قال لي صاحبي المثقف: مجتمعنا ليس بحاجة إلى الفتوى لأنه مجتمع متدين بطبعه، فأجبته: لهذا هو محتاج إلى الفتوى، لأجل إقامة حركة التدين على بحبوحة الاعتدال، والعبث في الفتوى أو التحرش الظالم بجنابها جريمة لا يوازيها إلا التحرش بحقيبة القضاء والتعرض الظالم لقضاة العدل، وهو ما لا تسمح به أي دولة. وقلت: إن الفتوى للمجتمع كالنقود للاقتصاد، هي بمثابة المعيار لتصرفات الأفراد والجماعات، وهي الميزان العادل للعبادات والمعاملات، والتساهل في الفتوى كالعبث بالنقود، والإسراف فيها كإغراق السوق بالنقد، وترويج الآراء الشاطحة اللامسؤولة كالترويج للعملة الزائفة، وقد كان الأوائل يسمون الدينار: العدل الصامت، فلتكن الفتوى: العدل الناطق، ولتبق لها أبهتها وجلالتها. وفي تصوري أن الإفتاء الخاص والعام أيضًا ضرورة تقتضيها سنن الاجتماع البشري في كل مجتمع مسلم، لأنه تعرض للناس إشكالات لا بد لهم ممن ينهض بواجب الإفتاء فيها، ذلك أن الشريعة أمر ونهي يترتب عليهما ثواب وعقاب في الدنيا والآخرة، وفي عصرنا هذا صار الإفتاء وبث الوعي الشرعي مثل صمام الأمان لقدر الضغط بفعل الشبهات الخطافة، أي اختلال في توازنه سوف يفسد الطعام، ويشهد لهذا قصة دولة ما شمال إفريقية، حصرت التعليم الديني في المرحلة الجامعية على الأجانب في حين منعت المواطنين من الالتحاق بهذا التخصص بحجة أنهم شعب متدين بالفطرة!، فلم تأت النتيجة على ما أراد صاحب القرار ولم تجف منابع الممانعة، بل تفجرت وتفاقمت حركة التدين في كل مدينة وقرية، بل حصلت أحداث غير مرضية، كان من أبرزها ظهور “الجماعة المقاتلة” في ذلك البلد، هذه قصة تؤكد خطورة لجم الأصوات الفطرية المعتدلة في أي مجتمع. ضبط الفتوى العامة غاية ما هنالك أنه لا بد من ضبط الفتوى العامة بطريقة موضوعية، ووضع قواعد سلوك للفتوى بعامة يفيء إليها الجميع، الأفراد والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية، ولا بد من تقليم أظفار الشذوذ لا استئصالها، لأنه لا بد للمؤهلين من فسحة فكرية ليتحدثوا بلا وجل ويسمع لقولهم بلا ارتياب، حتى لو فرض وقوع الخطأ من هذا المفتي أو تلك القناة أو ذاك الموقع الإلكتروني فهذا من طبيعة الوجود البشري، فإن المفتي بشر يخطئ تارة ويصيب تارة والعاقل يشج مرة ويأسو أخرى، وما من عالم كبير ولا صغير قديم ولا معاصر إلا وحفظت له زلة أو مخالفة علمية لجماعة العلماء، ولم يمنع هذا الناس من حفظ مقام أهل الفضل، ولن يصل المجتمع إلى مرحلة النضج الفكري إلا بفسح المجال للاجتهاد والإبداع، ولا إبداع إلا بحرية، فإن الاجتهاد جبان والإبداع أشد جبنًا!. ويبقى الشيء المهم وهو الرفق والأناة وحفظ الحقوق في معالجة الأخطاء وإحداث التغيير الإيجابي بأقل قدر من زعزعة الاستقرار الفقهي والنفسي، وهذا يخاطب به جميع الأطراف، وليس عدلًا أن يطلب من العلماء أن يتعقلوا في حين يتهور غيرهم. أما مواقد الفتنة فإن إطفاءها لا يكون إلا بتكثير الناطقين بلسان العلم من عقلاء أهله الذين هم أهله، فإنك بفتحك المصابيح تقلل العثار والشطح، وإلا اضطررت الناس إلى إشعال النيران ليستصبحوا بها، وربما تشيطنت تلك النار فأحرقت!. ويقصد بالفتوى العامة في الدرس الفقهي ذلك الرأي الفقهي المعلن، الذي يلزم عموم المجتمع باتخاذ موقف عملي معين تجاه قضية عامة، كما في الفتاوى المتعلقة بالنفير للقتال أو الامتناع عنه في زمان معين أو مكان معين، فهذه تكون لجماعة العلماء الذين هم جزء من أهل الحل والعقد في الدولة، ومنازعتهم الفتوى في هذه المسائل باب من أبواب الفتنة وقى الله المسلمين شرها. لكن ليس من الفتوى العامة في عرف الفقهاء إفتاء الناس في شؤونهم الفردية حتى لو حصل نقل هذه الفتوى عبر وسيلة إعلامية عامة، فهذه من حق العالم المؤهل أن يقوم بها دون أن يتجاوز حدوده أو يتعدى على حقوق الآخرين وأعراضهم وأشيائهم، ذلك أن المقصود ضبط الموقف “العملي” للجماعة، ولو اختلفت آراؤهم الفقهية والفكرية، فليس المطلوب القضاء على اختلاف الآراء وتنوع المذاهب، فلتتواتر الآراء الاجتهادية ولتتابع، لتتجدد للناس الفتوى بقدر ما يحدثون من أوضاع وتغييرات، ولتواكب الفتوى نمو المجتمع وتسعى في ترشيده وتسديده، إنما المطلوب القضاء على التنازع العملي ومشاقة السلطة. المفتي والمستفتي ومع هذا؛ ولكي يكون الحديث في الفتوى الخاصة أدق فلا بد من التأكيد على الفرق بين الفتوى الخاصة بين المفتي والمستفتي، وبين الفتوى الخاصة التي تكون في المحافل العامة، فهذه الأخيرة لها ضوابط عند العلماء أشار إليها الإمام الشاطبي، بحيث تراعى فيها قواعد النظر العام، فلكل مقام مقال وليس كل ما يعلم يقال، والناس ينظرون إلى المفتي في وسائل الإعلام نظر الطير إلى اللحم، والصحافة من وراء ذلك. أما الشذوذ والزلل في الفتوى فإنه يتمظهر بأحد مظهرين: تصوير الدين على غير ما هو عليه أو تصوير الواقع على خلاف ما هو به، كما أن عسف الواقع بالباطل، بتهويل الوقائع أو تهوينها خروج عن حد الإنصاف الذي هو عنوان أهل العلم والإيمان، ويحصل هذا برسم صورة (فواقعية) أي فوق الواقع الحقيقي، لغرض استنهاض الجمهور مع أو ضد، كما يحكى عن أينشتاين قوله: (إذا لم يوافق الواقع النظرية غيّر الواقع)!. ومن ذلك أن ينكر المفتي ما كان جاريًا بين الناس في بلدٍ من البلدان وله مستندٌ معتبر، ولو على جهة “مرجوحة” بحسب نظر المفتي، فإنَّه لا ينبغي له أن يحمل الناس على رأيه، ويشوِّش عليهم في مسألةٍ اجتهادية، لكن يبين مذهبه في المسألة على وجه التلطُّف، ويترفق في بيان الرأي الراجح عنده، هذه قضية يجب التأكيد عليها، وهي ضريبة يجب أن تدفعها المجتمعات المحافظة التي انفتحت على الفضاء، وهي معروفة قديمًا، حتى كان العلامة ابن سراج المالكي -رحمه الله تعالى- يقول: إذا جرى الناس على شيءٍ، وله مستندٌ صحيحٌ، وكان للإنسان مختارٌ غيره؛ لا ينبغي له أن يحمل الناسَ على مختارِه، فيدخل عليهم شغبًا في أنفسهم، وحَيرةً في دينهم، إذ من شرط تغيير المنكر أن يكون متفقًا عليه اه [التاج والإكليل (2/121)]. والبعض قد يقول: إن هذه سذاجة فكرية، وإن وراء الأكمة شيء، وإن التنظيم الجديد والمنع الصادر شيء يراد لغيره، وفي اعتقادي أن التفكير بهذه الطريقة