- الرأي - خلود النبهان - جازان : في مشهد لافت يجمع بين الشغف والتراث، يكرّس المهند بن محمد النعمان – وهو شاب من منطقة جازان يحمل شغفًا عميقًا بحب التراث – جهوده لجمع وتوثيق فن "النورة" الجازانية، أحد أبرز الفنون التقليدية التي زيّنت جدران المنازل في المنطقة، وجسّدت علاقة الإنسان بالمكان والبيئة واللون. المهند، المنحدر من بيئة غنية بالإرث الثقافي، لم يكن مجرّد باحث، بل عاشق لتراث الأجداد، يتتبع بخطى واثقة بقايا الزخارف التي كادت أن تندثر، ويجمع شذرات من ذاكرة النساء اللواتي زيّنّ بيوت الطين بالخطوط والأشكال الهندسية المستلهمة من الطبيعة والحياة اليومية. في مشروعه التوثيقي، يعكف النعمان على دراسة مراحل صناعة فن النورة، بدايةً من تحضير "الجير" المستخرج من الأحجار الجيرية، وصولاً إلى مراحل التلوين باستخدام المواد الطبيعية كأوراق الحور والمُضّ والسدر، وهي المصادر التي أهدت الألوان الأزرق والأحمر والأخضر والأصفر، في تناغم بصري أخّاذ يعكس ذائقة جمالية فطرية. وقد تضمّن بحث المهند النعمان مجموعة من الآراء والتجارب الحية التي رصدها خلال توثيقه، من بينها ما ذكره الأستاذ حسن حبيبي، بقوله: "عاصرت التزين بالنورة، لكن كانوا يضيفون البيات لرسم الخطوط الملونة. فكانت هناك أشجار تعطي ألوانًا، مثل أوراق الحور التي تعطي اللون الأزرق، والمُضّ الذي يعطي اللون الأحمر، وكذلك أوراق السدر التي يُستخرج منها اللون الأخضر، وزهورها اللون الأصفر…" كما أورد الباحث في دراسته شهادة المهتم بتاريخ جازان الأستاذ محمد هزاع المقري، الذي وصف فن النورة بقوله: "هو إبداع ينساب من بين أنامل المرأة قديمًا، فترسم به مشاعر شوق لبعيد، أو حب لقريب، أو فرحة غامرة… كل زاوية من النقش تحملك إلى خارج العشة لتلمس روحك أرواحًا عابرة تحمل الجمال بكل تفاصيله." وبينما يشهد هذا الفن التقليدي تراجعًا بسبب التحولات العمرانية وتغيّر أنماط البناء، يؤمن المهند بأهمية إعادة إحياء النورة كجزء لا يتجزأ من الهوية الجازانية. لذلك، يسعى إلى توثيقها بالصور والروايات، والاستماع إلى من عاصروا مراحلها، كما يدعو إلى إدراجها ضمن الفنون الجديرة بالاعتراف العالمي من قِبل المنظمات المعنية بحماية التراث غير المادي. ويُعد عمله مساهمة واعدة في ربط الأجيال الجديدة بجماليات الماضي، واستعادة تلك العلاقة المتينة بين الفن والمكان. في ظل ما يقدمه من جهود توثيقية، يُثبت المهند النعمان أن حب التراث ليس مجرد حنين، بل مسؤولية تبدأ بالمعرفة وتنتهي بالحفاظ. وهكذا، لا يبدو بحث المهند النعمان مجرّد توثيق لفن آيل للاندثار، بل هو جهدٌ يستحق أن يُعاد النظر فيه، يعيد لألوان الجدران القديمة صوتها، ولذاكرة جازان ملمسها الحيّ. ‹ › ×