لفت سفير المملكة في لبنان علي عواض عسيري إلى أن حملة "حزب الله" على المملكة "أنتجت حملة لبنانية عفوية مقابلة من محبي المملكة كانت بمثابة استفتاء أظهر حجم المملكة وحضورها على الساحة اللبنانية ومدى تقدير الأشقاء اللبنانيين لها ولقيادتها". وتساءل "أين مصلحة لبنان في أن يتم تحويله صندوق رسائل وفي تعريض وضعه الداخلي للتأزم وتعريض علاقاته بالدول العربية للاهتزاز وتعريض مصالح اللبنانيين العاملين في هذه الدول للخطر؟". وإذ شدد على أن "المملكة لا تتخذ مواقف كيدية أو انفعالية"، إلا أنه حذر من أن "الاستمرار في تجاوز الخطوط الحمراء قد لا يمر من دون عواقب". أما في ملف الأزمة الرئاسية فاستغرب عسيري في حديث إلى "النهار" "الرهان دائما على الخارج"، متسائلا "ماذا لو لم يتم توقيع الاتفاق الاميركي - الايراني؟ أعلى لبنان أن يدفع ثمن ذلك ويبقى من دون رئيس؟". وعن تعرض المملكة منذ بدء عملية "عاصفة الحزم" لأعنف حملة سياسية وإعلامية يشنها عليها في لبنان "حزب الله"، قال: في الواقع، ومع بدء عملية "عاصفة الحزم" كان "حزب الله" في طليعة من شنّوا حملة ضد المملكة وزايد على جهات اقليمية في ذلك في حينه. وهذا الموقف يدفع الى التساؤل: اذا كان رد فعل "حزب الله" ذاتيا فما هي علاقته بأحداث تجري في اليمن وما علاقة لبنان بذلك؟ واذا كان موقفه موجها ايرانيا فالتساؤل حينها أين مصلحة لبنان في ان يتم تحويله الى صندوق رسائل؟ وفي تعريض وضعه الداخلي للتأزم وتعريض علاقاته بالدول العربية للاهتزاز وتعريض مصالح اللبنانيين العاملين في هذه الدول للخطر، اللهم إلا إذا كان "حزب الله" يبحث عن هذه الأمور ويستمر على دأبه في استيراد الأزمات والإمعان في تفرقة الشعب اللبناني، لأن هذا الوضع يخدم مصالحه على ما يبدو بحيث كلما طالت الازمات وتصاعدت الخلافات السياسية يعتقد انه يغطي بذلك تدخله في الحرب السورية من دون مساءلة في ظل استمرار تعطيل الانتخابات الرئاسية وعرقلة الحكومة واجهزة الدولة. ولكن ما فات "حزب الله" ان المملكة العربية السعودية بعلاقاتها الاخوية الحقيقية العريقة مع لبنان مقدَّرة من الأشقاء اللبنانيين بكافة فئاتهم وقطاعاتهم، حيث أنتجت حملة "حزب الله" حملة عفوية مقابلة من محبي المملكة تابعناها في وسائل الإعلام ولا نزال، وكانت بمثابة استفتاء أظهر حجم المملكة وحضورها على الساحة اللبنانية ومدى تقدير الاشقاء اللبنانيين لها ولقيادتها ومدى تعاطفهم مع القرارات التي تتخذها لا سيما الخطوة العسكرية في اليمن. ولعل ما يجدر تأكيده أن المملكة العربية السعودية لم تكن يوما ولا تريد أن تكون في يوم من الأيام عامل انقسام بين اللبنانيين، بل عامل وحدة وداعية حوار وعيش مشترك وعامل تشجيع للأشقاء اللبنانيين بأن يضعوا مصلحة لبنان فوق جميع المصالح، كما كان موقفها تجاه لبنان على الدوام ولا يزال. لذلك أود القول إننا في المملكة لسنا هواة منابر وضجيج إعلامي، وكم من المرات يتم الافتراء على المملكة ونتجاوزه ولا نعيره الاهتمام؛ لأن صون العلاقات السعودية - اللبنانية وإبعاد التشنج