رحلة نفسيّة في السفر الجوّي    العمل عن بُعد في المستقبل!    العلاقات السعودية الأمريكية.. استثمار 100 عام!    أميركا خارج اتفاقية «باريس للمناخ»    السواحه: المملكة تقود التحول نحو اقتصاد الابتكار بإنجازات نوعية في الذكاء الاصطناعي والتقنية    ما أحسنّي ضيف وما أخسّني مضيّف    السياسة وعلم النفس!    غزة.. لم يتبق شيء    رئاسة على صفيح ساخن:هل ينجح جوزيف عون في إنقاذ لبنان    "خالد بن سلطان الفيصل" يشارك في رالي حائل 2025    كل التساؤلات تستهدف الهلال!    الثنائية تطاردنا    تاريخ محفوظ لوطن محظوظ برجاله..    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    نقل العلوم والمعرفة والحضارات    خلال زيارته الرسمية.. وزير الخارجية يلتقي عدداً من القيادات اللبنانية    وزير الخارجية يلتقي رئيس وزراء لبنان المكلف    قرار في الهلال بشأن عروض تمبكتي    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    «حرس الحدود» بجازان ينقذ مواطناً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    وزير الصناعة والثروة المعدنية يفتتح المؤتمر الدولي ال 12 لتطبيقات الإشعاع والنظائر المشعة الأحد القادم    نائب وزير البيئة والمياه والزراعة يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته ل4 سنوات    هيئة الفروسية تناقش مستقبل البولو مع رئيس الاتحاد الدولي    مانشستر سيتي: مرموش كان بمقدوره تمثيل منتخب كندا ويعتبر محمد صلاح قدوته    10 عروض أدائية سعودية وبرازيلية تدشن معرض «التقاء»    سرد على شذى عطر أزرق بمقهى "أسمار" الشريك الأدبي في أحد المسارحة    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة الرئيس السابق    «حرس الحدود» بعسير يحبط تهريب 795 كيلوغراماً من القات    إنجازات سعود الطبية في علاج السكتة الدماغية خلال 2024    فرص تطوعية إسعافية لخدمة زوار المسجد النبوي    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثانية عشرة لمساعدة الشعب السوري    ترمب يعيد تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية"    هطول أمطار متفاوتة الغزارة على معظم مناطق المملكة.. ابتداءً من اليوم وحتى الاثنين    ولي العهد للرئيس الأمريكي: توسيع استثمارات السعودية مع الولايات المتحدة ب 600 مليار دولار    اتحاد بنزيما «شباب وعميد»    أفراح آل حسين والجحدلي بزواج ريان    1000 معتمر وزائر من 66 دولة هذا العام.. ضيوف» برنامج خادم الحرمين» يتوافدون إلى المدينة المنورة    مجلس أكاديمية الإعلام يناقش الأهداف الإستراتيجية    أمير الشرقية يستقبل الفائزين من "ثقافة وفنون" الدمام    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي ينهي معاناة مراجع مع مضاعفات عملية تحويل المسار بجراحة تصحيحية نادرة ومعقدة    مختل «يذبح» جاره في مصر.. مصدر أمني ل«عكاظ»: القاتل يهذي بكلمات غير مفهومة    القيادة تعزي الرئيس التركي في ضحايا حريق منتجع بولو    سليمان المنديل.. أخ عزيز فقدناه    ندوة الإرجاف    المجتمع السعودي والقيم الإنسانية    ثقافة الابتسامة    الدرونز بين التقنية والإثارة الرياضية    وصية المؤسس لولي عهده    وزير العدل يلتقي السفير الصيني    نموذج الرعاية الصحية.. الأثر والرعاية الشاملة !    مستشفى الملك فهد الجامعي يجدد اعتماد «CBAHI» للمرة الرابعة    "ملتقى القصة" يقدم تجربة إبداعية ويحتضن الكُتّاب    الفن التشكيلي السعودي في كتاب    فرص للاستثمار بالقطاع الرياضي بالمنطقة الشرقية    اختتام المخيم الكشفي التخصصي على مستوى المملكة بتعليم جازان    رابطة العالم الإسلامي تعزي تركيا في ضحايا الحريق بمنتجع بولاية بولو    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصة القصيرة جدا ووهم القراءة السريعة
مجموعة «في حقول القمح رجل..» نموذجا
نشر في اليوم يوم 04 - 06 - 2016

تدعي القصة القصيرة «جدا» مقدرتها على اجتذاب شرائح جديدة من القراء غير متذوقي القصة القصيرة، لتصبح بعدها بمثابة قنطرة يعبر من خلالها هؤلاء القراء إلى قصيدة النثر، أما القراء الأصليون للقصة القصيرة فهم بشكل طبيعي قد تعاطوا معها من قبل بشيء من التردد.
ولعل منشأ هذا القلق كونها تتشارك مع القصة القصيرة في الاسم، وتختلف معها في الأدوات التي استقرت عليها وجعلت منها محددا لصفتها، فمن أهم أدوات القصة القصيرة «جدا» نجد اللغة الشعرية وصنع المفارقات اللغوية والموقفية، لكن الفارق الرئيس يأتي من خلال التكثيف الشديد في متن النص دون ان يخل بالفكرة الرئيسة موضوع السرد.