الريبية يحرم المجتمع من جهود كثيرة يمكن أن تصرف في تعزيز الإيجابيات وإحداث التوازن المطلوب في العديد من المشروعات العامة. ولهذا فإن من صور الخطأ في تصوير الواقع والحكم على الأشياء أن بعض الفضلاء إذا رغب في رسم صورة نمطية عن شيء ما من المشروعات أو الفعاليات أو الأشخاص، يعمد -بحسن قصد- إلى البحث في التاريخ والملفات الخاصة والسير الذاتية والقرائن ما قرب منها وما بعد، وربما يجد ما يشكل به الصورة المطلوبة، ثم يبني على هذا التصوير حكمًا عامًا ودافعه في ذلك الغيرة على الدين، وهذا حيف وجنف، ولو لم يترك العاقل مثل هذه المبالغات إلا مروءة لكان ذلك أوفر لعقله، على أننا نلحظ هذه الطريقة عند كثير من أهل العصر المتدين منهم وغيره، وقد كنت أظن أن هذا السلوك قد تفرد به المعاصرون حتى وقفت على كلام لأبي حامد الغزالي رحمه الله ينكر هذا الصنيع على بعض معاصريه فيقول: “والمناظر لا ينفك عن طلب عثرات أقرانه وتتبع عورات خصومه، حتى إنه ليخبَر بورود مناظر إلى بلده فيطلب من يخبر بواطن أحواله، ويستخرج بالسؤال مقابحه، حتى يعدها ذخيرة لنفسه في إفضاحه وتخجيله إذا مست إليه حاجة...”اه. القواعد الموضوعية إن وضع القواعد الموضوعية المنظمة للشأن الإفتائي دون التضييق على الصوت المؤهل الرشيد -وهو ما يؤمله الناظرون بإيجابية- هو مما جرت عليه مذاهب الفقهاء، وقد توافق الفقهاء قديمًا على تنظيم السلطة العلمية فيما بينهم، فليس لكل أحد أن يقول في الدين أي شيء، بل كانوا ينظمون بعضهم على هيئة طبقات تراتبية لا يتجاوز الأدنى الأعلى: فمجتهد مطلق، ومجتهد في المذهب هو دون الأول، ومجتهد الفتيا والترجيح دونهما، في نسق وفاقي يعرف فيه كلٌّ حده وقده. وهذا بالطبع تنظيم اجتهادي جارٍ على قاعدة السياسة الشرعية، ابتغوا من خلاله تعليم بعضهم قدر بعض، حتى ذكر الإمام النووي أنه يمنع الأصاغر عن الفتوى في المسائل الكبيرة، وأنه لا يجيب في الكبار إلا المستبحر من الفقهاء، يعني الذي اتسع علمه حتى صار كالبحر فهو ريان من الفروع والمعارف والتجارب، ومن أراد من ناشئة الطلاب المباحثة في المسائل الكبيرة فليكتب وليناقش كما يشاء. وهذا يعني أن المسائل الكبيرة سوف ترتحل إلى حيث “الأساطين”، بآية أنك تجد مدونات الفتوى في عامة المذاهب تتوفر على أسئلة واردة من بقاع شتى، ومحررو هذه الاستفتاءات “فقهاء” في الغالب الأعم، يظهر هذا من صياغة كثير منها بلغة فقهية عالية لا يجيدها إلا من مرس في أفانين الفقه. هذا في العصور القديمة التي كانت الأمور تجري فيها بطريقة بسيطة، فكيف وقد حصل في هذا العصر أن صارت الفضائيات أروقة فقهية يعلو منصتها فقهاء شباب ناهضون بعبء الإجابات الشرعية باقتدار في الجملة، وهذه بلا ريب مكاسب إسلامية أولًا ووطنية ثانيًا تستحق الإشادة والاحتفاء، لما لها من أثر في تعزيز موقع المملكة في العالم العربي والإسلامي، وكثير من الدول القريبة والبعيدة تتشوق لترقى هذا الكرسي، وتتشوف إلى استقطاب من لم تستوعبه الأوعية المحلية المتاحة. ولهذا أيضًا فإن تجهيز الفقيه المناسب للإفتاء الفضائي يحتاج إلى