لم يشهد الشارع الإيراني حمى الانتخابات الرئاسية الحادية عشر كما هو المعتاد بمثل هكذا حدث، حتى إن العاصمة طهران قد زهدت في مظاهر الدعاية الانتخابية حسب وصف الصحف الإيرانية، فانتقلت الحوارات و التأييد و التنظير من ميدانها الطبيعي المفترض إلى ميدان العالم الافتراضي في شبكات التواصل الاجتماعي التي لم تسلم أيضا من مراقبة وزارة المخابرات الإيرانية تخوفا من تكرار أحداث عام 2009م فيما عرف بالحركة الخضراء و التي أقصي بعدها التيار الإصلاحي من المشهد السياسي. بهذه الأجواء يبدأ السباق الرئاسي الإيراني بمرشحيه الثمانية بعد عمليات الاستبعاد و الانسحاب لمرشحين آخرين في إطار هندسة الانتخابات الرئاسية .فمهندسو التيار الإصلاحي يحاولون الدخول في المعترك السياسي من جديد في حين يخطط مهندسو التيار الأصولي في الحفاظ على نظام ولاية الفقيه في سلطته الدينية و السياسية . و على هذا الأساس استخدم كل من الخصمين أوراقه التي يملكها في إدارة المعركة الانتخابية و ذلك على النحو التالي : 1.. تشهد إيران تراجعا كبيرا في اقتصادها بسبب العقوبات المفروضة عليها اثر برنامجها النووي، وأولوية النهوض بالاقتصاد تتصدر البرامج الانتخابية للمرشحين، ومع أن الاقتصاد أيضا هي أولوية المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية إلا انه لا يريد ضغوطا داخلية أخرى قد تسببها أطراف ستدخل النظام السياسي حال فوزها، فتم التقليل من فرص صعود مثل هذه الأطراف إلى السلطة مع عدم تصفير وجودهم في المشهد الانتخابي، فبقرار من مجلس صياغة الدستور استبعد هاشمي رفسنجاني السياسي الإصلاحي المخضرم الذي يحمل أرصدة وفيرة للفوز بمنصب رئاسة الجمهورية. فسياسة الإصلاحيين تقوم على الانفتاح الاقتصادي و الإعلاء من شأن مؤسسات الدولة على حساب مؤسسات الثورة و هو ما يهدد سلطة ولاية الفقيه الدينية و السياسية. ليبقى بعدها محمد رضا عارف و حسن روحاني وجوه الإصلاحيين في الانتخابات. 2.. بالطريقة التي قلل فيها فرص فوز الإصلاحيين باستبعاد رفسنجاني، تم استبعاد رحيم مشائي و الذي كان يحمل حظوظا لا بأس بها بالفوز ليقصى بذلك تيار احمدي نجاد عن المشهد الانتخابي، فقد شهدت فترة رئاسته الثانية خلافات مع مؤسسة المرشد الأعلى حول صلاحيات الرئاسة بل امتد الخلاف حول محاولة نجاد المنازعة على السلطة الدينية. 3.. ترتيبا للبيت المحافظ و تكريسا لسلطة القائد الأعلى و الحرس الثوري يظهر علي اكبر ولايتي المستشار السياسي للمرشد الأعلى كأبرز مرشحي هذا التيار إضافة إلى سعيد جليلي و محسن رضائي وقاليباف و حداد عادل، مع احتمالية حدوث انسحابات لتقوية أوفرهم نصيبا بالفوز طبقا لما يظهره اصطفاف معسكر الإصلاحيين من تغييرات و مؤشرات. 4.. تبدأ مرحلة الاصطفافات، فينسحب محمد رضا عارف لصالح حسن روحاني و ذلك بطلب من محمد خاتمي في محاولة منه للاستفادة من " المعطى المحدد ". و في البيت الأصولي و بطلب من المرشد الأعلى ينسحب المرشح المحافظ حداد عادل لصالح بقية المرشحين الأربعة و الذين لم يبادر أحدهم بانسحاب آخر لتمتين تياره من تحصيل عدد أصوات اكبر و عدم تشتيت الأصوات، إلا أنه في نفس الوقت فإن زيادة عدد المرشحين هو تعدد في البرامج الانتخابية؛ ما يعطي خيارات أكثر للجمهور المنتخب و هو ما قد يضمن على الأرجح نسبة اقتراع أكبر بحاجة إليها المرشد الأعلى ليضفي شرعية شعبية على الانتخابات و على ولايته السياسية للنظام. إن المشهد الانتخابي الإيراني هو أحد تجليات الديمقراطية الإيرانية المنتزعة من روحها المتمثلة بحكم الشعب لنفسه و ابدالها بحكم ولاية الفقيه المطلقة على السياسي و الديني لينتج حكما ثيوقراطيا، و هو ما يفشل تصدير النموذج الإيراني السياسي أو المذهبي إلى دول المنطقة خاصة في ظل ما تشهده المنطقة العربية – دول الربيع العربي بشكل خاص – من تحولات اجتماعية و سياسية تجذّر للديمقراطية و مكوناتها. بالإضافة لوجود النموذج التركي الذي تميز على أكثر من صعيد و المتناغم إلى حد كبير مع توجهات المنطقة و تحولات نظامها. الاعلامي منور مسالمة/ رام الله [email protected]