن المشايخ المحتسبين خاطبوا جهاتٍ عديدة أخرى للتدخل بطلب الإفراج عن الشيخ العلوان، ومن تلك المكاتبات مخاطبة مكتب المفتي، حيث جاء في خطاب شخصي من الشيخ يوسف لسماحة المفتي:
(لقد آلمنا خبر اعتقال فضيلة الشيخ سليمان العلوان في يوم الأربعاء 9/3/1425ه، وقد أدى ذلك إلى انزعاج عام بين طلاب العلم في المملكة وخارجها، لما للشيخ من مكانة علمية، ونظراً لخطورة الأمر، وحفظاً لحق الشيخ على وجه الخصوص، وحق المشايخ على وجه العموم؛ فإني أقترح إليكم التدخل في هذا الموضوع مع المسؤولين بالحكمة والموعظة الحسنة، في إخراج الشيخ من السجن، وإن كان هناك حاجة أو ضرورة أمنية فلا مانع أن تكون اللقيا بأسلوب يحفظ كرامة أهل العلم، ولا يثير حفيظة الدعاة إلى الله، كمجئ الشيخ إلى الجهة المعنية في أوقات الدوام الرسمي الصباحي..) [وثيقة من مكتب الشيخ يوسف الأحمد، برقم 201/خ، وتاريخ 21/3/1425ه].
وفي رمضان من عام 1426ه رفع المشايخ مخاطبات ومكاتبات وزيارات أخرى للإفراج عن المعتقلين من الدعاة، ومما جاء في أحد المخاطبات الجماعية للملك عبدالله:
(سبب تحريرنا لهذا الكتاب طلب الإفراج عن اثنين من المشايخ المسجونين وهما: فضيلة الشيخ المحدث سليمان بن ناصر العلوان، وفضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس..) [وثيقة من مكتب الشيخ يوسف الأحمد]
ووقع على هذا الخطاب الجماعي عدد من الدعاة ومنهم المشايخ: عبدالرحمن المحمود، وعبدالعزيز الطريفي، ويوسف الأحمد، وعبدالله آل سيف، وفهد القاضي، وعبدالله الريس، وعبدالعزيزالعبداللطيف، وعبدالعزيز العمر، وابراهيم الحماد، وعبدالعزيز الجيل.
وفي جمادى الثانية 1427ه احتسب الشيخ يوسف في مخاطبة وزارة الداخلية بشأن اعتقال الشيخ خالد الراشد، ومما جاء في خطابه الشخصي:
(والمقتضي لتحريره الشفاعة لأخي فضيلة الشيخ خالد بن محمد الراشد، بالسعي في خروجه من السجن، وفضيلته من أشهر الدعاة إلى الله على مستوى العالم الإسلامي..، ونظراً لأهمية الأمر، وحاجة الناس إليه، ورفع الضرر عنه وعن أسرته، فإني آمل منكم الموافقة على إخراجه من السجن عاجلاً) [وثيقة من مكتب الشيخ يوسف الأحمد، برقم 348/خ]
وفي رمضان 1429ه احتسب الشيخ يوسف في مخاطبة وزارة الداخلية للإفراج عن الشيخ عبدالله الطويرش، ومما جاء في خطابه الشخصي:
(أشفع لأخي الفاضل الشيخ عبدالله الطويرش، والذي تم إيقافه قبل ثلاثة أشهر، وأفيدكم بأنه من خيرة الدعاة، وأكثرهم حكمةً وتعقلاً..، فآمل منكم التكرم بالسعي في الإفراج عنه) [وثيقة من مكتب الشيخ يوسف الأحمد برقم 433/خ]
وفي شهر رجب من عام 1430ه احتسب الشيخ يوسف في مخاطبة الداخلية مجدداً بشأن مجموعة من المعتقلين من الدعاة، ومما جاء في خطاب الشيخ الشخصي للداخلية:
(إن المشايخ الذين أوقفوا مؤخراً، وهم: الشيخ ابراهيم الناصر، والشيخ عبدالله الريس، والشيخ عبدالعزيز الجليل، كلهم معروفون بالاستقامة، وبعيدون كل البعد عن الفكر الضال..، آمل منكم التكرم بالموافقة في الإفراج عنهم) [وثيقة من مكتب الشيخ يوسف الأحمد، برقم 497/خ]
وفي رمضان 1430ه احتسب الشيخ يوسف في مخاطبة وزارة الداخلية للإفراج عن الشيخ الداعية إبراهيم الناصر، حيث جاء في خطابه الشخصي:
(المقتضي لتحريره الشفاعة لفضيلة الشيخ الدكتور ابراهيم بن علي الناصر حفظه الله، والذي تم إيقافه قبل أكثر من ثلاثة أشهر، وأفيدكم بأنه من خيرة علماء الشريعة الذين قابلتهم حرصاً على وحدة الكلمة واجتماع الصف، وقد كان له سعي كبير مع الشيخ سفر الحوالي وغيره في إخماد فتنة الفئة الضالة، وحث المشايخ على دعوة المطلوبين لتسليم أنفسهم.. فآمل التكرم بالإفراج عنه عاجلاً) [وثيقة من مكتب الشيخ يوسف، برقم 690/خ]
وفي شهر شوال 1430ه احتسب الشيخ يوسف في مخاطبة الداخلية للإفراج عن الشيخ فهد العساكر، ومما جاء في خطابه الشخصي:
(والمقتضي لتحريره الشفاعة للشيخ الفاضل فهد العساكر حفظه الله، وأفيدكم بأنه بعيد كل البعد عن الفكر الضال أو التكفير..، آمل منكم التكرم بالموافقة في الإفراج عنه) [وثيقة من مكتب الشيخ يوسف الأحمد برقم 552/خ]
وفي صفر 1431ه تحرك الشيخ يوسف للافراج عن الشيخ عبدالرحمن الجريد، بل وتعهد بكفالته، حيث جاء في خطابه الشخصي المرسل إلى وزارة الداخلية:
(إن الشيخ عبدالرحمن الجريد الذي أوقف في 16/9/1429ه من المباحث العامة، وتم انتقاله من ثلاثة أشهر تقريباً إلى الاستراحة: أفيدكم بأنه من خيرة طلاب العلم الذين عرفتهم..، فآمل منكم التكرم بالإفراج عنه، وأنا له كافل وضمين) [وثيقة من مكتب الشيخ يوسف الأحمد برقم 605/خ]
وفي ربيع الأول 1431ه خاطب الشيخ يوسف وزارة الداخلية للإفراج عن الشيخ ابراهيم الريس، ومما جاء في خطابه الشخصي:
(المقتضي لتحريره الشفاعة لفضيلة الشيخ الدكتور ابراهيم الريس، أستاذ التفسير بجامعة الملك سعود، وقد كان له جهد كبير في إخماد فتنة التكفير والتفجير..فآمل التكرم بالإفراج عنه عاجلاً) [وثيقة من مكتب الشيخ يوسف الأحمد برقم 628/خ]
وفي ربيع الأول من عام 1431ه احتسب الشيخ لإخراج أحد الشباب المعتقلين، وتعهد بكفالته، ومما جاء في خطاب الشيخ يوسف إلى الداخلية:
(إن الأستاذ الفاضل خالد بن عبدالله الهملان قد تم إيقافه في شهر ذي القعدة 1430ه ، وقد عرفته بعيداً كل البعد عن فكر الفئة الضالة..، وهو من أفاضل الأساتذة الذين درّسوا أبنائي في ثانوية الإمام السوسي لتحفيظ القرآن الكريم..، فآمل منكم التكرم بالإفراج، وأنا له كافل وضمين) [وثيقة من مكتب الشيخ يوسف الأحمد، برقم 611/خ]
وفي جمادى الأولى 1431ه في اعتقال الشيخ عبدالله السعد (الاعتقال الثاني) احتسب الشيخ يوسف في مخاطبة وزارة الداخلية ومما جاء في خطابه الشخصي:
(المقتضي لتحريره الشفاعة لفضيلة الشيخ عبدالله السعد، وأفيدكم أنه من أفضل علماء الحديث في العالم الإسلامي، ووجوده وأمثاله مفخرة لبلادنا..، ونظراً لمكانته العلمية فإني أقترح إليكم حضوره عند الحاجة إلى الجهة المختصة وقت الدوام الرسمي للإجابة عن أسئلتهم وعودته بعد ذلك، كما كان الصنيع مع عدد كبير من الشباب الذين سلموا أنفسهم بواسطة الشيخ سفر الحوالي..، فآمل منكم التكرم بالإفراج عنه عاجلاً) [وثيقة من مكتب الشيخ يوسف الأحمد برقم 630/خ]
وحدثني الشيخ المحتسب يوسف الأحمد بأنه في أحد الأيام من عام 1424ه طُلِب منه ضمن فريق من الدعاة إلقاء كلمات توجيهية في السجون بشكل عام، وكان أحد هذه البرامج في سجن جدة، وتحديداً في عنبر الحقوق المدنية، وهم المسجونين في قضايا الديون ونحوها، يقول الشيخ بأنه حين جالسهم لينصحهم شكوا له ماحصل لهم من المظالم، حيث أن محاكمتهم مؤجلة، وهم موقوفون على ذمة المحاكمة، وقد تجاوز سجنهم المدة النظامية التي حددها نظام الإجراءات الجزائية، فإما أن يُفرَج عنهم، وإما أن يُحاكموا، أما أن يبقوا في السجن هكذا معلقين فهذا غاية الظلم، يقول الشيخ: فأخذت منهم رقم المادة النظامية التي ذكروا أنها تبين حقهم، وخرجت إلى المنزل وبحثت في نظام الاجراءات الجزائية ونقلت نص المادة وكتبت خطاباً وبعثته للملك، ولجهات أخرى، فصارت مداولات، وتم تشكيل لجنة لحل مشكلتهم ولله الحمد.
ماسبق هو مجرد نماذج مختارة بشكل عشوائي من مئات المكاتبات والمخاطبات في الاحتساب في قضايا المعتقلين، والحقيقة أنني تعرفت على كمية هائلة من الخطابات والإلحاح واللقاءات والزيارات لتفريج كربة المعتقلين من شخصيات احتسابية أخرى غير الشيخ يوسف، فطلبت من الشيخ يوسف الأحمد تمكيني من الاقتباس منها وتوثيقها، فأخبرني أنه لا يستطيع، لأن هؤلاء الدعاة المحتسبين يرفضون أن تنشر مخاطباتهم أو توثق أخبار جولاتهم الاحتسابية على المسؤولين بشأن المعتقلين، فقلت للشيخ يوسف: الشباب يسألون كثيراً عن جهود المحتسبين في هذه القضايا، ويجب عليكم إخراجها للناس، فقال لي: والله لم أستطع أن أقنع المشايخ المحتسبين، بل أخرجت مرةً أحد خطاباتهم فعتبوا عليّ كثيراً.
