يعتبر الانكماش مثل الثقب الأسود الذي يمتص كل شيء على ما يبدو. استسلمت سويسرا للدوامة في الخامس عشر من يناير، عندما تخلى البنك المركزي عن محاولة إبقاء عملته دون ارتفاع - وهذا يعد هزيمة سوف يُعاقَب عليها الاقتصاد السويسري عن طريق جعل البضائع السويسرية أغلى ثمناً في الأسواق العالمية. هل سيأتي الدور على الولاياتالمتحدة؟ إن الدولار الأمريكي في ارتفاع بنسبة 11 بالمائة تقريباً منذ الصيف الماضي من خلال مؤشر بلومبيرج للأسعار الفورية للدولار، وهذا يعد ارتفاعاً يجعل السلع أمريكية الصنع أقل قدرة على المنافسة. وهنالك سحابة انكماش تلوح بوادرها في الأفق مع الأخبار التي تقول: إن مؤشر الأسعار الاستهلاكية الأمريكية انخفض بنسبة 4.0 بالمائة في شهر ديسمبر عن الشهر السابق، وهذا يعد الانخفاض الأكبر منذ أن كان الاقتصاد في حالة هبوط حر قبل ست سنوات. "إن الضغوط الانكماشية تواصل الظهور"، كما كتب سكوت أندرسون، كبير الاقتصاديين لدى بانك أوف ذي ويست، في تقرير قبل أسبوع، الذي أشار إلى انخفاض في أسعار الواردات، وظهر قبل ورود الأخبار حول مؤشر الأسعار الاستهلاكية. إن خلاصة القول هي أنه من المحتمل أن تكون الولاياتالمتحدة آمنة، حيث أن الاقتصاد قوي بما يكفي بحيث أنه من المرجح أن يتحمل الدفعة الانكماشية النابعة من أوروبا. ينبغي على الاقتصاد الأمريكي التوسع قليلاً أكثر من 3.1 بالمائة في عام 2015، أي أفضل من النسبة المئوية المقدرة 2.4 بالمائة عن العام الماضي هذا، وفقا لمتوسط توقعات الاقتصاديين الذين شملهم استطلاع بلومبيرج. لكن هذا لا يعني عدم وجود مخاطر. يعتبر الانكماش خطيراً لأن بإمكانه الانتقال عبر الحدود الدولية. إليكم مصدر القلق باختصار: يعد اقتصاد أوروبا في حالة ضعف مزمن، وبوجود طلب ضعيف على السلع والخدمات، هبطت الأسعار في منطقة اليورو بنسبة 0.2 بالمائة خلال العام الماضي. من المتوقع للبنك المركزي الأوروبي أن يحاول إنعاش النمو على نطاق واسع عن طريق شراء السندات من أجل خفض أسعار الفائدة، وهذا يجعل اليورو عملة أقل جذباً للمستثمرين، الأمر الذي يؤدي إلى إرسالهم إلى ملاذات أخرى تكون عملاتها في ارتفاع. وهذا هو السبب في أن الفرنك السويسري والدولار الأمريكي يصبحان أكثر كلفة - وأقل قدرة على المنافسة. في الواقع، إذا حققت استراتيجية أوروبا نجاحاً، سوف تعمل على تحسين النمو الأوروبي على حساب النمو في الولاياتالمتحدةوسويسرا وفي أماكن أخرى. إن ارتفاع الدولار مقابل اليورو يعد أمراً رائعاً لأوروبا وصادراتها، ولكن ليس للصادرات الأمريكية. "يبدو أن الضغط قد بدأ!" كما كتب مارك جرانت، العضو المنتدب للدخل الثابت الخاضع للضريبة لدى ساوث إيست للأوراق المالية، في مذكرة له إلى العملاء قبل يومين. يدرك الاقتصاديون أن انخفاض أسعار البنزين من شأنه أن يتسبب بتراجع مؤشر الأسعار الكلي في ديسمبر، لكن الأمر الذي لم يكن متوقعاً، كان الضعف في المؤشر "الأساسي"، والذي يستثني المواد الغذائية والطاقة. كان المؤشر الأساسي مستوياً مقارنة بشهر نوفمبر، بينما كان متوسط التوقع بزيادة نسبتها 0.1 بالمائة. انخفضت أسعار الملابس والمركبات وتذاكر الطيران في شهر ديسمبر. إن التضخم الذي يستهدفه الاحتياطي الفيدرالي دون 2 بالمائة سيجعل الأمر أكثر صعوبة على صقور التضخم في لجنة وضع الأسعار لدى الاحتياطي الفيدرالي لأن يبرروا قراراً برفع أسعار الفائدة هذا العام. وقد كتب فريق الاقتصاديات الأمريكي في بنك أمريكا ميريل لينتش في ملاحظة للعملاء: "نحن نتوقع أن تزداد وتيرة مناقشات السياسة العامة في الوقت الذي يتراجع فيه التضخم". من ناحية أخرى، بإمكان هؤلاء الصقور القول: إن ضغط سوق العمل الأمريكية سوف يدفع الأجور هذا العام، وفي النهاية سوف يفرض ضغطاً متصاعداً على التضخم. كتب بول ديلز، كبير الاقتصاديين المختصين بالولاياتالمتحدة في كابيتال إيكونومكس، إن انخفاض أسعار الطاقة والواردات "لن يكون له الكثير من التأثير على تضخم الخدمات التي تشكل ما نسبته 75 بالمائة من المؤشر الأساسي". وأشار إلى أن أسعار المساكن والرعاية الطبية ارتفعت بالفعل في شهر ديسمبر. كتب جوس فوتشر، كبير الاقتصاديين المختصين بالولاياتالمتحدة في مجموعة بي إن سي للخدمات المالية، في تقرير: "واحدة من إيجابيات التضخم المنخفض هي أنه يعزز أرباح العمال الحقيقية (المعدلة حسب التضخم). مع الانخفاض الكبير في أسعار البنزين ومصادر الطاقة الأخرى، تقطع رواتب العمال مسافة أبعد من حيث قدرتها على الإنفاق، وهو ما يسمح لهم بزيادة إنفاقهم على السلع والخدمات الأخرى". في الواقع، ارتفعت ثقة المستهلكين الأولية من جامعة ميتشغان هذا الشهر إلى أعلى مستوى لها منذ 11 عاماً.