شدَّد وزير الخارجية على تطابق وجهات النظر بين المملكة وفرنسا في ملفات سورياولبنان واليمن والعراق والتدخلات الإيرانية والقضية الفلسطينية، واصفاً الأمر ب «نادر الحدوث»، فيما تحدَّث نظيره الفرنسي عن «الشراكة الحقيقية والفاعلة» بين البلدين وجديَّة تعاونهما سياسياً واقتصادياً. واعتبر الوزير عادل الجبير أن نهاية الحرب في اليمن في يد الرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، وجماعة الحوثي، مؤكداً أن «طريق الحرب كان خيارهما» في وقتٍ ترى المملكة في العملية السياسية الخيار الأفضل. وقلَّل من مصداقية الحديث الإعلامي لصالح عن عدم وجود إيرانيين في الأراضي اليمنية «لأنه يكرِّر في كل مرة كلاماً لا يمت للواقع بصلة، فالجميع يعلم أن الإيرانيين موجودون هناك ويقدِّمون الدعم للحوثيين ويمدّونهم بالسلاح والخبراء العسكريين»، مشبِّهاً كلام المخلوع بمن يقول «الشمس لا تشرق من الشرق». وذكَّر الجبير، خلال مؤتمر صحفي عقده أمس في الرياض بحضور نظيره الفرنسي، بأن عمليات «عاصفة الحزم و»إعادة الأمل» انطلقت استجابة لطلبٍ من حكومةٍ شرعيةٍ وفقاً لميثاق الأممالمتحدة لتحقيق عدة أهدافٍ هي دحر الحوثيين، ووقف محاولاتهم اغتيال الرئيس عبدربه منصور هادي، وحماية حكومته، والتخلص من تهديد الصواريخ البالستية على المملكة. وأفاد بنجاح قوات التحالف العربي في الحرب على الحوثيين والمخلوع، متطلعاً في هذا الخصوص إلى بدء عملية سياسية وفقاً لقرار مجلس الأمن 2216. في الشأن نفسه؛ عدَّ الجبير الأوضاع الإنسانية في اليمن صعبةً، وقال «لذا سارعت المملكة بإطلاق مبادرات عديدة لإنقاذ الوضع الإنساني الصعب، والعمل مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لتقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية العاجلة، وتيسير دخول المنظمات الإنسانية إلى هناك، وتوزيع المعونات والمساعدات على المحتاجين بما في ذلك الخدمات الطبية». وشدَّد على عزم المملكة مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية إلى اليمنيين لنقلهم إلى وضعٍ أفضل، مذكَّراً بكونها المانح الأكبر في هذا الصدد. إلى ذلك؛ جدَّد الوزير التأكيد على ثبات موقف المملكة تجاه الوضع في سوريا وبشار الأسد. ونفى أي تعديلٍ ل «هذا الموقف الذي ينطلق من مبادئ رصينة منذ بداية الأزمة»، واصفاً الأسد ب «السبب الرئيس للمشكلة .. لقتلِه مئات الآلاف من شعبه وتشريده الملايين وتدمير بلاده بأكمله .. لذلك فإنه لا مستقبل له هناك». وقال الجبير إن المملكة تحاول إقناع روسيا بضرورة إيجاد مخرج أو حل سياسي للأزمة «شريطة ألا يتضمن وجود الأسد»، مضيفاً «نعمل ما في وسعنا لإقناع العالم وحثِّه وتوحيد توجهاته لدعم أشقائنا في سوريا ومواجهة آلة القتل التي يقودها النظام». وتحدَّث في هذا الإطار عن مشاورات بين المملكة والولايات المتحدةالأمريكية ودول صديقة أخرى تجاه القضية نفسها «لبحث ما يمكن عمله تجاه إيجاد حلول عاجلة وناجعة». وركَّز الجبير على ثبات المملكة على مبدأ عدم التخلي عن السوريين، وأوضح أنها تجد أن «الحلول لا تتجاوز خيارين، إما حل سياسي أو عسكري، وفي