على أية حال .. دعونا ننتقل الآن إلى محاور أخرى.
-العناية بالحقوق المالية للناس:
في شهر شعبان من عام 1430ه احتسب الشيخ يوسف في مخاطبة الملك عبدالله للمناصحة حول حالة الفقر التي تعصف بالشباب مادياً ومعنوياً، والمطالبة بزيادة إقراض الشباب السعودي لإعانتهم على الزواج، وأن القروض الحالية لا تفي بالمتطلبات، ومما جاء في مكاتبة الشيخ للملك:
(تعيش بلادنا –بفضل الله- ثراءً كبيراً، حتى بلغ فائض الميزانية مئات المليارات، إلا أن الفقر في إزدياد، والشاب الذي تحصّل على أفضل الشهادات وأحسن الوظائف لا يستطيع الزواج وفتح البيت وامتلاك سيارة براتبه فقط، إلا أن يكون من أبناء الأغنياء وهم قلة، أو بتمويل البنوك الذي يقطع الظهور، أتقدم إليكم بهذا المقترح والذي أعتقد بأنه من أهم ماينفع الناس، وهوزيادة قرض بنك التسليف لراغبي الزواج، من خمس وأربعين ألفاً (45,000) ، إلى مائتين وخمسين ألف (250,000) يستلمها الراغب في الزواج على ثلاث دفعات، على أن يكون استلامها فورياً بعد تقديم الأوراق اللازمة، حتى لا نقع في مشكلة صندوق التنمية العقاري من طول الانتظار، وأن يكون سدادها بالأقساط المريحة التي لا تتجاوز الخمسمائة ريال شهرياً، وأقترح –أيضاً- ضرورة حذف شرط سقف راتب المقترض وغيره من الشروط التي تمنع أكثر الشباب من الانتفاع بالقرض، أو تلجؤهم إلى الكذب) [وثيقة من مكتب الشيخ يوسف الأحمد، برقم 536/خ وتاريخ 25/8/1430ه]
وهذه الصرخة حول حالة الفقر، والمطالبة بإقراض الشباب، نشرها الشيخ يوسف علناً أيضاً، في صحيفة الجزيرة حيث يقول:
(أفراد المجتمع يعيشون فقراً متزايداً وارتفاع البترول لم يزدهم إلا غلاءً في السلع، وحديثي هنا ليس عن الطبقة غير المتعلمة، أو عمن يسكن الأحياء الشعبية، وإنما الحديث عن شاب حصل على أعلى الشهادات وتوظف في أحسن الوظائف؛ فإنه لا يستطيع أن يتزوج، ولا يستطيع أن يشتري سيارة، ولا يستطيع أن يشتري أرضاً لبنيانها، بل لا يستطيع أن يستأجر منزلاً ويؤثثه؛ إلا أن يكون والده ثرياً، أو بالقروض البنكية المنهكة، والتي بات كثير من شبابنا أسيراً لها بسبب اقتطاع قسط كبير من راتبه الشهري، وأهم وسيلة في التغلب على هاتين المعضلتين هي: (قرض حسن) من المال العام من الدولة، وليس من الصدقات ) [صحيفة الجزيرة، يوسف الأحمد، ع 13009]
وعلى فضائية الأسرة في هذه السنة استضاف المذيع عبدالله آل يعن الله الشيخ المحتسب يوسف الأحمد للحديث عن (ظاهرة الفقر)، وكان سؤال الحلقة المركزي هو: هل الفقر يعتبر ظاهرة اجتماعية؟ والحقيقة أن جواب الشيخ يوسف في مفتتح الحلقة كان جواباً صادماً، وقد تضمن تأصيلاً فقهياً طريفاً ومؤلماً في ذات الوقت، يقول الشيخ يوسف في جوابه على سؤال الحلقة:
(بحسب تعريف الفقهاء للفقر، فإن أكثر المجتمع فقير، فالذي لا يكفيه راتبه إلا عشرين يوماً، أو شخص مدين لا يستطيع السداد؛ فهو داخل في دائرة الفقر. نحن لدينا الصورة الذهنية للفقر أنه شخص يعيش في "عِشّة" ولا يجد ما يأكل أو يشرب، هذه صورة نمطية، لكن الفقر في حياتنا أوسع من ذلك، قد يكون أستاذ في الجامعة وهو فقير، قد يكون معلم وهو فقير..، ومن المخالفات التي يجب فيها الاحتساب حقوق الناس، والمشكلة موجودة ويجب أن نبذل الوسائل الشرعية والحسية في معالجتها) [حلقة الفقر الخط الأحمر، الحلقة مسجلة في موقع مشاهد نظرة نقية]
كما أن الشيخ يوسف ألقى محاضرة بعنوان (الإصلاح المالي)، وقد طرحها بنفس مادتها مراراً، وسجلها عدة قنوات فضائية، لكن الطريف أنها في كل المرات التي تسجل فيها يعتذر أصحاب القناة عن بثها بحجة أن (المحاضرة صريحة سياسياً بشكل محرج!)
