الأرقام عاهدت نفسها منذ أن ولدت على أن لا تقول إلاّ الحقيقة، والأرقام بطبيعتها لغة غير مخيفة مهما كبرت أو صغرت فهي تؤدي مهمتها على أكمل وجه، لكن الحقيقة التي تبعث بها إلينا هي من تخيفنا أكثر، تخيّل مثلاً أنك تريد الذهاب إلى مستشفى حكومي أو خاص وأنت قد قرأت الخبر الذي نشرته «الشرق« عن وجود 20300 ممارس ممنوع من ممارسة الطب فهل ستملك الثقة الكافية أن تبث شكواك وألمك إلى طبيب؟ هذا إن كنت زائراً جديداً أم ستبتسم لأنك اكتشفت أن زياراتك المتكررة لطبيبك الذي كنت تراجعه لم تكشف لك عن علتك التي أدمنتها طويلاً فأنت قد عرفت السر الآن؟! ولنفرض أنك قد عرفت الآن أنه تم ضبط 623 حالة تزوير خلال شهرين وأن نسبة ارتفاع التزوير خلال عام واحد ارتفعت إلى 30% فهل لديك القدرة على المغامرة بالذهاب بطفلك لتضعه بكل حسن نيّة بين يدي (مجرم) يرتدي رداء أبيض؟! هذه الإحصائية التي نشرتها «الشرق« في عددها 244 بتاريخ 4-8- 2012 رغم أنها مخيفة لكنها تعبّر عن أشياء أبعد من ذلك بكثير، وهي أن وزارة الصحة أصبحت هي المعبر الآمن لحاملي الشهادات المزوّرة وأن حاملي الشهادات المزوّرة أصبحوا أكثر جرأة على حياة النّاس، فالخبر الذي نشرته «الشرق« عن الإحصائية الصادرة من هيئة التخصصات الطبية انتهى عند هذه الأرقام فقط دون التفصيل فيها أكثر وما أخفاه الخبر وتركه لخيال القارئ الفطن على شكل استفاهمات مفتوحة هو ما مصير هؤلاء المزوّرين وكيف تم التعامل معهم ومع من زوّر لهم وهل اكتفت الوزارة ب(الطبطبة) على أكتافهم والاعتذار منهم عن منعها لهم من ممارسة التطبيب؟! فإن لم تكن حياة النّاس وصحتهم عند وزارة الصحة وغيرها من الإدارات المعنية خطا أحمر فما هو الخط الأحمر إذاً؟ كيف تجرأ هؤلاء المجرمون على التقدّم بأوراقهم بكل وقاحة للعمل في القطاع الصحي رغم أن مكانهم الآمن هو السجن، وهل يعقل أن يترك لهم حرّية خوض التجربة ليستفيدوا منها في التقديم مرّة أخرى بعد تلافي الأخطاء التي وقعوا فيها عند المرّة الأولى؟! يجب أن لا تنتهي مهمة هيئة التخصصات الطبية عند هذا الحد ويجب التعاون مع الأجهزة المعنيّة في الدولة لتحال لها ملفات هؤلاء للتحقيق في قضايا التزوير وكشف من عاونهم والجهات المتورطة في هذه الجرائم وإحالتهم للقضاء كي نحفظ أمن بلادنا من هؤلاء المزورين وإن اكتفت الوزارة بهذه البيانات وإجراءات لجانها التي لا تملك ما تقدمه لنا أكثر من الأرقام التي تخيفنا حقائقها وتصبح طي النسيان فيما بعد فإننا لن نملك القدرة في المستقبل على التمييز بين قميص السجن والقميص الأبيض!