كلا الخيارين لا وجود للأسد». ووفقاً له؛ يستند الحل السياسي إلى تأسيس مجلس انتقالي يدير أعمال الدولة ويحافظ على مؤسساتها المدنية والعسكرية ويضع دستوراً جديداً ويُجهِّز لانتخابات و»جميع ذلك يُشترَط ألا يشمل الأسد». وبشأن المعارك التي تخوضها المعارضة حالياً ضد النظام؛ وصف الوزير نهايتها ب «مجهولة وغير واضحة». ورغم توتراتٍ تطول كل بقعة من الشرق الأوسط؛ أبدى الجبير تفاؤله بمستقبل المنطقة بشكلٍ عام «من خلال إيجاد حلول لجميع المشكلات بالاعتماد على الله عز وجل قبل كل شيء، ثم الثقة في قدرتنا على تحقيق الأهداف السامية في هذا الشأن، والاعتماد على النفس، والعمل بجدية لأن التحديات كبيرة وكثيرة»، مستعرضاً بعضها بالإشارة إلى الأزمات اللبنانية والسورية، ومثلها في العراق واليمن وليبيا، إلى جانب الأعمال السلبية التي تقوم بها إيران متمثلةً في تدخلها في شؤون دول المنطقة، عادَّاً موضوع التسلُّح والمهاجرين ضمن التحديات أيضاً. وربط بين «إيجاد الحلول لجميع هذه التحديات» و»التعامل مع الأوضاع بحكمة وعقلانية ومنطقية، والأخذ في الحسبان الاعتماد على النفس في المقام الأول، ثم الاستفادة من الأصدقاء في مختلف أنحاء العالم». وتساءل «لماذا لا ننظر إلى الإيجابيات الموجودة لدينا في المنطقة؟»، ملاحظاً امتيازها عن غيرها من مناطق العالم ب «الاتفاق على عقيدة واحدة» و»تصدرها العالم بنسبة الشباب العالية فيها». ووصف الشباب ب «الكنز» وب «مصدر حقيقي للطاقة والإنتاج في المستقبل». ولفت أيضاً إلى امتياز الشرق الأوسط ب «الترابط الأسري الذي يعيشه أهلها والأخلاقيات والقيم والمبادئ الفاضلة التي تؤكد حجم الثروة الإنسانية التي تستطيع صناعة مستقبلٍ أكثر إشراقاً ونهضةً»، مُتحدِّثاً في الوقت نفسه عن «المصادر الطبيعية ومصادر الطاقة التي تملكها المنطقة بجانب الموقع الجغرافي الذي تتبوأه بما يتضمنه من معابر مائية وجوية استراتيجية يعتمد عليها العالم». كما عدَّ امتلاك المنطقة رجال أعمال وشركات بارزة مكسباً يدعو إلى التفاؤل، ونوَّه ب «ما تستطيع تلك المكونات فعله للمجتمعات التي تجيد استثمارها»، مؤكداً أنها «مكتسباتٌ وثرواتٌ يجدر بنا الاستفادة منها لصناعة مجتمع ناجح وغني يوفِّر الفرص لعيش جميع أفراده بسلام ومودة ورفاهية ويحقق أهداف وتطلعات مواطنيه خصوصاً الشباب القادر على الإبداع وصياغة استراتيجيات تضمن استمرار النجاح على جميع الأصعدة». واستشهد الوزير بدول مجلس التعاون الخليجي «التي تملك قيادة حكيمة وخططاً استراتيجية»، مجدِّداً تفاؤله الكبير بمستقبل الشرق الأوسط بشكلٍ عام ودول الخليج العربي. من جهةٍ أخرى؛ وصف الجبير التطابق في الرؤى بين المملكة وفرنسا في جميع المواضيع التي تهمّ البلدين بأمر نادر الحدوث في العالم. وأشار إلى تطابق رؤية بين البلدين بشأن أهمية انتخاب رئيس جديد في لبنان، والحل المناسب للأزمة السورية، وتطبيق الإصلاحات في العراق والحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره وعددٍ من القضايا الإقليمية والدولية. ووفقاً له؛ يشمل هذا التطابق تدخلات إيران في المنطقة وأهمية التصدي لها، ودعم الشرعية