ومما تبناه مكتب الشيخ المحتسب يوسف أيضاً: الشفاعات العامة للناس، فيتقدم إليه الكثير من الشباب الراغب في الزواج يريد، وبعضهم تعثر قبوله في الجامعة، وبعضهم عجز عن دخول المستشفى، وغيرها كثير، فتحرر الشفاعات للمسؤولين والأثرياء، يحدثني الشيخ ويقول: والله إنني في بعض الشفاعات أكتبها وأنا لدي شبه يقين أنها لن تثمر لكن من باب تطبيق قول النبي صلى الله عليه وسلم "اشفعوا فلتؤجروا" ، ومع ذلك فيتحقق في كثير منها آثار طيبة لم تقع لي على بال.
الاحتساب في الحقوق المالية للنساء:
من الأمور المؤلمة في مجتمعنا ونظمنا الوظيفية أن المرأة في فترة (الحمل والحضانة) لا يتم مراعاة ظروفها بمنحها الإجازة الكافية والمبلغ المالي الذي يسد احتياجاتها وطفلها، خصوصاً مع تزايد كلفة برامج متابعة الحمل والولادة والحضانة، وقد اعتنى الشيخ المحتسب بهذه القضية بخصوصها، وتحدث عنها في عدة مؤتمرات وملتقيات، وفي أحد تلك الملتقيات تأثرت النساء الموظفات تأثراً بالغاً، وشرحن معاناتهن مع نظم العمل والتوظيف في السعودية التي لا تمنح المرأة حقوقاً كافية، كما كتب الشيخ المحتسب يوسف الأحمد مقالات في هذا الصدد، ففي مقال له بعنوان (حق المرأة الحاضنة) جاء فيه مايلي:
(المرأة التي تركت العمل من أجل تربية أبنائها هي من أولى الناس بتقدير مهنتها وتعويضها مادياً ولو بالحد الأدنى، فيخصص لكل امرأة حاضنة لطفل مكافأة شهرية من المال العام لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال شهرياً، وأراه حقاً من حقوق المرأة الحاضنة في المال العام، وأولى ما يبذل فيه فائض الميزانية، وهذه الفكرة ليست مقترحاً جديداً بل هو أمرٌ مطبق في عدد من الدول ونحن أولى بها) [صحيفة الجزيرة، حق المرأة الحاضنة، 22/12/1428ه].
الاحتساب في هموم المسلمين في الخارج:
للشيخ المحتسب يوسف الأحمد فتاوى كثيرة في العناية والمناصرة لقضايا المسلمين في الخارج، ومنها:
فتوى في الحكم بأن من أغلق معبر رفح ومنعَ الأغذية والأسلحة عن الفلسطينيين فقد ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام! (الفتوى بتاريخ 12/1/1430ه، الموقع الرسمي)
وفتوى في الجدار الفولاذي الذي يبنيه النظام السياسي المصري وأنه يدخل في تولي الكافرين على المسلمين (الفتوى بتاريخ 13/1/1431ه)
وفتوى في أن الحكومات العربية لا يلزمها أي عهود أومواثيق مع اسرائيل، لأن اليهود في فلسطين محاربون لاعهد لهم ولا ذمة وقد نقضوا عهودهم بالحصار والقتال (الفتوى بتاريخ 15/1/1430ه، الموقع الرسمي).
وشارك في التوقيع على البيان الجماعي الأخير للعلماء والدعاة في نصرة قافلة الحرية والترحم على شهدائها من المسلمين، وكان على رأس الموقعين فضيلة الوالد عبدالرحمن البراك.
وللشيخ يوسف -أيضاً- فتوى ضد تهجم الرئيس الفرنسي ساركوزي على الحجاب (الفتوى بتاريخ 1/7/1430ه، الموقع الرسمي).
وفتوى في نصرة المنقبات في بلجيكا بعد سعيها في سن قانون يمنع النقاب في الأماكن العامة ويعاقب بالسجن والغرامة المنقبات في الأماكن العامة (الفتوى بتاريخ 9/5/1431ه).
