تنامت حرية الرأي والتعبير في المجتمع، وتجاوز سقفها أحياناً حدود السلطة التنفيذية، بينما بقي الهامش المتاح للتناول متاحاً بحسب طبيعة الأحداث والمواقف والقرارات السياسية، ويظهر ذلك جلياً في شبكات التواصل الاجتماعي "تويتر"، "فيس بوك"، "يوتيوب"، "انستغرام"، حيث بقي البعض منتقداً أكثر منه ناقداً، ومحبطاً ومتأزماً وفاقداً لحضوره؛ نتيجة استسلامه الخاطئ للأفكار والمعلومات المغلوطة، وانقياده للأراء التي تفسد للود قضية، وربما -بل مؤكد- نتيجة جهل مسؤول بقيمة صوت المواطن، وأهمية احتوائه، وتلبية حاجته، وهو ما يؤكد عليه قيادة هذا الوطن -حفظهم الله- بخدمة المسؤول للمواطن. ويبقى الوعي الذي ننشده أن لا نصل فيه إلى الكمال، أو "كل شيء تمام"، وإنما نقصد وعياً نميّز فيه بين المعلومات المنشورة في شبكات التواصل الاجتماعي، وفحصها والتأكد من مصادرها قبل أن نتخذ منها موقفاً أو نبني عليها قراراً، ثم أيضاً علينا أن نثق أن دولتنا أحرص منّا على توضيح الحقائق، مهما كانت مؤلمة أحياناً؛ لقطع الطريق على المغرضين، والمندسين، والمشبوهين خلف تلك الشبكات، كما يجب أيضاً أن يعي المسؤول أن الأمانة الملقاة على عاتقه من الدولة تحتم عليه أن يستمع إلى المواطن، ويقف بجانبه، ولا يقلل من طموحاته. حريَّة الرأي وقال "د.عبدالرزاق العصماني" -أستاذ الإعلام في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة-:"أبرزت شبكات التواصل الاجتماعي -رغم بعض سلبياتها- كثير من الأمور على السطح، فلم يعد هناك شيء مخفي، كما أنَّها أوجدت مساحة كبيرة من حرية الرأي"، مضيفاً أنَّها كسرت احتكار المعرفة والرأي الواحد، ففي السنوات الماضية، حيث كانت وسائل الإعلام التقليدية مُحتكرة كل شيء، بيد أنَّ شبكات التواصل الاجتماعي فتحت الباب على مصراعيه في هذا الشأن. وأضاف أنَّه أصبح هناك اتصال بين العديد من أفراد المجتمع، كما أنَّه أصبح هناك نوع من التنفيس الاجتماعي تجاه بعض المشكلات المشتركة؛ مما ساهم في خلق نوع من الإحساس بمشاعر الآخرين، موضحاً أنَّ من لديه مشكلة ما لم يعد يغلق الباب على نفسه وهو محاطاً بالمجتمع الإنساني من حوله، بل إنَّه أصبح يعيش داخل مجتمع واحد، مُشيراً إلى أنَّ هذه الوسائل باتت مُتاحة بأيدي الجميع. وأشار إلى أنَّ هناك من ينظر إلى تلك الوسائل بنظرة سلبية قد تُضخِّم المشكلة أو قد تُصيب الفرد بالإحباط، مُبيِّناً أنَّ المجتمعات التقليدية المحافظة ليست معتادة على هذا النوع من الصراحة والانفتاح، بيد أنَّ هذا الأمر سيُصبح بمرور الوقت من الأمور المُعتادة، مُوضحاً أنَّ بعض أفراد المجتمع كانوا إلى الأمس القريب لا يعلمون بما يدور حولهم، مؤكداً على أنَّه رغم الاحباطات والسلبيَّات، إلاَّ أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت للعديد من أفراد المجتمع الفرصة ليشعروا بمشاعر الطرف الآخر. عدالة اجتماعيَّة وقال "د.