خرج من منزله صباحا بعد أن استيقظ متأخرا وتناول فنجان قهوته عابسا، وحين أطفأت الإشارة الأولى ضوءها قبل أن يصلها ضرب بيده على المقود غاضبا، وبعد أن فتحت الإشارة وسار قليلا دخل في أحد الطرقات وعلق في زحمة السير لوجود حادث مروري، فارتفع ضغط الدم لديه وعاد مجددا ليندب حظه، هاتفه المحمول يرن "إنها زوجته تخبره بنسيانه لملف المعاملة التي يجب أن يسلمها اليوم"، وكي تخبره أيضاً "باعتذار سائق مدرسة ابنه عن إيصاله اليوم"، فيغلق الخط وهو يشتم ويسب ويندب حظه العاثر، حظه الذي لم يسعفه بعد تخرجه في الجامعة لينال وظيفة أرقى من وظيفته الحالية، والذي لم يساعده ليتزوج ابنة عمه التاجر فيعمل في شركته ويداوم أنى شاء ويتقاضى مرتبا يجعله يجلب سائقا يحمل عنه أعباء مشاوير أسرته الصغيرة، ويبدأ مسلسل الذكريات العاثرة في حياته، وتبدأ معها شلالات الغضب تسري في كيانه بعد أن وضع دائرة كبيرة على ذاته أسماها "حظي سيئ" . هذا نموذج لحالات تحصل يوميا بيننا ممن قيدوا أنفسهم في دائرة الحظ السيئ وتوقفوا عن كل شيء إلا عن تعليق أخطائهم وعثراتهم وأحداثهم اليومية على الحظ متجاهلين القدر واختبار الصبر وسلبية الشخص وسوء الظن بالله كأسباب حقيقية لكل ما يحدث معهم في حياتهم، وأضحت كلمات "الدنيا حظوظ" و"ما أسوأ حظ فلان!" و"فلان حظه من السماء" تتردد كثيرا على مسامعنا لتقنعنا أن الحظ هو السبب في كل ما يحدث لنا يوميا. تقول هدى العمري "كثيرا ما ينتابني شعور بأن حظي السيئ هو سبب تعثري في الدراسة وخصامي الدائم مع زوجي وعدم نجاحي في تربية أبنائي، وكلما مررت بمواقف فاشلة لعنت حظي واتهمته بتسببه في كل ما يحدث لي، ولست أعلم إن كان هذا صحيحا أو لا، لكن لا أجد سببا آخر لما أعانيه". ويضيف خالد الأحمري "صحيح أن الكثير يرمون بأثقالهم الحياتية على حظوظهم، لكن من داخلهم أظن أن القليل من يعتقد بصحة ذلك، فلا يوجد شيء اسمه حظ سيئ أو حظ جميل، فكل الأمور تعود إلى الأقدار والأرزاق وحسب". وفي المقابل يوجد من يفتخر بحسن حظه، كوفاء عسيري وهي طالبة جامعية ومتزوجة تقول "أشعر بأن حظي سبب تميزي عن قريناتي في تخصصي الجامعي بقسم الحاسب الآلي والبرمجيات، وهو كذلك السبب في سعادتي مع زوجي وانتظاري لطفلي، وأشياء يومية كثيرة منها تفاصيل صغيرة كالفوز في مسابقات تلفزيونية أو كروت سحوبات تجارية أعيد ظفري بها دوما إلى حسن حظي حتى إن من حولي أضحوا يطلبون مني مساعدتهم في مثل هذه الأمور لينالهم حسن الحظ مني. ومن جانبه يقول المدرب الدولي في مجال التنمية البشرية وتطوير الذات الدكتور عبدالرحمن الذبياني إن الكثير منا يجعل سوء الحظ المتهم الأول في الفشل في أمور الحياة، وكل ما يعانيه من أخطاء أو تجارب فاشلة يعلقها على شماعة الحظ السيئ، وذلك ليس في العصر الحالي وحسب وليس لدى الشرائح الاجتماعية العادية فقط، بل حتى بعض المثقفين والأدباء والشعراء أعادوا بعض الأحداث التي مروا بها إلى حظوظهم السيئة، وعلى سبيل المثال الجميع يعرف بيت الشعر الذي قاله الشاعر السوداني الكبير إدريس محمد جماع: إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه .... ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه!. وأضاف هناك طرفة يتداولها البعض عن سوء الحظ تحكي أن "شخصا سقط من ارتفاع 100 قدم وإذا بالحظ يبتسم له ويسقط على حافلة لنقل طالبات جامعيات، لكن الحظ عاد ليعبس بوجهه عندما وجد نفسه في حضن السائق!". ولفت الدكتور الذبياني إلى أننا حتى نقتنع ببراءة الحظ من كل ما يحدث لنا لا بد أن نؤمن أن الفشل والإخفاق ليس عيبا، وإنما العيب هو التسمر في المكان دون دراسة أسباب هذا الخطأ والإخفاق وتحويله إلى تجربة ناجحة في الحياة، وحين نعمل بنية إخلاص العمل لله وتحويل العثرة إلى فكرة ونجاح فحينها لن نكترث بسبب ما يحدث لنا ولن نعيده إلى الحظ العاثر.