وفتوى في نصرة المنقبات في سوريا بعد قرارها منع النقاب في التعليم العالي (الفتوى بتاريخ 10/8/1431ه)
وفتوى بخصوص تهجم الرئيس الإيراني أحمدي نجاد علناً ضد ثلاثة من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- وهم: طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، ومعاوية بن أبي سفيان (الفتوى بتاريخ 24/6/1430ه، الموقع الرسمي)
الاحتساب في قضايا الفضيلة:
لما صدر قرار مجلس الوزراء في 12/4/1425ه بزيادة فرص عمل المرأة في القطاع الأهلي احتسب الشيخ في الدفاع عن حقوق النساء، فإن جماهير الفتيات السعوديات لا يرغبن في العمل في بيئات مختلطة، لأن ذلك يؤذيهن، ويسئ لسمعتهن، وهذا هو السبب في كون الفتيات السعوديات يتقاتلن على وظائف المعلمات ويدعن كثيراً من الوظائف الصحية التي أرغم النظامُ الفتياتِ فيها على الاختلاط، وقسرهن عليه قسراً، فكثير منهن يعملن تحت ضغط الحاجة لا لقناعة بأن هذه هي البيئة المناسبة للمرأة المسلمة، وقد كتب الشيخ يوسف توضيحاً مهما في هذه الصدد يقول فيه تعليقاً على قرار مجلس الوزراء المشار إليه:
(اطلعت على الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة الصحة فوجدت فيه عشرات الآلاف من الوظائف المتاحة للمرأة السعودية؛ كالتمريض والوظائف الفنية والطبية وبمرتبات جيدة، والمتطلبات الدراسية لها في معظمها قصيرة الزمن سنتان أو ثلاث أو أربع بعد الشهادة الثانوية، والسبب الأساس في إحجام المرأة السعودية عن هذا الكم الهائل من الوظائف هو: وجود الاختلاط المحرّم فيها، ويؤكد هذا السبب تزاحم النساء على وظائف التدريس في مدارس الطالبات، حتى إن المعلمة تغترب السنة والسنتين والثلاث وأكثر من ذلك، فتكون من سكان الرياض وتقبل بالوظيفة في عفيف ونجران وتبوك، وفي قرى وهجر، ويبقى محرمها معها طيلة هذه السنوات، والحل هنا سهل؛ وهو فصل مستشفيات الرجال عن النساء، وحينئذٍ ستكون حال هذه الوظائف كحال وظائف التعليم) [الإسلام اليوم، رؤية في قرار مجلس الوزراء حول المرأة، يوسف الأحمد، 16/5/1425ه]
ولو تم فعلاً تنفيذ هذا المقترح، أعني أن فصل أماكن الرجال عن النساء في المرافق الصحية فكم سيوفر ذلك من فرص وظيفية مذهلة للنساء اللاتي طحنتهن حاجات الحياة اليومية المتزايدة، وتوفر لهن حياةً كريمة، ولكنه عناد مجموعة من المسؤولين التغريبيين الذين يحرصون على أن تختلط المرأة أكثر من حرصهم على حفظ كرامتها وسد حاجتها، وصار الأمر عندهم نوعٌ من التحدي والمكابرة على حساب حاجة الفتاة المسلمة.
ومن أهم المشروعات التفصيلية التي طرحها الشيخ المحتسب الأحمد مشروع بعنوان (مشروع السوق النسائي المغلق) وطرح فيه تفصيلاً للتصور المقترح لنموذج السوق النسائي المغلق، وكيف يمكن أن يتضمن: الشركات الراقية، والمرافق الترفيهية، وأجهزة الصرافة، ومضمار للمشي والرياضة، وعيادة نسائية، ومصليات، الخ، ويمكن مطالعة المشروع في الموقع الرسمي للشيخ.
ومن أهم الأمور في هذا الباب سهر المحتسبين وتيقظهم لما يحاك في الخفاء، طالع معي هذا الخطاب الذي كتبه الشيخ المحتسب يوسف الأحمد وبعثه لرئيس مجلس القضاء الأعلى في حينه حيث جاء فيه:
(أرفق لكم تقريراً مهماً وصلني من أحد طلاب العلم عن حذف وزير العمل لنص المادة الرابعة لضوابط عمل المرأة ونصها: "أن تؤدي المرأة عملها في مكان منفصل تماماً عن الرجال" ، والاستعاضة عنها بهذا النص: "يجب على صاحب العمل والعامل عند تطبيق أحكام هذا النظام الالتزام بمقتضيات الشريعة الاسلامية" ، ونظراً لخطورة هذا التغيير، وأن الهدف يصب في المشروع التغريبي، فآمل منكم التكرم بالنظر واتخاذ ماترونه مناسباً) [وثيقة من مكتب الشيخ الأحمد، برقم 371/خ، وتاريخ 10/4/1429ه]
وللشيخ يوسف –مع إخوانه المحتسبين- جهود كبيرة وواسعة في مقاومة مشروعات تغريب الفتاة المسلمة وتهتيك الفضيلة، ومن ذلك فتواه في مصافحة الملك للخريجات في حفل التخرج لهيئة التخصصات الصحية للأطباء والصيادلة في 17/5/1430ه وما فيه من اختلاط محرم (الفتوى بتاريخ 25/5/1431ه، موقع الشيخ الأحمد الرسمي).
وفتواه في السابقة الخطيرة وهي الوفد النسائي السعودي من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الذي قام بزيارة لتونس لدراسة التعاون الثنائي في مجال التدريب التقني (الفتوى بتاريخ 3/5/1430ه، موقع الشيخ الأحمد الرسمي).
وغيرها من القضايا الكثيرة في مجال مقاومة بذور الاختلاط المحرم في بعض الدوائر الحكومية.
-الاحتساب في قضايا الانحراف الثقافي والفني:
للشيخ المحتسب يوسف الأحمد –مع إخوانه من المحتسبين- جهودٌ كبيرة في مقاومة الانحرافات التي يبثها بعض المنتسبين للثقافة عبر معارض الكتاب أو الأندية الأدبية أو المقالات الصحفية ونحوها، ومن ذلك:
فتواه في وجوب محاسبة وزارة الثقافة والإعلام على الانحرافات الثقافية في معرض الكتاب بالرياض المتضمن التمكين لدور النشر المنحلة والإلحادية، وترويج الدواوين التجديفية والروايات الساقطة، واستضافة رموز الانحراف الفكري العربي وتهيئة الأجواء لهم ليبثوا سمومهم، والحقيقة أن كل ذلك يهبط بمستوى الثقافة الجادة النافعة للمجتمع (الفتوى بتاريخ 14/3/1430ه، الموقع الرسمي).
