ويبدو أن الشاعر العظيم المتنبي عندما كتب أغنيته «آكلك منين يا بطة» كتبها خصيصاً لتغنيها الفنانة صباح، وفي رأيي أنها (استراحة شاعر) لولا أنه قال بعدها قصيدة أخرى فقد بسببها حياته! فقد ادعى أن الخيل والبيداء تعرفه فضلاً عن الرمح والقرطاس والقلم. فلما قابله القوم وتأكد أنه هالك لا محالة أطلق ساقي حصانه للريح، لكن مرافقه -لا بارك الله فيه- قال له: كيف تهرب يا أبا الطيب وأنت من قال «الخيل والليل والرمح…»، فأوقف انطلاق ساقي الحصان وقُتل المتنبي لكن بعد أن ترك لنا درة شعره المذكور مطلعها في العنوان! ولأني عندما سمعتها لأول مرة من الفنانة صباح لم أكن قد تعرَّفت على البطة ولا على الفراولة، فكل ما أعرفه في القرية الدجاجة والخروف والتين الشوكي، وبعد أن احتككت بالثقافات الأخرى علمت أن البطة كائن مختلف، وأنها ليس لها (شفايف) كما قال المرحوم التي كنا نعرف أن اسمها «براطم» لا «شفايف»، بل منقار طويل، ورغم الاحتكاك الثقافي فإني مازلت حتى اللحظة أجد أن المتنبي كان أجهل مني بالبطة، وإلا لما شبه منقارها المائل إلى الصفرة بالفراولة ولونها الأخَّاذ! ولولا أن الزميل العزيز الأديب المعتزل/ محمد القرامي غاضب عليَّ لطلبت منه التحقق من الظروف التي قال فيها المتنبي رائعته التي أضاف إليها صوت الفنانة صباح روعة أخرى! وعن الظروف التي قال فيها قصيدته التي كانت سبب مقتله. هنا تذكرت غضبة الصديق القرامي وحكمة تقول: رُب كلمة قالت لصاحبها دعني. المتنبي لم يدعها فقُتل، وأنا لم أدَعْها فأغضبت صديقي!