سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تسعى أمريكا لعزل الأمة العربية عن التجارة الدولية؟!
اتفاق «الشراكة عبر المحيط الهادئ»
نشر في اليوم يوم 09 - 06 - 2015

يدور الحديث، منذ عقد من الزمن، في أوساط الاقتصاد والتجارة العالمية، عن اتفاق جديدٍ يتم التفاوض لإطلاقه، يُعرف باسم اتفاق "الشراكة عبر المحيط الهادئ".
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن من الدول التي بدأت المفاوضات حول تأسيس هذه الشراكة، إلا أنه بات من الواضح أنها تدعمه بقوة وتسعى لإطلاقه وتفعيله بحماس من خلال قيادتها لمجريات المفاوضات منذ انضمامها في إبرام اتفاق لإنشاء هذا التكتل الجديد.
اتفاق "الشراكة عبر المحيط الهادئ"، (Trans Pacific Partnership) المعروف اختصاراً بالرمز (TPP)، هو من فئة اتفاقات التجارة الحرة، وهو يوصف اختصاراً بأنه: "اتفاقٌ متعدد الأطراف للتجارة الحرة، يهدف إلى التوجه نحو تحرير السلع والمنتجات والخدمات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".
عزل العرب والمسلمين
وأتوقف هنا قليلاً لأتساءل: هل اشتراط الإطلال على المحيط الهادئ كمؤهِّلٍ للانضمام إلى مفاوضات الاتفاق كان خياراً جُغرافياً صِرفاً؟ أم أن وراءه خطة بعيدة المدى لعزل الدول العربية والغالبية العظمى من الدول الإسلامية اقتصادياً؟.
ومع أنني لست ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة بشكلٍ كلي، إلا أنني أرى -وأعتقد أن أي شخصٍ فطِنٍ سيوافقني الرأي- أن على دولنا في مجلس التعاون الخليجي والأمة العربية والإسلامية العمل معاً لمواجهة التحديات والصعوبات، وربما الأخطار التي سيفرضها وضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ، وهو أمر يبدو أنه سيكون قريباً جداً، بغض النظر عن حُسن أو سوء نوايا من يُرتبون هذا الاتفاق.
سرية وغموض
ومن المؤكد أن مما يُثير الشك في نوايا وتوجهات الاتفاق ومن يقفون خلفه هو مستوى السرية والغموض ومحدودية الشفافية التي أحيط بها، إلى درجة أن ما رشح عنه في مجموعة الوثائق التي سُرِّبت، ضمن فضيحة موقع "ويكي ليكس" المشهورة، لم يتجاوز معلوماتٍ عن بندين من بنود هذا الاتفاق. ورغم أن نص هذا الاتفاق لم يُعلن رسمياً على الملأ، ولم يتم الاتفاق على صيغته النهائية، ناهيك عن التوقيع عليه، ورغم مُضي عقدٍ من الزمن على انطلاق مفاوضات الاتفاق، إلا أن التقارير تُشير إلى أن الاتفاق -ببنوده التسعة والعشرين- قد وصل مراحله الأخيرة، ومن المتوقع أن تقوم إحدى عشرة دولة بالمصادقة عليه بحلول شهر يوليو المُقبل.
كانت المحادثات حول هذا الاتفاق قد بدأت في شهر يونيو من عام 2005م بين سلطنة بروناي دار السلام، وشيلي، ونيوزيلاندا، وسنغافورة. وفي فبراير من عام 2008م، انضمت الولايات المتحدة الأمريكية إلى المحادثات. كما انضمت كلٌ من أستراليا، وبيرو، وفيتنام إلى المحادثات في شهر نوفمبر من العام نفسه. وفي شهر أكتوبر من عام 2010م انضمت ماليزيا إلى المباحثات. ثم انضمت كندا والمكسيك إلى المحادثات في شهر أكتوبر من عام 2012م.
وفي شهر مارس من عام 2013 انضمت اليابان إلى المحادثات ليُصبح عدد الدول المنضمة رسمياً للمفاوضات على هذا الاتفاق اثنتي عشرة دولة، علماً أن كلاً من كوريا وتايوان كانتا قد أعلنتا رغبتهما في الانضمام إلى المفاوضات ولكنهما لم تصبحا طرفين رسميين فيها.
