في ظل التداعيات الجديدة، والتوتر الشديد، إثر تصدع مجلس الإدارة في أدبي جازان الثقافي، الذي تمخض عنه انسحاب أقطاب مجلس الإدارة الثلاثة، والانشقاق الكبير الذي حدث في الجمعية العمومية، التي زخرت بتراشق دام، وتنابز بالألقاب آثم، يحسن بنا أن نعود بذاكرتنا للوراء، عشرين سنة ونيفاً، عندما كان النادي في أوج ازدهاره، يتأهب في حلته القشيبة، ومعماره الزاهي، الذي كلف نحواً من سبعة ملايين ريال، لانعقاد المؤتمر العاشر. حينها جند النادي أناساً من كل شرائح المجتمع، لا يشترط فيهم سوى أن يجيدوا القراءة والكتابة، ليزج بهم في لجان مؤقتة: ثقافية وإعلامية واجتماعية وغيرها. لم يكن للنادي من هدف سوى الظهور بمظهر لائق مشرف أمام ضيوفه، الذين وفدوا من كل حدب وصوب، من مملكتنا الحبيبة، ليشهدوا التظاهرة الكبيرة في جازان، تحت مظلة انعقاد المؤتمر العاشر للأندية الأدبية.لم يندهش ضيوفنا الأفاضل من مبنى النادي، الذي جاء على طراز فتان، تنافس فيه المتنافسون من المهندسين المعماريين الذين اشتقوا صنعتهم من افتتانهم بالأدب والشعر، بالقدر الذي أصابهم من حيرة وعجب حيال ثقافة أهل جازان وأدبهم. لقد قال قائلهم (بتصرف) واصفا تلك الحال «في الصباح شعر، وفي المساء شعر، على الغداء شعر، وعلى العشاء شعر، شعر، شعر، كلهم شعراء». لقد كان النادي واحة خصبة، ينبت فيها الشعر نباتا حسنا، وتصقل فيه المهارات، ويربى فيه المثقفون على حب الشعر والقصة، وكل فنون الأدب، يربى فيه مرتادوه على حب جازان وتراثها، والتضحية من أجل منطقتنا الحبيبة التي هي جزء من وطننا الحبيب، الذي غرس الإسلام حبه وحب مليكه في قلوبنا. وقتئذ كان النادي يباري الأندية الأخرى، وينافسها في النتاج الأدبي والثقافي الذي لا ينفد، بل تعدى ذلك إلى الوقوف نداً عنيداً في حربه الضروس مع أدباء وشعراء العالم العربي، حتى أمكنه الله منهم، فنال النادي قصب السبق في مناسبات عديدة، واحتفالات شتى تنافسية، مع أدباء عالمنا العربي.لم يكن لنادينا وقتها، حين حقق تلك القفزات الكبيرة، من مآرب سوى أن يسود الأدب والشعر، أو قل إن شئت أن يسود (بكسر الواو) منطقته في الثقافة والأدب، ولا غرو، فهذا هو دأب قاطنيها من أمد بعيد، ويقف النصب، عند دوار محافظة ضمد، شاهقاً شاهداً يحمل رموز الأدب والشعر والثقافة.وتمضي الأيام، وتتداول الحقب، ويأتي يومنا هذا، عصر التقنية المعلوماتية، ويتفجر الأدب والشعر ليس في صالات النادي فحسب، بل في المنتديات الإلكترونية والمواقع، وتكثر الاتجاهات والأحزاب الأدبية، لتصطبغ إلى جانب الفن والأدب، صبغة من أصباغ متفرقة، وألوان متعددة، يجمعها حمية الجاهلية، ونعرة القبلية، وسباق الرأسمالية، وحب الفوقية! مصطلحات تبدو مزعجة بادي الرأي، ولكنها تحكي الواقع المرير الذي استحال إليه الأدب والشعر. لقد أصبحت رايات ترفرف، يدعو فيها كل إمام إلى التجمهر حول رايته، ومن لا يفعل يكن في الاتجاه المعاكس، أو قل كما قال إمامهم «إلا تكن معنا تكن مع الإرهاب»! لقد جاء اجتماع الجمعية العمومية العادية الأول، تفتر منه رائحة تلك الأصباغ، فكان الجدل الكبير، والشقاق العظيم، بل تعدى إلى التنابز بالألقاب، وتبادل التهم غير الأخلاقية، وبات النادي تدور رحى الحرب فيه إلى ساعة متأخرة من الليل، والحرب سجال، ولا منتصر سوى الأهواء والنزغات والنزعات! فعلام كل ذلك؟! وحتام سيبقى الزمام منفلتا ليعيث الفساد من له مآرب شخصية؟ أو أسباب نفعية؟ هل ما جاءنا من نحلة ملكية نشكر عليها بعد الله خادم الحرمين هو ما يدفعنا إلى مثل تلك الأعمال التي شوهت الأدب والشعر؟ بل أصبحت حجر عثرة أمام تقدمه ورقيه، لانشغالنا بالمهاترات الشخصية عن العمل الدؤوب، لتطويره وتنقية أغراضه وأهدافه؟ إن كان الأمر كذلك، فأنا أدعو سيدي خادم الحرمين، بارك الله في عمره، ووفقه إلى كل خير، وحفظه من كل سوء، أن يوجه مصارف تلك النحلة إلى حيث تؤتي أكلها يانعة، ونحن، وإن كنا كما قال شاعرنا المفوه (قد مللنا حراشف الحيتان) نرضى من اللحم بعظم الرقبة، وإذ أوغلنا في تناول اللحم، فسدت بطوننا، وأفسدت علينا عقولنا التي تتفتق شعراً وأدباً.