في كل قرن يسيطر نمط اقتصادي معين على حياة البشر في ذلك الزمان، على سبيل المثال سيطر النمط الزراعي وقصة صراع الفلاحين والإقطاعيين (حلم البسطاء كان امتلاك مزرعة بمحتوياتها) ثم انتقلنا إلى النمط الصناعي نتيجة للثورة الصناعية (الحلم وقتها يأتي في شكل امتلاك مصنع) وبعدها عشنا في النمط الإداري وسيطرة علماء الإدارة (وكان منتهى الطموح أن يرصع تاريخك المهني بكلمة مدير..). الآن نعيش في القرن الحادي والعشرين عصر المعلومة واقتصاد المعرفة، ولعل أكابر أغنياء العالم هم من يتعاملون مع المعلومة كمنتج ربحي كشركة قوقل على سبيل المثال. وفي كل عام تقريباً يفتح قسم جديد في الجامعات لتخصص فرعي جديد دعت الضرورة لتخصيص مواد علمية معمّقة فيه وإجراء العديد من البحوث والدراسات له، وهذا التوسع العلمي المطرد – في كافة التخصصات - ليس خياراً أو ترفا علميا بل حاجة ماسة تستدعيها ظروف الحياة في كل زمان ومكان، فمنذ بدء الخليقة والإنسان يبحث ويكتشف ويبتكر لكي يجعل حياته أكثر سهولة، وما ننعم به الآن من منتجات أصبحت جزءا من حياتنا اليومية لم تكن متوفرة قبل 10 سنوات دليل على أننا في حاجة في كل يوم لتطور العلم والمعرفة.. وبالتالي الحاجة أم الاختراع.. يقود هذا التقدم العلمي المعرفي مجموعة من العلماء ويبنون آراءهم على دراسات معمّقة تعطيهم فهما اقتصاديا شاملا لمدى الجدوى من المنتج الجديد.. إذاً هو مبدأ أصيل يقوم على رأي "عالم خبير" يكتب تقريره بعد إجراء دراسة علمية، وهذا هو الألف باء في قواعد اللعبة الاقتصادية لهذا العصر (عالم متخصص+ دراسة = منتجا) معرفيا سواء أكان ذلك المنتج على شكل معلومات أم ماديا على شكل منتج ملموس. إن اتفقنا على ذلك المبدأ فهو أول مبادئ صناعة المعرفة الذي يقودنا إلى اقتصاد المعرفة الذي يميز هذا القرن الحادي والعشرين وبالتالي التحول لمجتمع المعرفة. اقترن عصر المعلومات بتوافر وسائل التواصل والشبكة العنكبوتية ما جعل سرعة نقل المعلومة ميزة لهذا العصر ولكن لكل نجاح ضريبة ولكل حضارة جديدة إفرازات سلبية ولعل أبرز سلبيات عصرنا هي انتشار بني الخنفشار في كافة التخصصات.. بعض التخصصات قد تقبل لحد ما تحولها لنقاشات عامة تدار من قبل العامة، وبعضها لا تقبل إلا الحد الأدنى من النقاش العام حول مواضيع عامة، فالخوض في تفاصيلها والتفيهق فيها يعني تكبد الكثير من الخسائر، ومن تلك التخصصات "الاقتصاد" فعندما يزاحم غير ذوي الاختصاص للمختصين والعلماء في التحليل والنقاش العميق والرؤية والأبعاد الاستراتيجية والجدوى فعندها نقول على اقتصادنا السلام.. الخطأ في الاقتصاد يعني الخسارة ولا أحد يرضى بالخسارة الشخصية ولو لمبلغ بسيط فكيف بمن يحلل وينظّر في تخصص علمي قائم على شارتات ودراسات وأرقام وإحصائيات أو حتى يحلل بعض القرارات والأنظمة والتشريعات الاقتصادية التي تصدرها الجهات ذات الصلاحية فتبدأ حفلة من "التضليل" وليس التحليل وقيادة الرأي العام المجتمعي بأسلوب عاطفي وبغطاء وطني.. حتى تُخلط الأوراق وما كان مفيداً لمستقبل الفرد والمجتمع أصبح في غمضة عين لقمة سائغة لغير المختصين ممن يمتطون صهوة الحراك المجتمعي وقوى التأثير!! وهذه من مصائب هذا العصر.. فعصرنا الحالي يقوم على اقتصاد المعلومة وعندما يقود دفة المعلومات غير ذوي الاختصاص تنهار منظومة ذلك الاقتصاد المستقبلي وبالتالي فلن نجد نمواً ولا ازدهاراً وسيصبح الهم بأن لا يتغير وضعنا وأن نثبت فقط. هامش الخطأ لدى ذوي الاختصاص قليل وأحياناً نادر، ولكن يكثر الخطأ في القراءة والتحليل لغير المختصين، ولذلك أناشد أصحاب القرار في وسائل الإعلام بوقف العبث الإعلامي وعدم استضافة غير المختصين لتحليل الأمور الاقتصادية التي تمس حياة المواطنين.. فما ستكسبه القناة الإعلامية من خلال الإعلان في ذلك البرنامج الاقتصادي ستخسره مباشرة من خلال انخفاض نسبة المتابعة عند تكبد المشاهدين لخسائر نتيجة لتحليل غير المختصين في قناتهم وبالتالي فقدان الثقة في المُعلنين الذين سيتوجهون لقناة أخرى أكثر مصداقية وأكثر نسبة متابعة.. وأناشد أصحاب التأثير المجتمعي ذوي الأتباع الكُثر في وسائل التواصل الاجتماعي فلديكم مسؤولية كبيرة تجاه وطنكم وما تحتاج منكم مؤسسات وطنكم هي التعاون والمساندة لإنجاح برامجها ومشاريعها بداية بتقبل العملاء لمنتجاتها لتصل لمرحلة الجودة في الخدمة ورضا العميل وما يُطلب منكم هو قراءة القرارات الجديدة والأنظمة والتشريعات واستشارة مستشارين مختصين قبل البدء بحملة تشويه لكل منتج مؤسساتي جديد، فحروفكم ال 140 أمانة الأجدى أن تؤدى ويستفيد منها الوطن.