الاتفاق الأكبر
وفي حال ما إذا نجحت المفاوضات، وتم توقيع اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ والمُصادقة عليه، فإنه سيكون أكبر اتفاق تجارة حرةٍ في تاريخ العالم، إذ أن حجم اقتصاد الدول الاثنتي عشرة المشاركة فيه (على افتراض أن عدد الدول بقي على ما هو عليه الآن) يمثل 40 % من إجمالي الناتج المحلي للعالم، وثلت التجارة العالمية كلها، ويشمل 775 مليون مستهلك، و40 % من إجمالي تجارة البضائع الأمريكية!!.
ويُعد هذا الاتفاق من أكثر الاتفاقات، في مجال التجارة، تحرراً وطموحاً، حيث ترمي أهدافه وآلياته -استناداً إلى ما رشح عن المفاوضات- نحو بلوغ مراحل متقدمة من النمو الاقتصادي الهائل في المستقبل القريب للدول المنضمة إلى الاتفاق، وفي مقدمتها -بالطبع- الولايات المتحدة الأمريكية.
ويهدف هذا الاتفاق إلى خلق قوة تجارية واقتصاديةٍ عالميةٍ هائلة، من خلال إنجاز مجموعة واسعة من الأهداف وتبني مجموعة من التوجهات المهمة التي تشمل:
أولاً: تعزيز وتنمية وتيسير التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، وذلك بتقليص التعرفة الجمركية المفروضة على السلع والمنتجات بينها، بشكل متواصل وتدريجي، إلى أن يتم التخلص منها نهائياً في بعض الحالات، مع العمل على إزالة الحواجز والعوائق التنظيمية، غير المتعلقة بالتعرفات والرسوم، والتركيز على الإدارة الفاعلة للتبادل التجاري بين الدول الأعضاء بدلاً من الضغط باتجاه تحرير التجارة في هذه الدول، وذلك استناداً على أن تحرير التجارة سيكون واحدة من ثمار الإدارة الفاعلة للتبادل التجاري، ولما سيشهده من نمو غير مسبوق.
ثانياً: تشجيع الدول الأعضاء على العمل مع بعضها، ومع أية أطرافٍ أخرى، من منطلقٍ إقليمي وليس استناداً على أية اتفاقاتٍ ثُنائيةٍ أو متعددة الأطراف. ويتجسد هذا -على سبيل المثال لا الحصر- في التعرفة الجمركية الموحدة، والسياسة الموحدة تجاه بلد المنشأ، وتنظيم التجارة الإلكترونية، وتنظيم النقل السريع للبضائع بين الدول الأعضاء، التي تهدف جميعها لتنمية التعاملات التجارية بين الدول الأعضاء، وتعزيز فاعلية إدارة سلسلة الإمداد بين هذه الدول.
ثالثاً: تنظيم وتيسير التعامل مع مجموعة من القضايا "الجديدة" مثل التجارة الإلكترونية، والاقتصاد الرقمي، والإنتاج والمنتجات الصديقة للبيئة "الخضراء"، وما يرتبط بهذه القضايا من جوانب قانونية وإدارية وتجارية، وهذا الجانب يعكس النظرة المستقبلية للاتفاق، وسعي الدول الأعضاء فيه إلى خلق نمو اقتصادي مستدام.
رابعاً: الحيوية والتجدد، حيث تمت صياغة الاتفاق بمرونة تمكنّه من التعامل والتجاوب مع ما يستجد من تطورات في مجالات التجارة واستثمار رأس المال الأجنبي والتقنية، على سبيل المثال. الأمر الذي يجعل منه اتفاقاً متجدداً وغير راكد، على خلاف ما حدث مع العديد من اتفاقات منظمة التجارة العالمية. وبالإضافة إلى هذا، تمت صياغة الاتفاق بشكلٍ يمكنه من استيعاب أية دولٍ أخرى ترغب في الانضمام إليه.