فهذا التكثيف له تحديه الخاص بحيث لا يفقد التواصل مع القارئ، ويتم ذلك باحداث الدهشة في القراءة الأولى بغرض تحريضه على معاودة القراءة لاستخلاص المعنى العميق في المرة التالية.
ليس ذلك كل شيء.. فطابع القصة القصيرة جدا الشاعري يصلها مباشرة بالمدرسة السوريالية في محدداتها الثلاثة: الحلم والشعور وما وراء الشعور، كواقع تم تدميره قبل أن يشرع القاص في وضع تصوره المكتمل لشكل البناء النهائي! والحد الفاصل بينها وبين قصيدة النثر هو مقدار حمولة الفكرة المحرضة على الكتابة، حيث لا تقبل القصة القصيرة جدا تعدد الموضوعات، بل تعمل على فكرة واحدة فقط، لذلك نجد القاص طاهر الزارعي في عمله الجديد هذا قد استعان بالأسطورة كوسيط لرفد رؤاه وتعزيز فكرة النص من جهة، ولايجاد معان بمثابة مفاتيح تتيح للقارئ الولوج إلى النص بأقل تشتت في المعنى.
فنص «ابتلاع» لا يمكن قراءته دون استحضار اسطورة بلع الحوت القمر في حادثة الخسوف، والسعي البدائي لإخراجه عن طريق استثارته بأساليب متعددة أحدها الطرق على القدور الفارغة وإحداث جلبة قوية تفزعه، القاص الزارعي جعله يتقيأوه اشمئزازا: (الحوت أكل القمر! قالوا له ذلك، ومشى إلى المغتسل.
سرق أكفان الموتى، وجلس في مكان ما، قريبا من قبر أبيه، ثم ريثما يعود القمر.. كان يعبث بأحد الأكفان: يفركه، يعقده، يمزقه.. حتى ظهر له رجل ذو قامة طويلة يحك رأسه ويتساقط منه القمل.
الحوت أفرغ القمر من جوفه!) وكذلك تبرز الأسطورة في قصص أخرى من المجموعة مثل نص «بالونات» حيث مفهوم السحر التشاكلي أو التماثلي بايجاد حالة تشبيهية بما يراد الحصول عليه لاستجداء الواقع بأن يتغير حسب تصورنا: (ينفخ بالونا، يضعه تحت ثيابه. كان بطن زوجته هكذا حينما تكون في شهرها الأخير! إنه يكذب) ويستمر في نفخ «بوالينه» وتشكيلها حسب الحاجة وينجح.. إلى أن يصل إلى القدس: (ينفخ بالونا كبيرا، يصبح ككرة أرضية! يضع إصبعه على الحافة.. هذه القدس عاصمة عربية محررة، إنه يحلم) فيبطل سحره عندها.
وتتعد مواضع الاستعانة بالأسطورة في مجموعته كالقطط وأرواحها التي تنتقم عند المنام في نص (The cat)، ونص «انشطار» الذي تحضر الاسطورة فيه كمعالجة لحالة العقم، وبالامكان إسقاط هذا المعنى على كثير من القضايا الوجودية كما يفعل القاص في تمريره وتوظيفه معنى العقم: (تأتي الفتاة إلى العين.. تتلمس بطنها. لا شيء يبهج.. كل من تأتي إلى هذه العين تحل عليها بركة الحمل. هن قلن لها ذلك.. تغطس الفتاة في العين، يترنح نفسُها، ثم تخرج هرمة).
لا نستطيع جلب باقي النماذج في هذه القراءة الموجزة، لكن يبقى هناك العديد من أوجه الطرق الإبداعية التي جرب القاص توظيفها في مجموعته كتوظيف المفارقات واستعارة مفهوم الومضة الشعرية كما هو الحال في قصيدة النثر.
أما مواضيع المجموعة فقد غلب عليها الواقعية السياسية كأحداث الربيع العربي ومخاضه العسير، وشيء من التوظيف الاجتماعي للأدب كنص «المقهى» الذي وظف فيه القاص المفارقات الموقفية: (النادل الأجنبي في مقهى كوستا يعد القهوة لزبائنه، ويرش ضحكاته على الجميع.
نادل آخر يقدم كروسان الجبن للزبائن الجدد، ويطلب منهم الإنصات إلى سيمفونية «ضوء القمر لبيتهوفن. النادلة العربية في المقهى نفسه تقلب فناجين القهوة، وتتنبأ بمستقبل الفتيات. كانت كئيبة تلعق أصابع مرتادي المقهى!).
في الأخير تبقى القصة القصيرة جدا عصية على القراءة السريعة من المرة الأولى لتداخل العوامل السابقة وأهمها عنصرا التكثيف والبناء السوريالي، ويمكن إضافة المجاز الشاعري كعنصر ثالث يزيدها تعقيدا، من أجل اختصار عدد كلماتها القصيرة والموجزة، وستبقى تحديا مفتوحا لكتاب هذا النوع من القصص حتى يوازنوا بين التكثيف واتاحة المعنى وعدم تلغيزه عندما يقرأها القارئ المتذوق والعادي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.