«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثناء عطوي.. الجغرافيا ثابتة لكن التاريخ يتحرك
للعصافير فضاء
نشر في الرياض يوم 13 - 03 - 2014

في كتابها «حوارات في المسارات المتعاكسة» الصادر عن دار «بيسان» ترصد الكاتبة «المبدعة» ثناء عطوي تحوّلات المثقف اللبناني منذ ستينيات القرن العشرين، داخل أفق مفتوح يسمح رغم صعوبة السيطرة عليه بمراجعة تفاصيله ظروفاً وتحولاً ونسيجاً وتركيباً، رغم أن البعض قد يعتقد أن المراجعة في حد ذاتها مكلفة ولكنها هنا ليس المقصود بها المراجعة السارية التي تصادر التغيّر، وتلجِم التحول، ولكنها تعتمد على فيضان التجربة لكل من تم اختيارهم، وما صحبها من سطوع، وتضحيات وتغيّر مسار، وتحفظ، وتعديل لآمال، واحتكام أخير إلى عنفوان ذلك الترويض للمسار، أو التحول الراديكالي من اليمين إلى اليسار، أو العكس، دون أن يكون الاختيار طوعيا، أو من الإمكان ضبطه أو مراقبته.
في الكتاب الممتع الذي تقدم له «ثناء» بمقدمة رائعة ينطلق منها القارئ كجسر مضاء بوهج الشمس إلى نوافذ تطل على تلك التحولات الفارهة تشرح وتتعاطى مع كلمة تحوّل (تحيل كلمة تحوّل على عمومية تفتقر إلى التحديد)، والتحول هنا يقصد به السياق الزمني لولادة التجربة وصعودها وتراكمها، فالمثقف اللبناني لم يعرف استقراراً على حال).
تتناول فيه تحولات تسعة من المثقفين اللبنانيين البارزين وهم مع حفظ الألقاب (حازم صاغية، روجيه عساف، فواز طرابلسي، دلال البزري، عباس بيضون، الفضل شلق، السيد هاني فحص، توفيق هندي، محمد بيضون).
وهم يشكّلون بانوراما متنوعة لمثقفين مختلفين، بتجارب ثرية وعميقة ومتسعة ومتحولة، ومتحركة، وترفض البقاء في الحالة الرابضة والمعتلية لسور الطمأنينة تقول في مقدمتها (غادر الكثير من المثقفين اللبنانيين مواقفهم المعارضة إلى ملاعب السلطة، أو الأحزاب، أو المنظمات الثورية، انزلقوا إلى تموضعات، وإلى عُصب وجماعات، استدرجتهم محاولة اختبار فعالية الانتماء إلى النظام الطائفي، والكيانية اللبنانية وقدم بعضهم المسألة الطائفية على قضايا الوطن، وقدم كل مثقف أطروحته على أنها «تطوّر» أو تراكم أو «صيرورة» أو «انكفاء» أو «ضرورات» أملتها الحرب وظروف السلم، أو الهزائم والانتصارات، أو الذوبان في الكيان الحزبي الشامل).
وأنت تقرأ الكتاب الممتع بتلك التفاصيل المعقدة والتي اعتمدت فيها «ثناء» على المقاربة والمداخلة والحوار الصحفي الراقي والأدبي الذي يستنزف داخل متحوليها ترى مداخلات صعبة شاغلة لمفهومها، ترتبط بالبوح الذاتي ولكنها ليست سيرة ذاتية كما تقول هي لكنها محاولة لقراءة الظروف التاريخية التي تأثرت بها بنية المجتمع اللبناني نفسه.
تتحدث ثناء عن شريحة كاملة أو مجموعة من المثقفين المبهرين خرجت كلها من رحم اليسار والحركات القومية العربية والبعثية، وتحولت بعدها تلك المسارات بتحول المسار اللبناني السياسي منذ الستينيات.
«ثناء» ترصد هذه التحولات بأسئلة ذكية ونافذة حيناً وكاسرة لذلك الحلم المحكي، لمثقفين كما تقول «تقاسموا الحلفاء، والأعداء أيضاً، والتطلعات» والتصادمية والجرأة، وأحياناً وبعد الانشغال الرومانسي بالإرث، نقضه تماماً.
كتاب «حوارات المسارات المتعاكسة» ستجد نفسك وأنت تقرأه تتمازج معه وكأنك تقيم علاقة خاصة إنسانية لا يمكن التفلت منها.
كتاب مرتبط بتكويناته، يرتكن إلى العمق، ويرصد ذلك القلق الطبيعي الوجودي، يبدو التاريخ كطبيعة للمسار متجسداً في الحكايات الحاضرة والسرد الإنساني، وكأنه المدى اللامتناهي، استهوى «ثناء» تثبيت الواقع والمرور على تلك المآلات المختلفة، والمتغيرة، والتوقف أمامها من منطلق أن «الجغرافيا ثابتة» لكن التاريخ يتحرك، وأبواب السياسة تدور، وممراتها تتغير.
ثناء عطوي، بلغتها الدسمة ثقافياً تصل إليك بسيرها المتشابهة أحياناً من خلال عمق ثقافي، وسعة جهد دقيق، وحرفة كتابية ليس بإمكانك تماشيها، والعبور بعيداً عنها لأنها جزء من الكتاب، حين يتدثر القارئ بالكتاب وكاتبه.
«تحولات المثقف اللبناني» تاريخ ترصد فيه ثناء عطوي تلك النقاط المرجعية التي أصبحت فيما هي النقطة الحالية التي تُرى بوضوح.
تميّز الكتاب بمقدمة فارهة الطرح والجمال فاضت فيها بالعثور على كل مفردات التحول «الجبري» في اللغة.
كتاب مجهد في إعداده، وتحضيره، يلامس مرحلة مهمة من مراحل لبنان ارتبطت بتلك الأسئلة التي لا يزال بعضها إجاباته تقض المضاجع.
لم تفرض رأيها وإن اعترضت ضمنياً على التحول.
كتاب «ربما يكون «نخبويا» وليس من الكتب الاستهلاكية، ومع ذلك ليس محصوراً على المثقفين ولكن يعيد التنوع إلى المكتبة.
عن دار بيسان المشاركة في معرض الرياض يوجد الكتاب الجميل وأخيراً، ورغم قراءاتي للكتاب مرتين ظلت «المبدعة» ثناء عطوي تلاحقني بلغتها المرفّهة ثقافياً، والنخبوية أحياناً والتي استطاعت من خلالها أن تقود الشخصيات إلى عالم رحب للقارئ دون بوصلة.
كاتبة مثقفة لامست خط الاستواء بعمق وتعاطت مع فكرة صعبة وجدلية دون أن تحكم فيها، ولكن استفاضت في شرحها معهم ومن ثم سجلت ذلك.
ليس باستلهام فقط، ولكن بوعي يتجاوز الاستيضاح من المثقف أو التبرير دون أن نهتم بالتسوية، أو حقائق عالم مفتوح ظل وسيظل.
«ثناء عطوي» مبدعة نحتاج إليها بثقافة تستقرئ أفكار الواقع، وضامنها الوحيد هو الإبداع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.