«مرسي أمام شفيق: هذه الجولة يسميها كثير من المصريين (الكابوس) لأنها سوف تأتي لهم بأحد أسوأ المرشحين للوصول لكرسي الرئاسة».. هذه الفقرة ضمها مقالي الأسبوع الفائت عن احتمالات الإعادة بين مرشحي الرئاسة في مصر، والتي وصفتها مثل عدد كبير من المصريين بالكابوس، فقد أسفرت النتائج حتى الآن عن تقدم كل من الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين والفريق أحمد شفيق مرشح النظام القديم. القراءة الأولية لهذه النتائج تقول إننا بصدد إشكالية كبيرة للغاية، على المصريين حل لغزها، فقد بات أمامهم الاختيار بين استمرار النظام القديم الذين ثاروا ضده وبين إنتاج نظام الملالي الديني ومن ثم استبدال فاشية بأخرى.. هي إشكالية كبيرة خصوصا إذا ما عرفنا أن الثورة المصرية كانت بالأساس ضد النظام الأبوي الفاشي سواء ذلك الذي يمارس فاشيته باسم الدولة أو ذاك الذي يمارسها باسم الدين. ولنا أن نتفهم قلق المصريين إزاء هذه المشكلة لأن وصول أي من المرشحين قد يكون معناه اختطاف الثورة للأبد. الذين يدعون للتصويت لشفيق يحاولون تذكير المصريين بسيناريو الثورة الإيرانية التي توافقت فيها القوى السياسية الليبرالية واليسارية وقود الثورة الحقيقي على الاستسلام للحكم الديني للتخلص من الشاه، وبعد التخلص من الأخير قام الإسلاميون بذبح الليبراليين واليساريين الذين تحولوا إلى صف المعارضة وتم وسمهم بالخوارج وباللادينيين إلى آخر تلك التهم سابقة التجهيز التي تملأ أدبيات الأصولية الدينية. أما الذين يدعون للتصويت لمرسي فيحاولون تذكير المصريين بسيناريو الثورة الرومانية التي استطاع فيها النظام القديم استعادة عافيته والانقضاض مرة أخرى على الثورة وعلى مفاصل الدولة ومن ثم الوقوع مرة أخرى في ربقة استبداد سياسي معاد إنتاجه، ترتب عليه ذبح الثوار أيضا باعتبارهم خارجين على الشرعية. في الحالة المصرية يبدو أن هناك طريقا ثالثا، فالثورة ما تزال في الشارع، لم تفلح قوى النظام القديم رغم استعادة عنفوانها بسبب انحياز المجلس العسكري لها في قمعها، ما زال دكتور محمد البرادعي ملهم الثورة يبث الأمل في الثوار.. يثق في قدرتهم على النصر في النهاية.. ويثقون في قدرته على الحلم.. الثورة أيضا فيما يبدو قد اكتشفت قائدها بعد صعود نجم المرشح الناصري اليساري حمدين صباحي ليزاحم مرسي وشفيق.. الثورة أيضا استطاعت أن تهزم الأصولية الدينية في عقر دارها، في الإسكندرية معقل السلفية العلمية حصل حمدين على أعلى الأصوات، وفي معاقل الإخوان في الوجه البحري زاحم مرشحهم وسبقه في عدة أماكن.. لم تصدق الثورة كلام النائب السابق للإخوان الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح.. فاقت في الأيام الأخيرة بعد وقوف السلفيين والجماعة الإسلامية وراءه.. الثورة اختارت مرشحا لم يكن متصدرا للمشهد حتى أيام.. الأحياء الشعبية في القاهرة والجيزة التي شعر أبناؤها بصدقه في الانحياز لصف الفقراء لم يبخلوا عليه بأصواتهم.. حي فقير للغاية مثل البساتين في جنوبالقاهرة لم يحصل الفريق شفيق على صوت واحد فيه فيما حصل حمدين على أغلبية ساحقة.. هي طفرة في الوعي إذا.. هؤلاء الفقراء الذين كانوا وقود الحكم السابق للبقاء في الحكم.. كان يشتري أصواتهم ويبيع لهم الوعود.. هؤلاء حصلوا على أكياس التموين التي كان الإخوان يوزعونها قبل الانتخابات ثم ذهبوا ليضعوا علامة أمام صورة حمدين صباحي.. صحيح أن كثيرا من الفقراء في ريف مصر لم يمكنهم فعل ذلك.. ولكن من قال إن فقراء الحضر كفقراء الريف! ما زال أمام المصريين طريق ثالث.. هو طريق الثورة.. لا يمكن الاختيار بين شفيق ومرسي.. الاختيار بينهما كما الاختيار بين الموت شنقا أو الموت ضربا بالرصاص.. ليس على المصريين المشاركة في اختيار كهذا.. عليهم التقدم في الطريق الثالث.. في الثورة.. في الوقوف خلف حمدين صباحي.. أو خالد علي.. في الاصطفاف حول مدنية الدولة وديمقراطيتها.. في الوقوف معا لصد فاشية الدولة التي قد يحاول شفيق استمرارها إذا ما فاز ولصد فاشية الأصولية الدينية التي قد يحاول الإخوان ترسيخها إذا ما فاز مرشحهم. لهذا تصبح الدعوة التي أطلقها البعض بإبطال الأصوات دعوة في محلها. لقد تنبأ الكاتب الكبير وحيد حامد في فيلمه طيور الظلام أن تكون الكرة.. كرة السياسة.. بين أقدام لاعبين اثنين فحسب.. لاعب الانتهازية السياسية التي مثلها مدير مكتب قيادي بالحزب الوطني ولاعب الأصولية الدينية التي مثلها محامي الجماعات الإسلامية.. كان ذلك قبل الثورة بسنوات طوال.. أما وقد قامت الثورة في البلاد فإن نبوءة حامد التي تحولت لكابوس يمكن تجاوزها إذا ما ركزنا في الطريق الثالث.. طريق الثورة.