أتيح لي يوم الخميس الماضي، برفقة معالي الدكتور خالد السبتي زيارة معرض فني صغير في حجمه، كبير في دلالته. مكانه باريس حيث يتجلى الفن، ويبدع الرسامون في مواقع كثيرة منها. ويأتي متحف اللوفر حاضنا لفنون عالمية عبر التاريخ. أما مركز جورج بومبيدو فهو تحفة فنية تملأه الفنون الحديثة لقامات من مبدعي الفن الحديث. وفي كثير من أحياء باريس تنتشر معارض عديدة تعرض بين الفينة والأخرى أعمالا إبداعية لفنانين عالميين من أقطار مختلفة. في شارع سيغيه، وسط باريس يوجد هذا المعرض، الذي ينظم حاليا معرضا فنيا حمل عنوان (حرية من وحي محمود درويش). حيث يتمازج الحرف واللون في إبداع متميز. تتوسط المعرض لوحة تعبيرية بورتريه من الكولاج للشاعر الكبير محمود درويش أبدعها الفنان العراقي مصطفى بوتاجين. أما بقية اللوحات فهي جميعا مستوحاة من قصائد محمود درويش. من أبرزها قصيدة “هوية”، التي تغنت بها الركبان في لغات مختلفة، ومطلعها: “سجل أنا عربي، ورقم بطاقتي خمسونَ ألفْ، وأطفالي ثمانيةٌ، وتاسعهُم سيأتي بعدَ صيفْ، فهلْ تغضبْ؟”. يختار الفنان البريطاني أشلي شجرة الزيتون لتقوم عليها اللوحة المستوحاة من هذه القصيدة. شجرة الزيتون يمتد عمرها إلى أربعة قرون، ولذا تتحول في هذه اللوحة إلى رمز للتجذر في الأرض، وتمتد أغصانها إلى الأفق، في رؤية استشرافية لواقع أفضل. وتحتوي على عدد من المقاطع الشعرية من القصيدة باللغة الإنجليزية. وفي وسط اللوحة بدا الوطن الفلسطيني بين الأغصان، وفوجيء الفنان حين أشرت إلى ذلك، حيث جاءت بشكل غير مقصود حسب تعبيره، وكأن الإحساس الداخلي لدى الفنان فرضها داخل اللوحة. تقول السيدة ندى كرامي إن المعرض يأتي متزامنا مع ذكرى ميلاد محمود درويش، ومع واقع الربيع العربي، الذي يتوق إلى الحرية. وأنه تم اختيار فنانين عالميين من ثماني دول (فلسطين والأردن والسعودية والجزائر وتركيا وفرنسا وإنجلترا وسويسرا)، يمثل شعر محمود درويش مصدر إلهام لكثير من إبداعاتهم. من بين هؤلاء الفنانة السعودية علا حجازي التي أنجزت العديد من الأعمال التي أسمتها “درويشيات”، وهي أعمال متنوعة في أشكالها ومساحاتها. وإذا كان المعرض يحوي عملا واحدا لكل فنان فإنه قد تم عرض عملين للفنانة حجازي، التي كانت حاضرة بثقافتها وعمق دلالات أعمالها. وبدت وهي تتحدث بإحساس من يحمل قضية إنسانية كبرى. لوحتها الأولى مستوحاة من قصيدة “غريب في مدينة بعيدة” وبدا فيها الإنسان يحمل حقيبة سفر، في رحلة متخيلة، وإيحاء الألوان والخطوط تمنح المشاهد رؤى مختلفة. أما اللوحة الثانية، فهي مستوحاة من قصيدة “أنا يوسف يا أبي”. وتم الاتكاء برمزية غير بارزة، على رمز النبي يوسف وغيابات الجب. وكأن اللوحة توحي أن في داخل النفس الإنسانية نورا يجدر به أن يساهم في الصعود إلى العلو. ويشترك معها الفنان التركي إسماعيل يلديريم، حيث يستند على نفس القصيدة، ليحول صراع إخوة يوسف إلى التعبير عن الصراع على أرض فلسطين بين أصحاب حق، ومحتل مغتصب للأرض، بإيحائية ذات مستوى عال من الحرفية الفنية.