إذا عدنا إلى قراءتنا لمعظم سير الأدباء نجدهم على توافق وتواؤم مع الليل.. عالمهم الخاص عرباً وأجانب ينسجون على خارطته روائعهم الفكرية.. فالشاعر يجمع مسودات حياته ويدخل فيها قليلاً قليلاً إلى عتمات الذات ليفيضها فيما بعد عبر بوحه الصادق نصاً ليلياً.. وهذا ما يعني أن ظلمة الليل لا يقطعها نور النجوم أو صمت القمر..فالليل هو الزمن الأثير والمحبب لدى الشعراء، هو زمن الكتابة الساكن المتحرك الجميل، هو زمن الحبر السايل والخيال المتدفق، لأنه بسكونه الشاعري يمنح هذه الراحة ويترك للبصيرة توجس أعمال الحس لتتكلم وترصد وتستنطق البوح الشاعري حيث اللحظة والتجلي وترك كل شيء في حضرة الإبداع وأخيلته، ولقد عبر شعراؤنا القدامى كثيراً عن الليل كما قال امرؤ القيس: إلا أيها الليل الطويل الا انجل بصبح وما إلا صباح منك بأمثل فيا لك من ليل كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل ويذبل هذه عند العامة، جبل صبحاء في العرض خلف الرويضة ودون حلبان والله العالم ونعود للنابغة عندما قال: فإنك كالليل الذي هو مدركي وان خلت ان المنتأى عنك اوسع ولعل اقتران الليل بالخيل والبيداء والسفر عند المتنبي يجعل لليل هذه الهالة الجمالية المميزة: الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم البيت الذي قتل صاحبه، وارتباطه بعوالم شعرية ذات دلالات واسعة مثل السهر والارق والسهر والتفكير وهو ما يمنح الفرصة للشعراء أن يعبروا عن ليل العشاق واحلامهم في الوصال والتواصل. الشاعر مخلوق يعشق الليل ليخرجه من ضجيج الحياة النهارية وصخبها العنيف الذي تعلوه الأحداث وتشده روتينيات الحياة، يخرج الشاعر من كل ذلك ليدخل عالمه عالم الليل ليكتب حياته من جديد ويسبرها ويتأملها في هذا الزمن الساكن الذي يتسع وتسمع فيه إيقاعات الذات المندمجة مع الموسيقى الخيالية! الليل منجم حقيقي للتجربة الشعرية، وهو المرأة البصيرة المعتمة التي تثير الشعراء.. ولكم وللشعر نقول على لسان شاعر الجيل خالد الفيصل: يا ليل خبرني عن أمر المعاناة هي من صميم الذات والا اجنبيه وختاماً لكم مالنا عندكم من حب..