تُعد المواد المخدرة والمؤثرات العقلية؛ الطبيعية منها أو المركبة أو المصنّعة، والسلائف الكيميائية التي تُستخدم في الصنع غير المشروع لها، من أبرز ما تناوله نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في المملكة؛ غير أن الأخطر من هذه التعريفات الدقيقة هو الواقع الميداني الذي تكشفه محاولات التهريب الخبيثة، من الحدود المختلفة، من أجل تحويل هذه المواد من مجرد مركبات محظورة، إلى أدوات استهداف مباشر للإنسان. لا شك أن المخدرات والمسكرات ليست مجرد ممنوعات، بل هي وسائل تُستخدم للنيل من وعي الإنسان، وجسده، وأسرته، واستقراره، ووطنه أيضًا. والمتأمل فيما يجري من محاولات تهريب متكررة برًا وبحرًا وجوًا، يلحظ بوضوح أن الأمر لا يقتصر على جريمة فردية، أو تجارة محرّمة، بل يتصل بمشروع منظم، تقوم به عصابات خطيرة جدًا، هدفها إغراق المجتمع وتقويض مناعته من الداخل. الاستهداف الخبيث هذا، لا يقف عند حدود الأمن الظاهر، بل يتسلل إلى الأعماق؛ إلى العقل، والقيم، وبنية الأسرة، وبات واضحًا وضوح الشمس في رابعة النهار، أن ما يُراد لهذا البلد أن يفقده، لا ينحصر في أمنه وأمانه فقط، بل صلابته الأخلاقية ومناعته القيمية، عبر بوابة يُستهان بها أحيانًا، لكنها تحمل في طيّاتها تهديدًا جديًا. الجهود الأمنية للأجهزة واللجان المعنية بمكافحة المخدرات في بلادنا المباركة قائمة على أكمل وجه، ويُشكر القائمون عليها كل الشكر، ورغم ذلك، لا بد أن نعلم أن هذا النوع من التهديدات والاستهدافات لا يواجه بالإجراءات النظامية وحدها؛ فالمعركة اليوم معركة وعي، وتتطلب خطابًا تربويًا وثقافيًا يوازي حجم التحدي، ويضع الإنسان السعودي أمام حقيقة ما يُراد به؛ فالخطر لا يكمن في انتشار مزيلات العقول فحسب، بل في محاولات تطبيعها، وتسويقها للشباب على أنها ملاذ أو تجربة أو حرية شخصية، بينما هي في حقيقتها أداة تدمير صامتة، لا تُحدث صوتًا، لكنها تُحدث أثرًا عميقًا، ودائمًا ما أكرر وأكتب، أن الشحنات قد تُصدّ، لكن الأفكار لا تُواجَه إلا بعقول محصّنة، ونفوس مدركة، وحصانة داخلية واعية. أختم، بأن المملكة، بفضل الله تعالى، تمتلك جهازًا متقدمًا في مجال مكافحة المخدرات، ولجانًا من مختلف المكونات الأمنية، المعنية بالتخطيط، والرصد، والتوعية، والعلاج، والتأهيل، ووطننا في أنظمته يجرّم كل ما يتصل بإنتاج المواد المخدرة أو تهريبها أو الترويج لها أو التوسط بشأنها؛ لكن تبقى مسؤولية الحماية مشتركة، وتتسع لتشمل الأسرة، والمدرسة، والمنبر، والإعلام، ومجالس الناس، وكل صوت قادر على التأثير والبناء؛ فاستهداف الإنسان لا يُواجه إلا باستنهاض الإنسان، والسيادة إذا كانت تُحمى بالسلاح، فإن الكرامة تُحمى بالوعي، والوطن الذي يعرف قيمة أفراده، ويبذل الغالي والرخيص لأجل جودة حياتهم وإسعادهم، لا ينبغي أن يُخذل من الداخل، مهما اشتدت الهجمات، وتنوعت المغريات، وتشعبت التخطيطات من الخارج.