على رغم غلق باب الترشح لانتخابات الرئاسة الإيرانية المقررة في 14 حزيران (يونيو) المقبل، ووضوح الخطوط الأولية للخريطة الانتخابية، إلا أن القراءة الأولية لترتيب هذه الخريطة تنتظر موقف مجلس صيانة الدستور إزاء صلاحية المرشحين. ولا شك في أن دخول رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، وأسفنديار رحيم مشائي، أبرز مستشاري الرئيس محمود أحمدي نجاد، السباق الانتخابي في اللحظات الأخيرة، أربك المشهد السياسي، ما يجعله أمام مواجهة ساخنة لا تقلّ إثارة عن تلك في عام 2009. وفي نظرة أولية لأسماء المرشحين وانتماءاتهم الحزبية والسياسية، تظهر خمسة اتجاهات: الأول الأصولي التقليدي الذي يمثله «الائتلاف الثلاثي» المؤلف من علي أكبر ولايتي، مستشار الشؤون الدولية لمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي، ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف والرئيس السابق لمجلس الشورى (البرلمان) غلام علي حداد عادل، والذي لم يتفق على مرشح واحد بعد، إضافة إلى «الائتلاف الخماسي» الذي رشّح محمد حسن أبو ترابي فرد، نائب رئيس البرلمان. والاتجاه الثاني يمثّل الإصلاحيين، ومرشحوه رفسنجاني وحسن روحاني، رئيس مركز الدراسات التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام، ومحمد رضا عارف نائب الرئيس الإيراني سابقاً، ومصطفى كواكبيان مرشح الأحزاب الإصلاحية. ويمثّل الاتجاه الثالث تيار نجاد، إذ يُعتبر مشائي أبرز مرشحيه، إضافة إلى محمد رضا رحيمي، نائب الرئيس، فيما يتمحور الرابع حول «جبهة الاستقامة» التي تتحرك تحت سقف المرجع المتشدد محمد تقي مصباح يزدي، والتي رشحت وزير الصحة السابق كامران باقري لنكراني. أما الاتجاه الخامس فيشكّله المستقلون من شخصيات حكومية ونيابية، لكنها لم تكن مؤثرة، في استثناء سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي. وتعتقد مصادر أن المنافسة ستنحصر بين مرشحي الإصلاحيين والأصوليين والحكومة. فالإصلاحيون حسموا أمرهم في مساندة رفسنجاني الذي يريد خوض المعركة بصفته مرشح وحدة وطنية، كما تجري الأحزاب الإصلاحية مشاورات لدعمه، بدل مصطفى كواكبيان. أما الأصوليون فيرتّبون أوراقهم الانتخابية، بعد ترشّح رفسنجاني ومشائي، لدعم مرشح واحد، قد يكون جليلي إذ أعلن ولايتي وحداد عادل أنهما لا يعارضان مساندته، شرط نيله موافقة «جماعة العلماء المناضلين» في طهران التي يتزعمها محمد رضا مهدوي كني، رئيس مجلس خبراء القيادة، و «مجمع التدريسيين» في الحوزة الدينية في مدينة قم التي يتزعمها محمد يزدي. والتقى لنكراني المرجع مصباح يزدي، للتشاور في إمكان انسحابه لمصلحة جليلي الذي يحظى أيضاً بدعم «الحرس الثوري» الذي تحدث عن «هندسة الانتخابات». تبقى المشكلة التي تشغل الوسط السياسي والشعبي، وهي مرشح الحكومة المتمثل في مشائي المدعوم في شكل قوي من نجاد، إذ رافقه خلال تسجيله ترشحه في وزارة الداخلية، ما أثار انتقادات حادة بصفته رئيساً للسلطة التنفيذية المشرفة على الانتخابات، ما يوجب عليه أن يكون على مسافة متساوية من جميع المرشحين. لكن دخول مشائي السباق الانتخابي ينتظر موافقة مجلس صيانة الدستور، وتشير مصادر إلى أن المجلس لن يصادق على ترشحه، لاعتبارات كثيرة أهمها اتهامات من معسكر المرشد بتزعمه «تياراً منحرفاً» يسعى إلى تقويض نظام ولاية الفقيه، ما قد يدفع تيار الرئاسة إلى دعم رحيمي الذي يواجه ملفات فساد مالية لدى القضاء. وأعلن رحيمي تراجعه عن قراره الترشح، مبرراً ذلك برغبته في «التفرغ التام لمسؤولياته»، ما اعتبر أنه «يقدّم خدمات أكثر للشعب والبلاد». وانسحاب رحيمي سيدفع نجاد إلى عدم القبول بأقل من المصادقة على ترشّح مشائي. وتعتقد مصادر أن الرئيس لن يقف مكتوف الأيدي، بل سيلجأ إلى خيارات كثر الحديث عنها في إيران، خصوصاً أنه قال إنه سيصوم ثلاثة أيام ويصلي 14 ألف مرة، تقرّباً لله، في حال فوز مشائي في الانتخابات!