محمد بن عبدالله العوين" –كاتب- إلى أنَّنا إذا أبعدنا جانباً الحسابات المدسوسة أو الدخيلة أو المُستأجرة المُكلَّفة من جهات استخباراتية تابعة لبعض الدول، بقصد إثارة الشحناء والضغينة وتفتيت الروابط بين القيادة والشعب، فإنَّ علوّ صوت النقد أو الشكوى والتذمر هو حقٌ مكفولٌ للمواطن بشروطه الأخلاقية وبعمق انتمائه لقيادته ووطنه والدفاع عنهما، مُبيِّناً أنَّ الصوت العالي في النقد لا يتعارض مع المطالبة بإصلاح أمور كثيرة تتصل بالعدالة الاجتماعية وتوفير حقوق المواطن في فرص العمل والكسب وتملك السكن والضمان الصحي والتعليم الجيّد، وغيرها من المُتطلّبات الضرورية. وأضاف أنَّ شبكات التواصل الاجتماعي أتاحت الفرصة فيما يتعلّق بإظهار رؤى المواطنين في القضايا السياسية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية، كما منحتهم فضاءً رحباً لا يمكن أن يتقارب أو يماثل ما تمنحه الصحف الرسمية للرأي النقدي من مساحة اتسعت قليلاً بفضل مزاحمة شبكات التواصل للصحف الرسمية الورقية ومحاولتها انتزاع السبق والانتشار والجماهيرية منها، موضحاً:"إن نحن أخذنا الصوت العالي المُتذمر بنقائه وعفويته وصدقه في النقد؛ فلما لا نقبله؟، ولما نشكو منه؟، ولم لا يأخذه المسؤول المُوجه له النقد على أنَّ كثيراً مما يُشتكى منه حق، مع سعيه إلى إصلاح وجوه الخلل فيه أو استكمال نواقصه أو إخراجه من التوقف إلى الانطلاق"، متسائلاً عن أسباب شكوى بعض المسؤولين وتذمرهم من انفعال وشكاوى المواطنين؟، وعن اعتقاد بعض من أوكلت إليهم المسؤولية أنَّهم لا يأتيهم النقص أو العجز أو عدم القدرة. النقد الساخط وتساءل "د.العوين" عن ما إذا كانت حقوق المواطنين تضيع في دهاليز بعض الوزارات والإدارات الحكومية العتيقة، وعن عدم قدرة المواطن الضعيف الذي لا يجد من يدعمه وينتشل معاملته من الضياع أو النسيان أو الحفظ أو الترضية بأقل وأسوأ ما يمكن على الحصول على حقّه، مُضيفاً :"أين يذهب هذا المواطن؟، ولمن يلجأ وهو يجد متنفسه للتعبير عن غضبه أو حنقه على تلك الإدارة المتسيبة في (تويتر) مثلاً؟، لم لا يعبّر عن رأيه بنقدها أسوأ نقد وأقساه؟. وقال إنَّ هذا النقد الساخط الطامح إلى إصلاح وجوه الخلل أجدى من صمت طويل ممرض، كما أنَّه أسلم من انحراف إلى طريق آخر معوج لا يخدم المصلحة العامة، مُضيفاً أنَّ التعبير عبر شبكات التواصل الاجتماعي يُعدّ تنفيساً وبحثاً عن الحلول، مُبيِّناً أنَّه أجدى من الصمت المؤلم القاتل الذي قد يودي بصاحبه إلى الجنون، مُتسائلاً: لما نستكثر النقد والتذمر والشكوى إن كانت حقاً؟، أليست الشكوى عند الطبيب الناجع سبيلاً إلى استكشاف العلَّة والبحث لها عن علاج؟. وأضاف أنَّ المواطنين في هذه الحالة ربّما تمكنوا من الشكوى إلى أطباء الفضاء المفتوح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على أمل أن يتمكن أحد الناصتين المخلصين الصادقين من كتابة العلاج المناسب لهم، مُضيفاً أنَّ الشكوى صوت مرتفع مُعبر عن ألم لن يزول إلاَّ بصرف الدواء، لافتاً إلى أنَّ الأهم هو أن نعلم ونتأكد يقيناً أنَّها شكوى حقيقية لا ادعاء، وأنَّها نابعة من منتمٍ لا من مُغرض، ومن صادق لا من كاذب، ومن محب لوطنه لا خائناً أو مستأجراً. تصوّرات جميلة وأكد "د.