الأمن هو جزء لا يتجزأ من احتياجات البشر الأساسية للقدرة على البقاء والعطاء والتطور. ومع الانتشار الواسع للتقنية الحديثة وانتقال حياة الفرد والمجتمع بقطاعيه الخاص والعام إلى الفضاء الإلكتروني، أصبح الأمن السيبراني لا يقل أهمية عن الأمن الحقيقي بل صار جزءا أساسيا من أجزائه. ودلالة على ذلك الخسائر الضخمة من جراء الجرائم الإلكترونية، حيث وصل متوسط إنفاق الشركات عالميا على الأمن السيبراني حسب تقرير نقابة البيانات الدولية IDC إلى 73 مليار دولار سنويا، ومن المتوقع أن يتجاوز هذا الحد 100 مليار دولار سنويا مع مطلع عام 2020م حسب ما أشار إليه التقرير. كما تتسبب الجرائم الإلكترونية بخسائر مالية عالميا، تتراوح ما بين 375 و575 مليار دولار حسب أحدث دراسة أصدرتها إنتل سيكيورتي. وما صدور الأمر الملكي السامي بإنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، والتي سترتبط مباشرة بخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ورعاه- إلا دلالة واضحة على تلك الأهمية البالغة والحاجة الملحة لمثل هذه الهيئة خاصة مع التصاعد المستمر للهجمات الإلكترونية والجرائم المعلوماتية. ومفهوم الأمن السيبراني أوسع وأشمل بكثير من مفهوم الأمن المعلوماتي، حيث يتضمن الأمن السيبراني تأمين البيانات والمعلومات التي تتداول عبر الشبكة الداخلية والخارجية من الاختراقات الإلكترونية وحماية الفضاء الإلكتروني منها بشتى أنواعها. ويعتبر الأمن السيبراني هو السلاح الاستراتيجي الوحيد أمام الهجمات الإلكترونية وجزءا من تكتيكات الحروب الحديثة ولهذا كان إنشاء هذه الهيئة خطوة بالغة الأهمية. ومن الجدير بالذكر أن من أهداف رؤية 2030 تطوير البنية التحتية الرقمية للمملكة العربية السعودية، ويعتبر الأمن السيبراني أساسا في ذلك التطوير بمجموع وسائله التقنية والتنظيمية والإدارية والتطبيقية، والتي سيتم استخدامها لمنع الهجمات الإلكترونية بشتى أنواعها كهجمات الاختراق وحجب الخدمات وغيرها. والأمن السيبراني كأمن المعلومات يرتكز على ثلاث ركائز أساسية لا يمكن لواحدة أن تتخلف عن الأخرى وهي: التوفر والموثوقية والخصوصية. فالمعلومة يجب أن تكون متوفرة عند الحاجة إليها وموثوقة المصدر آمنة من العبث أو التغيير، إلى جانب أنه لا يطلع عليها إلا المخول له الاطلاع عليها، وكل ذلك لا يتم إلا عن طريق تحقيق معايير الأمن السيبراني الصحيحة. وقد أكد معالي الدكتور مساعد بن محمد العيبان وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء ورئيس مجلس إدارة الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، أن الهيئة ستضع على رأس أولوياتها استقطاب الكوادر الوطنية المؤهلة والطموحة وتأهيلها وتمكينها، وهذا التصريح من معاليه من الأهمية بمكان، حيث حساسية التعامل مع الأمن السيبراني والحاجة الشديدة إلى رفع مستوى الكفاءات الوطنية للوصول إلى المستوى المطلوب للإسهام في تحقيق نهضة تخدم مستقبل الاقتصاد الوطني للمملكة.