ومن أكثر الأوراق التي كتبها الشيخ المحتسب الأحمد تميزاً ورقة بعنوان (من يحاكم الإعلاميين ياوزير العدل؟) وهي ورقة مطولة تضمنت مناقشة قانونية دقيقة لإشكالية جهة الاختصاص في محاكمة الإعلاميين، وقد راجعها عددٌ من المختصين، وقد صار لهذه الورقة دوي داخل الأجهزة المعنية.
-الاحتساب في قضايا العقيدة:
قام الشيخ المحتسب يوسف الأحمد ومجموعة من إخوانه بزيارة تصويرية تكررت ثلاث سنوات متوالية لبعض البقاع التي تقع فيها الشركيات في مكة المكرمة، وهي ثلاثة مواقع: شاخص جبل عرفة، وغار حراء، ومكتبة الحرم التي يعتقدون أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ولد فيها، وصورت الممارسات الشركية في قرص مدمج (CD) وتم إرسالها إلى الجهات المعنية.
وكان من أكثر المشاهد المصورة قبحاً أن أحد الجهلة يسجد تجاه مكتبة الحرم ويستدبر الكعبة، ظناً منه أن هذا توقير لموضع ولادة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه يجلب البركات، والمشكلة أن عدد الجهلة حول هذه الأماكن كثير جداً، بل واللافت أنه يتزايد سنةً بعد أخرى، حتى تحول إلى "مزار" .
حين طالعت هذه المواد، وخصوصاً الشخص الذي سجد لمكتبة الحرم مستدبراً الكعبة، حمدت الله أن علماءنا ودعاتنا لم يغتروا بالموضات الفكرية التي تزهِّد في ترسيخ التوحيد وتعاهده في النفوس، وما أجمل العبارة التي نقلها الذهبي في تاريخه عن الإمام أبي زرعة الرازي أنه قال (ما أسرع الناس إلى البدع) [تاريخ الإسلام، للذهبي، 18/209] وقد صدق رحمه الله، وهذا يكشف شيئاً من خبرة السلف بالنفوس البشرية وقوانين التاريخ في سرعة التحولات العقدية مالم يقف لها المحتسبون الصابرون.
ما سبق كله نماذج مختارة فقط، ولدي الآن طوابق من الوثائق الأخرى حصلت عليها من مكتب الشيخ يوسف الأحمد وتركتها تحاشياً للإطالة، وثمة وثائق أخرى –أيضاً- موجودة في (الموقع الرسمي للشيخ الأحمد) ومن أحب أن يطالع المزيد يجدها على العمود الأيمن في الموقع بعنوان (حقيبة الحسبة).
-تفعيل آلية دعاوى الحسبة:
نشط الشيخ المحتسب الأحمد –ومعه إخوانه من المحتسبين- في إقامة دعاوى الحسبة، والحقيقة أنه تطورت خبراتهم النظامية والقضائية بشكل ملحوظ مع كثرة لجوئهم للقضاء ومداولاتهم مع القضاة وممثلي التحقيق والادعاء العام والمحامين ونحوهم، وأخبرني الشيخ يوسف أن لديه حالياً سبع قضايا يتابعها، بعضها على جهات وبعضها على أشخاص.
ومن الدعاوى الطريفة التي رفعها الشباب المحتسبون الدعوى في قضية (سينما مناحي) في جمادى الثانية 1430ه، حيث لما أراد الأمير الوليد بن طلال فرض السينما بالقوة بغطرسته المعروفة اشترى مجموعة من الشباب عدداً من التذاكر للحضور، ولما أرادوا الحضور منعهم رجال الأمن، وصار اشتباك بينهم، واعتقل هؤلاء الشباب، فلم يبقوا صامتين، بل رفعوا دعوى على الجهة التي اعتقلتهم، ولما حضر ممثل الجهة المدعى عليها تفاجأ بإصرار القاضي على مطالبته بالأسانيد والحيثيات التي ترتب عليها القبض والسجن، وما الجريمة التي ارتكبوها؟ وكان كل مرة يأتي ممثل الجهة المدعى عليها بلا جواب! وأصر الشباب الأربعة على المطالبة بحقوقهم وتعويضهم، وأنهم لم يثبت عليهم أي جرم في الدعوى.
-دورات تدريب المحتسبين:
تم استضافة الشيخ المحتسب الأحمد مرات كثيرة في عددٍ من دول الخليج لإلقاء دورات تدريبية، حيث استضيف في الكويت ثلاث مرات، وممن حضر بعض تلك الدورات شخصيات من جمعية الإصلاح، واستضيف الشيخ في قطر مرتين، وفي البحرين مرة.
والحقيقة أن الكويت فيها نشاط احتسابي متزايد الآن، وفيها مكاتب حسبة كثيرة، ومن ضمن من يقوم عليها من المشايخ: فايز العنزي، وعبدالمحسن بن زبن المطيري ونحوهم، بيض الله وجوه أولئك الأبطال.