سليمان الشمري" –أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود الأسبق- على أنَّ المجتمع حينما لا يُقدّم خططاً يعلن فيها نوعاً من التفاؤل والتصورات المستقبلية، فإنَّ التذمّر يصبح أمراً واقع لا محالة، خاصةً أنَّ نسبة التفاعل عادة لا تُبنى أبداً على التخيّلات، مُرجعاً ذلك إلى أنَّ الواقع إذا لم يُقدم لك تصوّرات جميلة، سواءً في التعليم أو الطرح الديني أو في جوانب كثيرة أخرى، مُبيِّناً أنَّها تُعد الحاضن الطبيعي لطموحات المواطن. وأضاف أنَّ العديد من وسائل الإعلام لم تُقدِّم ما يدعو للتفاؤل، لذا فهي لا تُقدم أيّ قضية تخدم المجتمع أو تعالج نوعاً من الفساد، داعياً إلى عدم مطالبة أفراد المجتمع بالتفاؤل بهذا الشكل، مُرجعاً ذلك إلى أنَّ أيّ تفاؤل يخلو من أيّ نسبة من الموضوعية هو نوع من الغباء، إذا ما كان مرتبطاً بدرجة عالية من الموضوعية. د.العوين: «النقد الساخط» الطامح إلى إصلاح وجوه الخلل أجدى من صمت طويل ممرض وأسلم من انحراف لا يخدم المصلحة ظاهرة سلبيَّة وأشار "سعود كاتب" –كاتب- إلى أنَّ النقاشات والدردشات الإلكترونية هي واقع نعيشه فعلياً، مُضيفاً أنَّها ظاهرة سلبية، خاصةً إذا كانت محصورة في التذمر والتأفّف، موضحاً أنَّ هناك من أصبحت لديهم سلبية واضحة، وبالتالي أصبح هذا هو السائد لديهم، مُبيناً أنَّها حالة مرضية تحتاج إلى دراسة أسبابها، لافتاً إلى أنَّ ما يتم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي هو بمثابة ظاهرة إحباط غير مبررة، مؤكداً على أنَّ البعض قد يرى أنَّ التغيرات التي تطال بعض المشروعات أقل مما هو متوقع، عاداً ذلك نوعاً من المبالغة التي فيها تهويل. وأرجع أسباب تعزيز هذه الصورة السلبية إلى بعض الكتّاب وقادة الرأي، خاصةً أولئك الذين يهولون بعض الأمور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مُضيفاً أنَّ هناك من بدأوا بالتأثّر برؤيتهم، موضحاً أنَّ الكاتب أصبح يعرف عموم الناس العاديين، مُبيِّناً أنَّ بعضهم يحبون جلد الذات وبدأوا في ممارسة ذلك إرضاءً للجمهور، مؤكداً على أنَّ هذا الأمر هو تصرف سلبي ليس في مصلحة أفراد المجتمع ولا الوطن، مُشيراً إلى أنَّ الاعتدال أمر مطلوب، داعياً إلى نقد الخطأ بموضوعية وعقلانية. انتقادات لاذعة وأوضح "كاتب" أنَّ بعض المسؤولين عندما تلاحقهم الانتقادات اللاذعة عبر الصحف اليومية، في ظل محاولتهم الاجتهاد، قد يصيبهم ذلك باليأس نتيجة أنَّ هذه الانتقادات حاصلة لا محالة في كل الأحوال، مُضيفاً أنَّهم سيشعرون حينها بالإحباط، مُشيراً إلى أنَّ الانتقاد بشكل عقلاني ومنطقي سيوجد مساحةً لمعالجة التقصير، مستشهداً في هذا الشأن ببعض القضايا التي تمَّ تهويلها عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو المنشورة في بعض الصحف وثبت فيما بعد أنَّ فيها الكثير من المبالغة. وأشار إلى أنَّ أكثر الموضوعات التي قد تستثير المواطن هي تلك التي تهمّ حياته، مثل السكن والتعليم، داعياً المسؤولين المرتبطين بهذه المشروعات الحكومية إلى التواصل مع المواطن عن طريق المتحدث الرسمي أو الموقع الاليكتروني بشكل دائم، لا أن يكون ذلك وقت حدوث الأزمات، مؤكداً على أنَّ بعض الوزارات قد تخفق في ذلك وتنتظر حدوث المشكلة، ومن ثمَّ يحدث التواصل، رغم أنَّ هناك توجيهات ملكية تقضي بضرورة التواصل مع المواطنين. المسؤول الواعي والمخلص هو من يخدم المواطن ولا يتركه ساخطاً في «تويتر» د.محمد العوين د.عبدالرزاق العصماني سعود كاتب