حمل أحد أكبر استطلاعات الرأي التي أجريت على المستوى الدولي على الاطلاق أنباء مزعجة لادارة الرئيس الامريكي جورج بوش التي تسعى سعيا حثيثا لحشد التأييد لعمل عسكري ضد العراق. فقد أظهر الاستطلاع الذي أجرته مؤخرا (مؤسسة بيو البحثية للناس والصحافة)، وهي مؤسسة خاصة غير حزبية، شكوكا واسعة النطاق بشأن دوافع الولاياتالمتحدة للذهاب إلى حرب ضد العراق. وأظهر الاستطلاع على نحو خاص أن الرصيد الامريكي في الشرق الاوسط إذا عبر عنه بشكل تجاري فإنه على وشك الافلاس. عند سؤاله عن التقرير أجاب بوش انه لا يثق كثيرا في استطلاعات الرأي معربا عن أمله في أن تكون الرسالة الصادرة عن الولاياتالمتحدة واضحة وهي أن واشنطن ليست معادية للاسلام بل للمتطرفين الاسلاميين فحسب. لكن الاستطلاع أظهر أن دول الشرق الاوسط التي ينظر إليها عادة باعتبارها دولا صديقة والتي تتلقى أيضا مساعدات مالية أمريكية تتباعد عن الولاياتالمتحدة. ففي الاردن على سبيل المثال كان ل 75 %ممن شاركوا في الاستطلاع آراء غير إيجابية عن الولاياتالمتحدة مقابل نحو 70 % في مصر ونحو60 %في لبنان. ويبدو هذا انعكاسا لالتزام إدارة بوش بحكومة رئيس الوزراء أرييل شارون في إسرائيل، الذي يعتبره الرئيس بوش ضحية مثله للارهاب، وليس جزار وقمة للارهاب وقامعا للفلسطينيين وبوحشية كما يراه العالم العربي. وقد تسلل هذا الشعور إلى الولاياتالمتحدة نفسها حيث استغل الرئيس الاسبق جيمي كارتر وجوده في البيت الابيض في إحدى المناسبات للشكوى من أن الولاياتالمتحدة تضر بنفسها لانها (تنحاز بصورة حميمة للاسرائيليين). وإدراكا منها لهذه الاتجاهات، أنشأت الخارجية الامريكية بثا موجها إلى الشرق الاوسط باللغة العربية وبكلفة 15 مليون دولار لمحاولة حشد التأييد للسياسات الامريكية. لكن هذا يبدو كجهد رمزي وعقيم أمام ما تبثه قناة الجزيرة غير الحكومية في الشرق الاوسط والتي تذيع بيانات أسامة بن لادن. ويقول مدير الاستطلاع آندرو كوهوت (إن الدرس الاساسي هو أنه بينما يوجد قدر كبير من النوايا الحسنة تجاه الولاياتالمتحدة، فإن أعداد منتقدي أكبر قوى في العالم في ازدياد). ويأتي هذا في إطار الاخبار السيئة للادارة التي عملت بلا كلل طوال الشهور الستة الماضية لحشد حلفاء إقليميين لشن هجوم على العراق. وفي روسياوألمانيا، لا تعتقد أغلبية أن التهديد العراقي المتمثل في أسلحة الدمار الشامل هو الدافع الحقيقي وراء تحركات الادارة الامريكية. ففي روسيا أعرب 76 % ممن شاركوا في الاستطلاع عن اعتقادهم بأن رغبة الولاياتالمتحدة في السيطرة على البترول العراقي هي السبب الحقيقي وراء السياسة الامريكية. وفي ألمانيا، وهي حليف أوروبي لواشنطن، أعرب نحو 55 % أيضا عن اعتقادهم بأن النفط هو الدافع الحقيقي وراء النوايا الامريكية تجاه العراق. ويبدو أن الاستطلاع الذي شارك فيه نحو000ر32 شخص من 44 بلدا يعكس المشاعر تجاه سياسات إدارة بوش على وجه التحديد وليس الولاياتالمتحدة بشكل عام. ففي تركيا، على سبيل المثال، تراجعت المشاعر الايجابية تجاه الولاياتالمتحدة من 52 % قبل عامين، أي عند دخول بوش إلى البيت الابيض، إلى 30 % حاليا. ولا يمكن التهوين من شأن هذا التراجع ولاسيما في بلد يعد ما سيقدمه من دعم لوجستي ذي أهمية محورية في أي عمل عسكري ضد العراق. والدرس الذي يمكن استخلاصه من الامر كله، هو أن إدارة بوش بتركيزها على الحرب ضد الارهاب مع استبعاد غيرها من القضايا قد خلقت موجة من الاستياء والشك تجاه الولاياتالمتحدة ولاسيما تجاه سياساتها في الشرق الاوسط. ولا ريب أن تكلفة هذا التحول في الرأي العام لا يمكن حصرها على المدى الطويل، ولكن يمكن للمرء القول بأن خلق بيئة خصبة بشكل متزايد لتفريخ أجيال قادمة من الارهابيين سيكون أحد عناصر هذه التكلفة.