-هل هو الأحمد لوحده؟
لا، قطعاً، بل هناك الآلاف من الدعاة والشباب المباركين العاملين في مجال الاحتساب الشرعي، بل أعرف الآن بعض الدعاة المحتسبين لهم جهود أضعاف أضعاف مايبذله الشيخ يوسف الأحمد، ولكنهم يمتنعون عن تزويد الباحثين بالوثائق لاعتبارات متفاوتة تخصهم، بل وحدثني الشيخ يوسف الأحمد نفسه أن أحد الشباب الذي لازال في مقتبل العمر يكتب شهرياً ما لايقل عن أربعمائة خطاب في سائر المنكرات.
ومن الدعاة المعروفين في مجال الحسبة على سبيل المثال المشايخ: فهد القاضي وعبدالمحسن العسكر والوطبان وابانمي والمبرد وغيرهم كثير، بل من اللطائف التي أخبرني بها الشيخ الأحمد أنه يقول: في كل فترة نتعرف على مجموعات من الشباب لم نكن نعرفهم ونجد لديهم نشاط احتسابي مذهل، وتجدهم يعملون لوحدهم ويتواصلون ويتواصون.
-الارتباط بالعلماء والأنظمة:
سألت الشيخ المحتسب يوسف الأحمد: ما هو أهم اعتبار يراعيه الشباب المحتسبون في الميدان؟ فقال لي: أهم اعتبار أمران: الأول: الارتباط بالعلماء لكي يرشِّدوا المسيرة ويضمنوا عدم الانفلات أو التصرفات المتهورة، والثاني: احترام الأنظمة والدراسة المستمرة للفرص الاحتسابية التي تتيحها الأنظمة وهي كثيرة.
-ما ثمرة المخاطبات والجولات الاحتسابية؟
قد يتساءل البعض: هل هناك فوائد عملية من تلك المكاتبات والجولات الاحتسابية؟ والواقع أنه قبل الجواب على هذا السؤال يجب تقرير الحقيقة الشرعية البدهية في هذا الموضع هي أن (الإنكار غايته الأولى هي الإعذار ثم التغيير)، فإذا لم يحصل التغيير، كان الإعذار قد وقع، كما قال تعالى في حكاية شأن الفريقين الذين اختلفوا في الإنكار طالما أنه لن يغير:
(وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف 164].
فتأمل كيف قدموا الإعذار ثم ثنّو بالتغيير.
هذا من حيث التأصيل الشرعي، أما من حيث الواقع العملي فكل من كان في الميدان وسألته أجابني باندهاش من قوة تأثير هذا الإلحاح والضغط، وصار كثير من المسؤولين يحجزه عن الشر خوف إثارة المحتسبين عليه، ويقول: لا أريد أن أسبب لنفسي بلبلة قد تؤثر على منصبي. بل وفي أحد المرات بعث الشيخ المحتسب الأحمد خطاباً لبعض الدوائر ومنها الديوان الملكي والمجلس الأعلى للقضاء، ونسي الموظف وضع الدراسة المرفقة، فاتصل الديوان والمجلس الأعلى للقضاء كلاهما يطلبان الدراسة المرفقة. وأخبرني بعض المحتسبين عن تشكيل لجان كثيرة على أساس ضغوط مكاتبات ومخاطبات المحتسبين، وخصوصاً أنها ترد إلى الدائرة المعنية بالمئات من مختلف مناطق المملكة.
بل وفي كثير من المنكرات صار المفسدون يقيسون ردة فعل المحتسبين، فيسربون خبراً عائماً للصحافة، كبالون اختبار، فإذا وجدوا مناهضة ومقاومة تملصوا بالتأويلات، وإذا وجدوا صمتاً واصلوا.
وأهم فوائد تلك الضغوط الاحتسابية أنها حتى لو لم تمنع المنكر كلياً، فإنها تقلص الشر كثيراً، فكثير من المنكرات التي فرضت بالقوة لو لم تجد مقاومة لكانت أكثر انحرافاً، لكن المحتسبين فرضوا جزءاً من شروطهم عليها.
ولهذا السبب كان السلف الصالح مواظبون على التزام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى نقل الذهبي في تاريخه خبراً معبراً عن الإمام المحتسب سفيان الثوري:
(وقال شجاع بن الوليد: كنت أمشي مع سفيان، فلا يكاد لسانه يفتر من الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر) [تاريخ الإسلام، الذهبي، 10/237]
وبعض الشباب يقول: أليس من الأولى أن تقوم به مؤسسات؟ والجواب: لا تعارض بين المؤسسات والضغط الشعبي، ففي كل دول العام توجد مجموعات الضغط والتكتلات كما توجد المؤسسات، بل إن أكثر التغيير في المجتمعات يأتي من قوى الضغط الشعبي وليس من المؤسسات الرسمية، ومن كان لديه خبرة بإنشاء المؤسسات فليتقدم إلى الميدان ويساهم بما يعرف، أما أن يجلس في بيته ويسخر بمن يعملون متظاهراً بالوعي السياسي فهذه تسلية البطالين.
-خاتمة: الغاية من هذه الورقة:
الحقيقة أن هذه الورقة هي حلقة من سلسلة في ثلاثة مسارات:
المسار الأول: استعراض لأعمال بعض رموز الاحتساب الشرعي ومنجزاتهم، وقد أمكنني المبادرة بتحرير هذه الحلقة عن الشيخ يوسف الأحمد لأنه –شكر الله سعيه- تعاون معي، وزودني بكل الوثائق التي تطلبها تحرير هذه الورقة، وسأواصل الإلحاح على بقية شيوخ الحسبة ليتيحوا للباحثين الاطلاع على منجزاتهم، ولذلك آمل من إخواني الشباب الذين لديهم مشروعات احتسابية أن يزودوني بالمادة على بريدي الإلكتروني أسفل هذه المقالة.
