ويمتد الحديث من باريس عن عناق الشعر والفن في معرض عبر عن الحرية، المستوحاة من شاعر القضية الفلسطينية محمود درويش، الذي نجح في تحويلها إلى قضية إنسانية تتعاطف معها شعوب الأرض. وأصبح شعره لا ينبض بالحق الفلسطيني فحسب، وإنما بحق جميع الشعوب في الحرية والكرامة عبر جغرافية الأرض الممتدة. وصل شعره إلى العالم عبر لغات مختلفة، فاحتفت به الشعوب، لأنها وجدته يعبر عن رؤيتها، و تطلعها إلى الانتصار على الجور والظلم، وتحقيق الحرية والعدالة. اثناعشر فنانا من ثماني دول عربية وأوربية شاركوا في هذا المعرض المحدود مساحة، الغني بمحتواه ورسالته. وقد مثل درويش للفنانين المشاركين، عبر شعره الإنساني، مصدر إلهام لإبداعهم. من بين هؤلاء الفنان الجزائري مصطفى بوتاجين، الذي تمت الإشارة إليه. ومن أبرزهم أيضا الفنانة السويسرية دينيس أيير أوجييه، التي شاركت في المعرض الباريسي، وأشارت أنها رسمت سبعين لوحة كلها مستوحاة من ديوان محمود درويش، الذي كان بين يديها، واعتبرته كنزا لا يفنى. وفي الكتاب أشارت إلى القصيدة التي ألهمتها لوحتها الفنية، ومنها «أنسى البيوت التي دونت سيرتي، أتذكر رقم الهوية». وتستند اللوحة على فكرة الأبواب، بعضها موصدة، وأخرى مفتوحة لدلالات ممتدة، ويأتي اللونان الأبيض والأزرق ليتعانقا في فضاء الأرض والسماء. الفنانة دينيس تعشق العربية وترى أنها ذات موسيقى ساحرة أخاذة، بعد أن تذوقتها معرفة ونطقا. النحاتة العالمية منى السعودي، ذات التاريخ الفني المتميز في عالم النحت شاركت في المعرض بأحد أعمالها الذي يمثل سيرة غرافيكية أنجزته في السبعينيات. ومنى السعودي فنانة جعلت الأرض محور أعمالها النحتية، عبر الحفر في الصخر والنقش في الحجر. وغالبا ما تزين أعمالها النحتية بكلمات شعرية معبرة عن الحالة الإبداعية التي تعبر عنها، المرتبطة بفلسطين عبر وحدة الإنسان بالأرض. وفي المعرض تقابلها لوحة ابنتها الفنانة ضياء بطل، التي استوحتها من أبيات محمود درويش «حبوب سنبلة تموت وتملأ الوادي سنابل»، وضمنت اللوحة أسماء شهداء الحرية في سوريا. جميع الأعمال المشاركة ذات بعد فني متميز بألوانها، وتقنياتها الفنية العالية. وإذا كان كل منها يحتوي شكلا فنيا زاهيا، فإنه توحد بينها الرسالة الإنسانية السامية. رسالة الحرية، التي تتطلع إليها الشعوب. إنه نضال ناعم تعبر عنه الريشة والإزميل والكلمة. يغيب محمود درويش لكن يبقى إبداعه خالدا على المستوى العالمي، ومعبرا عن حالات إنسانية مختلفة، ومحفزا لمزيد من الإبداع. الإنسان في كل أرض تواق للحرية، والعيش بكرامة عالية. ولذا، تعددت تعبيراته عنها، بين صرخة مدوية ضد الظلم، وبين تعبير إبداعي ممتد عبر الكلمة واللون والموسيقى، أثمر أعمالا إبداعية خالدة، تسجل التاريخ بطريقة مختلفة. الفن كالتاريخ يحوي خلاصة التجارب الإنسانية، غير أنه يحمل أحاسيس الذات والخيال والتصور والتجسيد، التي تستند إلى تجارب عديدة عاشها هذا الفنان. الفن انعكاس لعشق مبدأ أو قضية أو تجربة إنسانية عميقة. المبدعون ينجحون في إيصال رسالتهم بإيحاءات الحرف واللون والشكل والخطوط. وكل يقرأ القصيدة أو اللوحة فتنعكس مفاهيمها حسب أحاسيسه وثقافته.