صحوت هذا الصباح يراودني منذ البارحة، سؤال حول أنجع الوسائل لتدمير المجتمعات؟ قد يكون السؤال غريبا، فالناس اعتادوا أن يفكروا في الأوامر الإيجابية التي تبحث عن أنجع الوسائل للنهوض بالمجتمعات لا الوسائل المدمرة لها! فما بالي أفكر عكس ما يكفر به الناس؟ ولكن مهلا أليست السلامة من التدمير شرطا أساسيا للنهوض؟ هل يمكن أن يتحقق النهوض وعوامل الهدم قائمة؟ أما قال حكيمنا الشاعر: (متى يبلغ البنيان يوما تمامه، إذا كنت تبنيه وآخر يهدم)؟ من هنا أخذ يتردد في ذهني سؤال حول أيهما أكبر تدميرا للمجتمعات وأيهما أشد خطرا عليها، إفساد الأخلاق، أم إفساد العقول؟ من أين يبدأ انهيار المجتمع؟ من تدمير أخلاق أبنائه أم من تدمير عقولهم؟ قد يقول قائل منكم إن تدمير العقول أشد فتكا بالمجتمع، لأن العقل الذي لا يحسن التفكير، لا يقدر صاحبه على التمييز بين الحق والباطل، ومن ثم قد يقع صاحبه في طريق الفساد الأخلاقي متى تلألأت أمامه أضواء الرذيلة وجذب العيون بريق ألوانها. أما تدمير الأخلاق فإنه من الممكن تلافيه والرجوع بصاحبه إلى الحق متى نشط العقل واكتملت قدرته على التفكير فتحققت الرؤية العقلية الثاقبة التي تعين على تجنب مواطن السوء. لكن ما يجري في المجتمع يسير على غير ذلك، فالناس حين يجاهر فرد منهم بارتكاب الرذيلة، يبادرون إلى تجريمه ومطاردته لتأديبه خوفا من إفساده الأخلاق، أما متى برز بينهم من يسعى في تدمير العقول بحشوها بأكاذيب باطلة مبنية على الزيف والجهل، فإنهم لا يعيرونه انتباها ولا يتلبسهم منه خوف على إفساد العقول بحجبها عن رؤية الحق. طافت بذهني هذه الأفكار وأنا أتابع باستياء ما تنشره صحفنا المحلية على صفحاتها الأولى بخطوط عريضة تتباهى فيها باستعراض (الانتصارات الماحقة والبطولات الخارقة) التي تتحقق في القبض على السحرة والساحرات الذين يملأون أركان بلادنا الحبيبة، فيدمرون حياة الناس ويهلكونهم، (ليس بالكذب عليهم والخداع لهم)، كما قد يتبادر إلى الذهن، وإنما بما (يملكونه من قوى شيطانية شريرة تأتي بالعجائب، كجعل رب أسرة سعودية سائقا خاصا للساحر، وجعل الزوجة تنقاد له لتسافر معه وتكتب رسائل عشق إليه)! كلما قرأت مثل هذه الأخبار قفز إلى ذهني ذلك السؤال الحائر، أيهما أكبر نكرا، وأشد تدميرا للمجتمع، إفساد الأخلاق أم إفساد العقول؟ إن كثرة وجود السحرة والساحرات في المجتمع، دليل على كثرة المصدقين لادعاءاتهم ورواج سوقهم بين الناس، وما كان ذلك ليحدث لو لم تسهم الصحف في إفساد العقول بتصويرها الكذب في صورة الصدق، وإشاعتها بين الناس أن هؤلاء السحرة قادرون على الإضرار بمن يشاءون، فهيأت بذلك المناخ وأوجدت الأرض الخصبة التي يزدهر فيها الكذابون وتنمو فوقها بضاعتهم المزجاة. وما أرى في مبالغة الصحف وتضخيمها لقدرة هؤلاء السحرة على تسخير الشياطين لإيذاء الناس، إلا هدما للفكر وإضعافا للإيمان بالله رب كل شيء والمسك بزمام كل شيء (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله) فيا صحافتنا العزيزة رفقا بالعقول. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة