هناك فضيحة تجسس إسرائيلية أخرى، تستهدف الولاياتالمتحدة، ترسل أمواجا من الاهتزازات عبر أمريكا وإسرائيل. هذه الفضيحة تتعلق بنوع آخر من السرقة. هذه المرة، عملاء الموساد الإسرائيلي ليسوا متهمين بسرقة أسرار رسمية من وزارة الدفاع الأمريكية، كما كانت القضية عندما تم اكتشاف الجاسوس الإسرائيلي الشهير جوناثان بولارد، أو مثل قضية الموظفين في منظمة لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) ستيفن روزن وكيث ويسمان. هذه المرة، عملاء الموساد متهمون بسرقة هويات أمريكية وتجنيد إرهابيين باسم وكالة الاستخبارات المركزية (CIA). مثل هذه الأعمال تسمى عمليات «الراية المزيفة»، وهي تنتهك بعض أكثر القوانين قداسة لمهنة الاستخبارات. الصحفي الأمريكي مارك بيري كشف في مجلة فورين بوليسي الشهيرة في عدد 12 يناير 2012 أنه في خلال الفترة 2007-2008، قام عملاء من الموساد الإسرائيلي، منتحلين شخصيات من وكالة الاستخبارات المركزية، بتجنيد أعضاء من جماعة إرهابية مقرها باكستان تدعى جماعة «جند الله»، للعمل لحسابهم. عملاء الموساد، الذين كانوا يستخدمون جوازات سفر أمريكية ويدفعون للذين يجندونهم بالدولار الأمريكي، كانوا ينشطون في لندن وشمال إفريقيا، وكانوا يطلبون من أعضاء تنظيم جند الله أن يقوموا بعمليات إرهابية داخل إيران، من قواعد عبر الحدود الباكستانية في منطقة بلوشستان. قال أحد ضباط الاستخبارات المركزية الأمريكية للصحفي مارك بيري: «كانوا يعملون بالقرب منا تماما في لندن». في النهاية، اكتشفت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أن ضباط استخبارات إسرائيليين، ينتحلون شخصيات عملاء في وكالة الاستخبارات المركزية، كانوا يجندون عملاء للقيام بعمليات إرهابية. التقارير عن برنامج «الراية المزيفة» الذي كان الموساد ينفذه وصلت إلى كبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية، بما في ذلك ستيفن كابس، مدير العمليات، ورئيس مركز مكافحة الجاسوسية في وكالة الاستخبارات المركزية. في النهاية، تم إبلاغ الرئيس الأمريكي جورج بوش بقضية التجسس التي كان ينفذها عملاء من الموساد الإسرائيلي. وبحسب ما جاء في مقال الصحفي بيري، غضب الرئيس بوش غضبا شديدا بسبب هذا التصرف من الإسرائيليين. ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراءات بهذا الصدد. في نوفمبر 2010، تم وضع منظمة جند الله، وهي مسؤولة عن عدة تفجيرات واغتيالات داخل الأراضي الإيرانية، على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية العالمية. في فبراير 2010، اعتقلت قوات الأمن الباكستانية رئيس تنظيم جند الله، عبدالملك ريجي وتم تسليمه على الحكومة الإيرانية بموافقة الولاياتالمتحدة. السلطات الإيرانية أعدمت ريجي في يونيو 2010. هل كان ذلك بمثابة صفعة للموساد الإسرائيلي لانتهاكه أحد أقدس قوانين عالم الاستخبارات؟ ربما. هل ردع ذلك الاستخبارات الإسرائيلية عن الاستمرار في القيام بمزيد من عمليات «الراية المزيفة»، حيث يتقمصون شخصيات عملاء في وكالة الاستخبارات المركزية ويعرضون حياة عملاء الاستخبارات الأمريكية للخطر؟ ربما كان الجواب «لا». هناك درسان يمكن تعلمهما من هذه الحادثة. أولا، كلما ناسب الأمر المصالح الإسرائيلية، يكسر الموساد كل القواعد، يتجسس على الولاياتالمتحدة، وينفذ برامج «الراية المزيفة» لتجنيد العملاء، ويمكن أن ينفذوا أي عمليات أخرى يعتقدون أنهم يستطيعون أن يتجنبوا العقاب إذا فعلوها. هذا من صميم الإيديولوجية الصهيونية التي تعتمد على فكرة الجميع سوف يلتفون ويصبحون ضد إسرائيل واليهود في العالم، وليس هناك أمن إلا في دولة دائمة يشكل فيها اليهود الأغلبية. من المعروف أن دافيد بن غوريون قال للزعماء الصهاينة في الخمسينيات من القرن الماضي إن الولاياتالمتحدة سوف تخون إسرائيل في النهاية، ولذلك على إسرائيل أن تستعد لذلك اليوم. في الثمانينيات من القرن العشرين، عندما قيدت الولاياتالمتحدة قدرة الاستخبارات الإسرائيلية على الوصول إلى صور أقمار التجسس الصناعية الأمريكية، بعد أن قامت القوات الجوية الإسرائيلية بقصف المفاعل النووي العراقي، أطلقت إسرائيل عملية جوناثان بولارد التجسسية. سرق بولارد آلاف الصفحات من الوثائق السرية التابعة للجيش والاستخبارات في الولاياتالمتحدة، إلى أن تم القبض عليه في نوفمبر 1985 وهو يحاول أن يقفز على جدار حرم السفارة الإسرائيلية ليدخل إليها في محاولة للهرب من الاعتقال. بعد أن ألقي القبض على بولارد، وجد المحققون الأمريكيون أن من بين الوثائق التي سرقها بولارد أسرارا عسكرية سربتها إسرائيل على الاتحاد السوفييتي، وفي المقابل وافقت السلطات السوفييتية على السماح بهجرة مليون يهودي روسي إلى إسرائيل. حتى هذا اليوم، من المعروف أن بولارد لم يعمل وحده، ولكن كان هناك من يتعاون معه في وكالات الاستخبارات الوطنية الأمريكية، الذين ساعدوه على تحديد أهم الوثائق لسرقتها. الدرس الثاني الذي يمكن تعلمه من عملية «الراية المزيفة» التي استخدمها عملاء الموساد لتجنيد عناصر من جند الله هو أن إسرائيل تنفذ عمليات إرهاب دولة. في بعض الحالات، مثل عمليات اغتيال قادة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية على مدى السنوات الماضية، يقومون بأعمال الإرهاب بأنفسهم. وفي حالات أخرى، مثل قضية جند الله، يقومون بتجنيد عناصر من منظمات إرهابية موجودة للقيام بعملياتهم القذرة. عمليات إرهاب الدولة هذه ليست أعمالا مارقة يقوم بها ضباط صغار من الموساد أو ناشطون في الجيش الإسرائيلي. هذه أعمال أمر بتنفيذها أشخاص في قمة هرم الحكومة الإسرائيلية. حتى بالعودة إلى الفترة التي كان فيها أرييل شارون رئيسا للوزراء، كان هناك مكتب اسمه رسميا «إرهاب ضد الإرهاب». من هذا المكتب كان يتم إدارة أعمال إرهاب الدولة، وربما لا تزال تدار من هناك. عندما كان أرييل شارون رئيسا للوزراء، كان رئيس مكتب «إرهاب ضد الإرهاب» ضابط اسمه رافي إيتانن وهو ضابط في الموساد كان يرأس قسم التخريب العلمي، وهذا القسم هو الذي أدار عملية تجسس بولارد ضد الولاياتالمتحدة. من المهم القول إنه عندما ظهر مقال مارك بيري في مجلة فورين بوليسي، نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية الاتهامات دون أن تحاول أن تغطيها أو تدافع عنها. لا يهم أن الموساد متهم بخداع حليفه المفترض، ال (CIA). لن يكون هناك ثمن يجب دفعه.