برامج تخصصية في صناعة الفقيه الواعي المعتدل العالم بمواطن الجزم ومواطن التردد، فلا يقطع في محل الاستظهار والمقاربة فيضل ويضلل، ولا يتلعثم في مقام الجزم والحزم، ويتمرن على التفريق بين يشدد فيه وما لا، وبين ما يصح تغليظه وما لا، فثمة أمور من شأنها التغليظ وأخرى ليست كذلك، ونجد تطبيقات هذه القاعدة في أبواب الحدود والجنايات وأبواب النجاسات وغيرها من كتب الفقه، والأهم من ذلك أن يتم التوافق بوضوح على الفروق بين الخطاب المحلي والخطاب العالمي، والتمييز بين ما تؤثر فيه الجغرافيا والتاريخ وما لا. الفهم والتحليل ومن ذلك أيضًا توفره على مهارات الفهم والتحليل والاقتدار على تفكيك الأسئلة وفرز المناطات منها، وكذلك فرز ما يكون من سبيل الفقه وما يكون من سبيل السياسة الشرعية والشؤون التدبيرية، وتزويده بمهارة الاستشارة لأهل العلم وذوي الخبرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه يشاور أصحابه في المسائل التدبيرية وفي شؤون الحرب والسلم وما جرى مجراها، وهكذا كان خلفاؤه من بعده، ولهذا استحب الفقهاء للقاضي أن يكوّن له صداقات من ثقات أهل كل مذهب، يحضرهم مجلس القضاء ليعززوا رأيه ويفتحوا له مغاليق المشكلات. ومن ذلك أن يشرف على مسائل الخلاف العالي بين المذاهب، ويستوعب ما استجد من أعراف ونظم وقوانين وأوعية ومضامين، ويتهذب بأخلاق القرآن ليتورع عن المغالطات، وينطق بمحكمات الشريعة ويستحضرها للناس، ويبعد عن كزازة الجفاء والتنطع ورخاوة التساهل المفرط. وهذا بالطبع لا يغني عن تأسيس الوعي العام لدى الجمهور وشرائح المستفتين بالتعامل الأمثل مع الخلاف الفقهي، والسلوك الصحيح في حال اضطراب حبل الفتيا، بالإضافة إلى تكوين إعلاميين قادرين على التعامل الناضج في هذا المجال، لأن هذا الأخير هو دور الإعلام الوطني والمستقل بامتياز. إن تصحيح الوضع الحالي هو بيد المؤسسات الرسمية بالدرجة الأولى، ومؤسساتنا بأمس الحاجة إلى التطوير الإداري والمؤسسي، الذي يأتي على مكامن القصور على المدى الأبعد، حتى لو فرض وقوع الخلل المشروعاتي في راهن الحال، أو حدوث مخالفات شرعية في بعض التطبيقات هنا وهناك، مما هو طبيعي في الممارسات البشرية المعرضة للصواب والخطأ، ومع وجوب التأكيد على إنكار الخطأ والدأب على فتح قنوات المراجعة والتصحيح، بيد أن نضج المؤسسة وتنهيج الاحتساب المؤسسي من داخل المؤسسة وخارجها كفيل بإيجاد آليات الرقابة وقياس الأداء والتصحيح المستمر والترقية المتدرجة، وإلا فإن البديل عن التصحيح المؤسسي سيكون حتمًا المبادرات الاحتسابية الفردية والجماعية غير المنظمة، التي قد تأتي ناضجة رشيدة وربما تجيء مرتجلة قاصرة، والاحتساب كما أنه شريعة سماوية نحتفي بها هو أيضًا ظاهرة صحية في المجتمعات الحديثة إذا فتحت له مسارات مناسبة ووضعت ضمانات تمنع المحتسب من التجاوز وتحفظ حقه، كما تمنع المسؤول من إغلاق الباب الذي تؤكد التوجيهات الرسمية دائمًا على إبقائه مفتوحًا، وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية أن كل إنسان على وجه الأرض هو محتسب بالضرورة، فهو