في اليمن، ودفع عملية السلام إلى الأمام من أجل وصول إلى حل يؤدي إلى دولتين بموجب معاهدة السلام العربية. اقتصادياً؛ ذكر الوزير أن المملكة وفرنسا تتمتعان بعلاقات تجارية ثنائية كبيرة وضخمة وتسعيان إلى تعزيزها وتوسيعها بشكل أكبر. بدوره؛ عبَّر وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، خلال المؤتمر الصحفي نفسه عن رؤيةٍ مماثلةٍ للعلاقات بين البلدين. وقال «نحن على توافقٍ مع أصدقائنا السعوديين فيما يتعلق بالمسائل الإقليمية»، مبدياً ارتياحه لجدية التعاون السياسي والاقتصادي بينهما في إطار شراكة حقيقية وفاعلة. ووصف أعمال اللجنة السعودية الفرنسية المشتركة التي تجتمع كل 6 أشهر ب «ممتاز حتى الآن»، ولفت النظر إلى نيتها الإعلان عن نتائج عملها منذ تأسيسها عبر بيانٍ أو نصٍّ توضيحي، معبِّراً عن تفاؤله بنتائج لقاءات رجال الأعمال السعوديين ونظرائهم من الجانب الفرنسي و»التي ستعود بالنفع على البلدين من الناحية الاقتصادية لاسيما أننا نريد وبشدَّة تطوير هذه العلاقات». ويرأس ولي ولي العهد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، اللجنة المشتركة من الجانب السعودي، فيما يرأسها فابيوس من جانب بلاده. وفي شأن اليمن؛ شدَّد الوزير الفرنسي على التزام باريس بدعم جهود الإنسانية الرائدة للرياض وفقاً للقانون الدولي وبدعم جهود التوصل إلى اتفاق سياسي، وتطلَّع إلى الوصول إليه بما يؤدي إلى تحسن الأوضاع الإنسانية، حاثَّاً جميع الأطراف اليمنية إلى القبول بمناقشة الأطروحات في هذا الاتجاه. وعن سوريا؛ لاحظ فابيوس أن هناك ضرورة ملحة إلى إعادة الاستقرار إلى هذه البلاد وجعلها مكاناً لكل الأديان والأطياف للتعايش والعمل معاً. ووصف تحقيق السلام والأمن بين السوريين ب «الهدف الرئيس»، مُجدِّداً الحديث عن 3 شروط رئيسة طرحتها بلاده أمام الأممالمتحدة مؤخراً ودعت موسكو إلى الأخذ بها، وهي وجوب استهداف ضرباتها مواقع تنظيم «داعش» لا مواقع جماعات المعارضة المعتدلة، والاستفادة من نفوذها لدى بشار الأسد لمطالبته بإيقاف ضربه واستهدافه للمدنيين ورميهم بالبراميل المتفجرة بوصفها جريمة بربرية ويجب أن تتوقف حالاً. أما الشرط الثالث فهو الإعداد لمرحلة انتقالية تشمل منظومة جديدة يمكن لمؤسسات الدولة العمل من خلالها. واستدرك فابيوس قائلاً «هذه المرحلة لا وجود لبشار الأسد فيها كما أشار الوزير الجبير». في سياقٍ متصل؛ عدَّ الوزير الفرنسي العمليات العسكرية التي تنفذها طائرات بلاده في الأجواء السورية دفاعاً عن النفس وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة. ولفت الانتباه إلى «قيام بعض عناصر تنظيم داعش بتهديدٍ مادي لبلادنا وغيرها من الدول الأوروبية، ما كان سبباً في اتخاذ قرارٍ يقضي بإرسال الطيران إلى هناك». وتعهَّد بتوجيه ضرباتٍ كلما دعت الحاجة مع الأخذ في الحسبان حماية المدنيين «لأن الضربات مُوجَّهة ضد داعش». ووفقاً له؛ تطرقت المناقشات مع المملكة إلى هذه العمليات التي زادت وتيرتها مؤخراً؛ إضافةً إلى الجانب السياسي «إيمانا بضرورة التوصل إلى حل سياسي عبر مرحلة انتقالية تشمل نقل للسلطات».