وكما ذكرنا آنفاً، تُشير التقارير الصحفية -التي تتابع تطورات هذا الاتفاق- إلى أن المفاوضات قطعت شوطاً كبيراً بين الدول الاثنتي عشرة التي تسعى للانضمام إليه، حيث يعمل ممثلو الدول الأعضاء -من خلال المفاوضات التي تجري بينهم- على صياغة البنود القانونية التي تشمل مختلف السلع والبضائع والخدمات، والاستثمارات المتنوعة، ووضع السوق في تلك المنطقة. وقد تم الانتهاء من عددٍ من الفصول والتوصل لاتفاق بشأنها، فيما لا تزال بعض الجوانب الأخرى مفتوحة للنقاش والتداول حتى الآن، ولكن يجدر الذكر هنا بأن الأوساط الإعلامية والشعبية والتشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية تشهد جدلاً ساخناً حول الموافقة على خطة الرئيس أوباما لتسريع إنجاز هذا الاتفاق.
هدف إستراتيجي وسياسي
ورغم كل ما قيل أو يُقال عن الفوائد الاقتصادية والتنموية الجمة التي يُتوقع أن تعود على الدول الأعضاء في الاتفاق، إلا أنه لا شك أن هناك هدفاً استراتيجياً وسياسياً كبيراً، غير معلنٍ، تسعى إدارة الرئيس أوباما للوصول إليه عبر هذا الاتفاق، وهو احتواء أو الحد من تمدد ونمو الاقتصاد الصيني، الذي أصبح منافساً استراتيجياً شرساً للاقتصاد الأمريكي، كما أصبح يسجل نمواً هائلاً في الآونة الأخيرة، بصورة قد تُفقد الاقتصاد الأمريكي صدارته كأكبر اقتصاد عالمي، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي تضرر منها طوال الأعوام الماضية. لهذا، سعت إدارة البيت الأبيض إلى صياغة الاتفاق، بحيث يتضمن معايير تجاريةً رفيعةً، الأمر الذي يعني -بصورة أوتوماتيكيةٍ- إقصاء ومحاصرة الصين اقتصادياً.
كبح الاقتصاد الصيني
ونتيجة لقلقها العميق تجاه بعض السياسات الاقتصادية الصينية؛ ومنها، على سبيل المثال، سعر العملة الصينية الذي يُعد أدنى من سعره الفعلي، تسعى الحكومة الأمريكية -من خلال هذا الاتفاق/التحالف- إلى كبح جماح الاقتصاد الصيني، من خلال إعادة التوازن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ لمجابهة الصعود المتسارع للاقتصاد الصيني؛ وذلك لأن اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ سوف يجلب فوائد ومزايا هائلة للولايات المتحدة أهمها تعزيز قدراتها التنافسية، وزيادة صادراتها من السلع والمنتجات والخدمات، وزيادة حجم ووتيرة المبادلات التجارية والعمليات الاستثمارية، وفتح أسواق الاتحاد الأوروبي بصورة أكبر وأكثر فاعلية.
ورُغم أن الاتفاق لا يحوي أية بنودٍ تحول بين الصين وبين الانضمام إلى عضويته؛ لكونها إحدى دول المنطقة التي يغطيها الاتفاق، ورغم أن الصين كانت قد صرَّحت بأنها "ستُرتب أمورها" وتطلب الانضمام إلى المفاوضات، وهو أمرٌ لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية تتوقعه، إلا أن انضمام الصين -إذا حدث- فإنه في الغالب سيحدث بعد أن يكون الاتفاق قد بات في حيز التنفيذ، وحينئذٍ سيكون على الصين الالتزام بالضوابط والشروط التي وضعتها الدول الموقعة على الاتفاق، وهو الأمر الذي قد يُحقق للولايات المتحدة الأمريكية ما تصبو إليه من احتواء النمو الاقتصادي الصيني السريع. لهذا، فإن الولايات المتحدة تسعى جاهدةً لإقرار الاتفاق والمصادقة عليه بحلول شهر يوليو القادم؛ لأن هذا يعني إطالة مدة انتظار الصين للانضمام للمفاوضات، إلى الفترة التي يُعاد فيها فتحُ الباب للمجموعة التالية من الدول التي سيُسمح لها بذلك.
ولعل هذا يُذكرنا بالجهود المُضنية التي بذلتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية -متعاضدة- لفرض تنازلاتٍ اقتصادية كبيرةٍ على الصين عندما بدأت إجراءات انضمامها إلى اتفاقية التجارة العالمية، إذ لم يتم انضمام الصين إلى تلك الاتفاقية إلا بعد أن فُرضت عليها، وعلى من انضم بعدها من الدول كالمملكة العربية السعودية. تلك التنازلات التي كان الهدف منها -كما هي الحال في اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ- هو احتواء النمو الاقتصادي الصيني والحد من تسارعه، وتعزيز وصول البضائع والخدمات الأمريكية والأوروبية إلى الصين.
آثار سلبية
هنا، أود أن أتوقف عند الجانب المهم والجوهري الذي يهمنا نحن في المملكة العربية السعودية، وفي دول مجلس التعاون الخليجي، وفي الدول العربية، وفي جُل الدول الإسلامية من هذا الاتفاق، إذ يلاحظ على هذا الاتفاق أنه لم يشمل أية دولة عربية، كما استثنى الكثير من الدول الإسلامية. ورغم أن الحجة في هذا هي -بطبيعة الحال- أنه اتفاق يخص منطقة المحيط الهادئ، إلا أن هذا لا يمنع -كما ذكرت في أول المقال- أن يتبادر إلى ذهن كل عربي ومسلم أن هناك توجهاً واضحاً لاحتكار الأسواق، مما قد يؤدي إلى تبعية الاقتصاد العربي، وجانب كبيرٍ من الاقتصاد الإسلامي، لسيطرة الاقتصاد الأمريكي، ومما يُعزز هذا الشعور -كما أشرت سابقاً- أن مفاوضات هذا الاتفاق -التي امتدت على مدى عقدٍ من الزمن والتي حملت الولايات المتحدة الأمريكية لواءها، رغم أنها لم تكن أول من بدأها- جرت في غموضٍ وسرية، ودون دعوة أو إشراك أية دولة عربية.
ولسنا في حاجةٍ إلى تأكيد أن من المتوقع أن يكون لهذا الاتفاق آثارٌ سلبيةٌ على البلدان العربية، وعلى جل العالم الإسلامي، فالاتفاق على سبيل المثال لا الحصر يُمدد فترة احتكار الملكية الفكرية لبراءات الاختراع من عشرين عاماً إلى خمسةٍ وعشرين عاماً، يُضاف إليها اثنا عشر عاماً من الملكية الحصرية للمعلومات الخاصة بصناعة الأدوية والمنتجات الطبية، الأمر الذي يرفع فترة الاحتكار في هذه الصناعة الحيوية إلى 37 عاماً!! ولا شك أن من شأن مثل هذا الإجراء ضمان استمرار هيمنة الشركات المتخصصة في هذا المجال، والعاملة في الدول الأعضاء في الاتفاق على الأسواق، مما يقلل من فرص الحصول على الأدوية والمنتجات الطبية بأسعار معقولة، ويُسهم في رفع أثمانها بصورة مستمرة؛ نتيجة لمنع المنافسة من قبل الشركات الأخرى التي تقدم الأدوية المماثلة بأثمان منخفضة.
والأمثلة على الهيمنة على بعض المنتجات الحيوية الأخرى التي يمكن أن تقوض الاقتصاد العربي كثيرة ومتعددة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ستتكاتف الدول العربية، وأخواتها الدول الإسلامية، ويتوحد صفها وكلمتها، لمواجهة مثل هذه المخاطر التي يمكن أن تهدد مصالحها وأمنها واقتصادها؟ حتى وإن كانت هذه المخاطر غير مقصودةٍ لذاتها! وهل يكمن الحل، بالنسبة لنا في المملكة العربية السعودية، في أن نستفيد من المزايا الاقتصادية، وغيرها، التي ننعم بها مع إخواننا في دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز القوة والفاعلية الاقتصادية للمجلس، ومن ثم السعي إلى تكوين تحالفٍ مماثل لاتفاق شراكة المحيط الهادئ، يشمل منطقة الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط؟.
