كثيراً ما نسمع «لا تؤجّر عقلك»، هذه العبارة التي تدعو إلى استقلال التفكير بعيداً عن المؤثرات الخارجية والعادات الاجتماعية والثقافية البالية التي تراكمت بفعل السنوات وتوارثتها الأجيال، ورغم ذلك يعرض بعضهم عقولهم للإيجار بثمن بخس أو بالمجّان، فيستأجرها غرباء لتحقيق مصالحهم وأطماعهم الشخصية. إن ما يحدث بين الفينة والأخرى من تدمير لبيوت الله، واستباحة لدماء المسلمين والمعصومين، والآباء والأمهات، والأهل والأصحاب، هاجسٌ يؤرق المجتمعات والدول، وتكمن الغرابة في أن غالبية هذه الفئة الخارجة عن حدود الجغرافيا والتاريخ صغار سنّ وقودهم الحماس المفرط؛ وهما العدوان اللدودان للحكمة والعقل الرزين، فيبادرون بالتضحية بعقولهم على بركة قائدهم وولي ضلالهم، وغالباً ما تكون عبر «الواي فاي» بسرعة تخترق كل الحواجز الحسية والمعنوية. اعتاد هذا المؤجّر أو «الضحية»أن يردّد ما يقال ويشاع، فهو يكره التفكير والتأمل، كما أنه يتأثر بالآراء والدعايات البراقة التي عادةَ ما تلامس احتياجاته المعنوية والنفسية، ومن خلال العزف المتواصل على وتر مشاعره وأحاسيسه؛ يسهل الولوج إلى عقله وتطويعه، وغالباً ما يحصل ذلك من خلال التركيز على حال الأمة المتداعي في مشارق الأرض ومغاربها، ثم يقدمون له مائدة قد دُسّ فيها سُمّ التكفير العشوائي دون التفكير في أبعاد هذه الكلمة ومآلاتها على المجتمعات واستقرارها، وبعد أن يتم التأكد من استدراج الضحية وأنه قد استكمل ولاءه الأعمى، يكلفونه بمهمات خطيرة ينفذها دون وعي أو أدنى إحساس. يحتاج المجتمع عموماً والتعليم بوجه خاص إلى تثقيف الأطفال والشباب حول استقلالية الرأي والتفكير الموضوعي، فمهارات التفكير ليست من النشاطات اللاصفية التي تمارس في أوقات محددة وربما على نطاق ضيق، لقد أصبح من الضروي إدراجها في المناهج والكتب المدرسية، إضافة إلى تشجيع الطلاب والطالبات على التعبير عن الاختلاف بأدب وتسامح، فالحفظ والترديد قد ولى زمانهما، ولم يعد استرجاع المعلومات أمراً مهماً مقابل الغوص في أعماق الأفكار والمعلومات من خلال تفعيل النقاش الجماعي وربط المعلومات بواقع الحياة والظروف الراهنة. العقول الحرة تضيء مستقبل الأمة وتمهد الطريق أمام الأجيال، وتؤسس لهم قاعدة معنوية صلبة بما يتوافر لها من إمكانات وقدرات وثروات، وكما أن العقول قادرة على تحقيق المستحيلات لرقي ونماء الأرض والإنسان، فإنها في المقابل تستطيع رسم أبشع صور التدمير والخراب التي تفتك بالإنسان وتهلك الحرث والنسل.