والتوتر عن الساحة اللبنانية هو هدفنا، إلا أن ثمة من يطلعون على الرأي العام بأسلوب يتجاوز حدود اللياقة والاخلاق والقانون ولا يليق بالإعلام اللبناني الذي نحترم عراقته وتاريخه أو بمواقف واتهامات لا تمت الى الحقيقة بصلة، فنستعمل الحق الذي ينص عليه القانون اللبناني في الرد عليهم. وفي شأن الواقع الداخلي في لبنان، قال السفير عسيري: من الواضح ان هناك سباقا بين الحوار والانقسام، وصراعا بين فئة تسعى الى تحييد لبنان وفئة تعمل على رهن قراره بتطورات الاوضاع الاقليمية، وللأسف ان من يدفع الثمن هو لبنان، الوطن والدولة والمؤسسات من صورته وسمعته وأمنه واقتصاده. ما أود قوله للأشقاء اللبنانيين ليس من باب النصح لأن كافة المسؤولين يتمتعون بالحكمة والمعرفة والمسؤولية الوطنية، كما ان لبنان يزخر بالكفاءات والشخصيات، لكن من باب الأخوّة والحرص من مواطن عربي سعودي محب للبنان يعيش الحراك السياسي والأمني اليومي مع ابناء الشعب اللبناني. ففي اعتقادي ان لبنان يحتاج في هذه المرحلة اكثر من أي وقت مضى الى تطبيق مبدأ النأي بالنفس عن الصراعات الاقليمية والمسارعة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تكون أولى مهماته الوطنية إطلاق حوار بين القوى السياسية بهدف تحصين الساحة الداخلية والانصراف الهادئ الى معالجة المشكلات الداخلية بتعقل وانفتاح بعيدا عن الاحتقان والتوتر؛ ليتجاوز لبنان هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة والتي يتأثر بإفرازاتها السلبية منذ سنوات عدة بحكم تأثير الجغرافيا السياسية. فالقيادات اللبنانية امام مسؤولية كبيرة في هذا الظرف، وأنا على ثقة من خلال احتكاكي المباشر بكافة الشخصيات أنهم لن يتأخروا عن القيام بما تستوجبه مصلحة لبنان وشعبه الذي يستحق أن ينعم بالعيش الكريم والأمن والاستقرار. وعن الرهان على الاتفاق النووي الأميركي - الايراني لتحريك أزمة الفراغ الرئاسي، اوضح عسيري، لماذا الرهان دائما على الخارج وربط الاستحقاقات اللبنانية إما بمواعيد زمنية وإما بأحداث إقليمية ودولية؟ ماذا لو لم يتم توقيع الاتفاق الاميركي - الايراني، أعلى لبنان ان يدفع ثمن ذلك ويبقى من دون رئيس؟ السؤال الذي لطالما أحاول أن أجد اجابة له هو: هل صحيح ان كل هذه الدول التي يشار اليها يوميا وكل هذه الأحداث السياسية لها تأثير في الاستحقاق الرئاسي اللبناني، أم هناك من يريد تغطية فشل أو منع التوصل إلى إنهاء هذا الاستحقاق عبر ربطه بهذه العناوين الكبيرة؟ والاستحقاق الرئاسي شأن لبناني سيادي ومن حق الاشقاء اللبنانيين، وحق عليهم أن يبقوه كذلك وألا يفسحوا المجال للتدخلات الخارجية فيه. صحيح أن لبعض الدول المؤثرة آراء في هذا الاستحقاق، انطلاقا من عوامل عديدة، لكنها لا تصل إلى حد انتزاع القرار من الشعب اللبناني. وفي رأيي أن التوافق اللبناني - اللبناني على ضرورة اجراء الاستحقاق، وعلى ان تأخذ اللعبة الديموقراطية مجراها في ظل تحمل نواب الأمة مسؤولياتهم الوطنية، يشكل المدخل الجدّي لإنهاء هذه الأزمة، ويضع حداً لكل التدخلات الخارجية.