المسار الثاني: رصد واستعراض المنجزات المؤسسية الدعوية الإسلامية، سواءً كانت مؤسسات علمية إسلامية مثل: مركز تأصيل، ومركز الفكر المعاصر، ومركز تدبر، وبرنامج النخبة للعلوم الشرعية، ومركز رؤية في الرس، ومؤسسة زاد، ومركز باحثات، الخ
أو كان مؤسسة اجتماعية إسلامية: مثل قافلة الخير بالمنطقة الشرقية، وجمعية وئام لتيسير الزواج، وجمعية تكافل لرعاية الأيتام، الخ.
وقد اجتمع لدي الآن قائمة ضخمة من هذه المؤسسات الإسلامية (علمية واجتماعية)، ولا زلت أطمع في المزيد من المعلومات، ويحتاج تحريرها إلى وقت، وقد اقترب شهر رمضان وله خصوصيته المعروفة، فلعلي أحرر هذه الورقة بعد رمضان بإذن الله، وآمل من إخواني الشباب الذين يملكون معلومات عن المؤسسات الاسلامية (علمية أو اجتماعية)، وليس لأصحابها تحفظ على نشرها؛ أن يزودوني بها مشكورين على بريدي الالكتروني أسفل هذه المقالة.
المسار الثالث: استعراض الدراسات الشرعية في الحقول المدنية، وقد جمعت بيبليوجرافيا ضخمة عن دراسات الشرعيين في المجالات المدنية المعاصرة، أعني الدراسات الشرعية في قضايا: السياسة والاقتصاد والقانون والحقوق والفقه الطبي والتقنية والفلسفات الفكرية الحديثة. وسبق أن نشرتُ جزءاً من عناوين هذه الدراسات في ورقة بعنوان (الخطاب الشرعي والحقول المدنية) ، ولكنني في المرة القادمة سأوسع هذه القائمة وأتمنى من أحد الباحثين أن يقوم باستعراض عام لخلاصات تلك البحوث.
ولكن ما الهدف من هذه المسارات الثلاث؟
الحقيقة أنني أتمنى وآمل من خلال هذه المسارات الثلاث أن أوصل ثلاث رسائل لثلاث فرق، فريق المتطلعين، وفريق المخذلين، وفريق الليبراليين.
فأما فريق (المتطلعين) فأعني بهم دعاة الجيل الجديد من الشباب المتطلعين للعمل الاسلامي والذين يقولون دوماً لا نريد كلاماً نظرياً، نريد أن نرى نماذج عملية على الأرض نستفيد من تجاربها، ولذلك فمن حق هؤلاء الشباب علينا أن نوفر لهم التجارب الإسلامية الموجودة في الاحتساب، وفي المؤسسات الإسلامية، وفي الدراسات الشرعية في القضايا المدنية، بحيث يستطيعوا أن ييستفيدوا من تراكم هذه التجارب والخبرات ويطوروها تجاه المزيد من الدقة والتصحيح، ويواصلوا المسيرة لا أن يقوضوها.
وأما فريق (المخذلين) فأعني بهم مجموعات متناثرة تضع نفسها داخل الصف الإسلامي، لكن قضيتها وديدنها انتقاص الصحوة والسلفية والدعاة والمحتسبين وطلاب العلم بأنهم عبيد الحكومة وخدم الاستبداد وأنهم لم يقدموا شيئاً، وكل واحدٍ من هؤلاء قد فتح له صفحة شخصية على شبكة الانترنت يوهم نفسه ومن حوله أنه "غيفارا جزيرة العرب"، فأقول لهؤلاء: أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا، وخير من ذلك قوله تعالى (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) [التوبة 79]
وأما فريق (الليبراليين) فإني أتمنى أن تصل إليهم الرسالة أكثر صراحة ووضوحاً، وهو أنه مهما استغليتم توازنات الظرف السياسي الحالي للتأليب الإعلامي ضد علمائنا ودعاتنا ومحتسبينا فإننا سنزداد توقيراً لهم، وذباً عنهم، ونصرةً لهم، فنحن أمة لا تعق مصلحيها بإذن الله، بل كل من وضع لبنة واحدة في العمل الإسلامي وضعناه فوق رؤوسنا.
إن الآلية المزدوجة التي صار يستعملها الإعلام الليبرالي وهي آلية (التشويه والتشييخ) أعني تشويه عامة علماء أهل السنة عبر الترصد لفتاواهم وعرضها في قوالب نمطية محرّفة، في مقابل تشييخ وترميز شخصيات منتسبة للشريعة بعينها وهي التي تتوافق مع متطلبات الفكر الليبرالي، بأن تكون شخصيات لا تهدد الأجندة الليبرالية، هذه الآلية المزدوجة لم تعد تنطلي على من له أدنى متابعة في الساحة، وصاحب المروءة تأبى عليه مروءته أن يكون شيخاً وفق متطلبات الإعلام الليبرالي لكن لله في خلقه شؤون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.