يؤسفني أن أقول إنني لا أعتقد أن كثيراً من العرب والمسلمين متفائلون بأن الدول العربية والإسلامية سوف تسعى إلى ذلك، وتعمل، معاً، لدعم وتعزيز قدراتها التنافسية من خلال فتح الأسواق، وإزالة جميع العقبات التي تقف في طريق تحرير حركة تدفق السلع والمنتجات؛ لتحقيق نهضة اقتصادية تتسم بالتوازن والاستقرار والاستدامة، لمواجهة أية مخاطر قد تضر بالاقتصاد العربي، ليس على صعيد التجارة فحسب، بل على جميع الصعد التي تسهم في رفعة ونهضة بلداننا وشعوبنا العربية والإسلامية، ولكن الأمل في الله ثم في قياداتنا كبير.
الآمال ومجلس التعاون
وفي مواجهة التحديات التي يفرضها هذا الاتفاق، تتعزز آمالنا هنا في دول مجلس التعاون الخليجي على وجه التحديد في قياداتنا الحكيمة، التي وجهت دفة المجلس -حتى اليوم- ليُثبت أنه أنجح تجربة للتعاون والتكامل، والاتحاد بإذن الله، في المنطقة العربية برمتها. ورغم أن هناك من يرى أن طموحات شعوب دول المجلس لا تزال أكبر مما حققه المجلس حتى الآن، إلا أن القناعة الراسخة هي أن المجلس سائرٌ في الاتجاه الصحيح.
وربما كان التحدي الذي يفرضه تأسيس وإطلاق اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ دافعاً للمجلس للتسريع بتعزيز التكامل الاقتصادي، وتفعيل الاتحاد الجمركي، وتشجيع الجهود الرامية إلى تنويع موارد الاقتصاد وفُرص الاستثمار لرؤوس الأموال الوطنية والأجنبية، مع التركيز على الفرص الاستثمارية التي تُضيف قيمةً حقيقية لاقتصادات المنطقة.
ولا شك أن نجاح مجلس التعاون الخليجي في هذا سيكون عنصراً فاعلاً في تأسيس العديد من التحالفات الاقتصادية في المنطقة العربية، وبين الدول الإسلامية، بل وربما مع دول حوض البحر الأبيض المتوسط وغيرها، كما أشرت آنفاً.
ومن جانب آخر، ليس الأمر ذا علاقةٍ مباشرةٍ باتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، لكنه يتضافر معه في طرح تحدياتٍ اقتصاديةٍ، وربما سياسية وعسكرية، على منطقة الخليج العربي، والشرق الأوسط برمته، لا بد لي من أن أشير هنا إلى المفاوضات الجارية الآن بين الولايات المتحدة الأمريكية، ضمن ما يُعرف باسم مجموعة «5+1» وبين إيران في شأن برنامج إيران النووي. فالولايات المتحدة الأمريكية -ممثلةً في إدارة الرئيس أوباما الذي يُوشك أن يُغادر البيت الأبيض مع نهاية فترة رئاسته الثانية- حريصةٌ كل الحرص، كما لا يخفى على أي متابع، على الوصول إلى اتفاق مع إيران؛ لأن هذا الاتفاق -الذي قد يتم التوصل إليه قريباً جداً أي ربما قبل نهاية شهر يونيو المُقبل - يعني بالنسبة لها، بالدرجة الأولى، وبالنسبة لبقية الدول في مجموعة 5+1 رفع العقوبات المفروضة على إيران، وبالتالي فتح الأسواق الإيرانية للمنتجات والخدمات الأمريكية، وسوق العقود الإيرانية للشركات الأمريكية، والاقتصاد الإيراني لرؤوس الأموال الأمريكية، ولا أجدني في حاجةٍ إلى بيان التأثيرات السلبية لمثل هذه التطورات على الجهود التي تبذلها دول مجلس التعاون الخليجي لفتح أسواقها واستثماراتها للشركات ورؤوس الأموال الأجنبية عموماً، والأمريكية والأوروبية منها خصوصاً.
إن تضافر الآثار السلبية المتوقعة لرفع العقوبات عن إيران مع تلك المتوقعة من تفعيل اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ يؤكد أهمية وضرورة بل إلحاح الحاجة إلى اتخاذ خطوات متكاملة وفاعلة ومستدامة لمواجهة هذه الآثار على المديين البعيد والقريب، وكما قلت، وأقول دائماً: إن أملنا -بعد الله- منعقد في هذا على ما عرفناه من حكمة وحرص قياداتنا الرشيدة أيدها الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.