إما آمر أو مأمور، بالخير أو بالشر، وأنه من لوازم وجود بني آدم، وأن القعود عنه كان سببًا لانهيار الأمم السابقة، لكنه يقيد هذا بالقدرة، والقدرة إما طبيعية أو شرعية، فالعاجز عن الاحتساب معذور، كما أن الاحتساب الذي يفضي إلى وضع أسوأ من الواقع يكون ممنوعًا شرعًا كذلك. دور فقهي ولأن للمملكة دورها الفقهي والتشريعي الريادي في الفضاء الإسلامي، ولأن هذا الدور هو عنصر قوة استراتيجية تتمنى أي دولة إسلامية لو توفرت عليه، فلا بد أن تتضافر الجهود للحفاظ على هذه المكانة، ومن ضرورات هذا الهدف أن توضع خطة لتطوير الوضع الفقهي المحلي للسنوات القادمة، بحيث يبدأ بتطوير المؤسسات الشرعية كالإفتاء ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، وذلك من النواحي الإدارية والإجرائية، الأمر الذي سيحول الخبرة المتراكمة لدى هذه الجهات لتكون قريبة التناول، وسيجعل تواصل شرائح المجتمع معها أقرب تناولًا. ومن ذلك أيضًا أن تقوم هذه الجهات بتنظيم ندوات وحلقات نقاش ودورات متخصصة في فنون الإفتاء والتعامل مع المستفتين، يجتمع فيها أهل العلم والخبرة في هذا المجال، ويتبادلون فيها الرأي ويخلصون من خلالها إلى رسم قواعد سلوك ومبادئ عامة يستهدي بها المشتغلون في المجال الإفتائي بخاصة والشرعي بعامة، ويمكن بلورتها فيما بعد لتكون مواد دراسية يتلقاها طلاب الشريعة. ولأن عددًا من الإعلاميين الذين يتعاملون مع الفتاوي اليومية هم جزء من المشكلة وقد تخفى عليهم بعض الأبجديات الفقهية والنظامية، فمن المناسب أيضًا تجهيز دورات لإعداد الإعلامي والمراسل المختص بشأن الإفتاء، بحيث يتقن التحاور مع المفتي ويتمكن من الصياغة الصحيحة للفتوى. كما أن تنظيم حلقات نقاش دورية تجمع الفقهاء والإعلاميين وكتاب الأعمدة الصحافية ومقدمي البرامج الحوارية، وعقد شراكة بين المؤسسات الشرعية والمؤسسات الإعلامية سوف يجسر الفجوة ويقلل هامش الأخطاء، بحيث يتبلور لنا ميثاق شرف فقهي إعلامي، يسهم في ردم الفجوة من جانبها الأخلاقي والمهني. ويا حبذا انشغال بعض طلبة العلم بالبحوث العلمية والدراسات التطبيقية، التي تدعم اتخاذ الرأي الفقهي المعاصر، وماذا عليهم لو أن بعض الجهود المتناثرة تحولت إلى عمل بحثي جاد وإنشاء بيوت الخبرة ومؤسسات التفكير المركّز لمعالجة الفقر المعرفي الحاصل في الحقل الفقهي، وإثراء بحوث النوازل المالية والاجتماعية والأخلاقية، وهو ما نرى بداياته لدى قلة من الشباب النابض بالعطاء، بحيث يحصل التحول الجزئي من “الفقه الحارس” إلى “الفقه الباني”، ومن الاكتفاء بمجرد بيانات “براءة الذمة” إلى الإسهام في بناء الوعي في الأمة شرعيًا وأخلاقيًا، في اعتقادي أن هذا سيحقق لمجتمعنا خيرًا كثيرًا، وستجتمع لنا الحراسة مع البناء، صحيح أن هذا السبيل أصعب وأعسر وأن الفتوى أيسر تناولًا من البحوث والدراسات، إلا أن البحث الجاد أحمد وأنفع وأبقى. هذا رأي رأيته تحريت فيه محكمات الشريعة ومقتضيات المصلحة العامة، فإن كان صوابًا فبفضل الله وإلا فإني مستغفر الله إنه غفور رحيم، والله تعالى أعلم. • أكاديمي، وباحث إسلامي