الدمام – عبدالوهاب العريض الكتاب: حوارات في المسارات المتعاكسة المؤلف: ثناء عطوي الناشر: بيسان للنشر والتوزيع 2013 حوارات في المسارات المتعاكسة أتعبتها التحولات السياسية والفكرية في طبقات المجتمع اللبناني والعربي، تعمقت ونظرت لطقوس هذه التحولات، وكانت تنظر بحالة من الاستغراب لحال المثقف وتحولاته، حيث كان بعضهم في أقصى اليسار ليذهب أقصى اليمين، والعكس مع آخر، هكذا حاولت الإعلامية والكاتبة ثناء عطوي أن تراقب المشهد عن قرب، وقامت بتلك المغامرة التي جمعتها في كتاب واحد يحمل عنوان «التحولات»، وتقول في حديثها عن الكتاب إن التحوّل يُقصد به هنا «السياق الزمني لولادة التجربة وصعودها وتراكمها، ويُقصد به حصراً تغيير الآراء والأفكار. فالمُثقف اللبناني لم يعرِف استقراراً على حال، لأسباب ليست أقلّ وضوحاً وإنما أقلّ إقناعاً أحياناً. جاء المثقفون في زمن «التضخّم» الإيديولوجي، والحروب المُتناسلة، والتحوّلات البنيوية التي أنتجت صراعات اجتماعية وسياسية وثقافية، وهزائم وانقسامات، فاتّخذ المثقف مسارات مختلفة، وفقاً لحساباته، ووفقاً لإرادة تمثيل مَنْ وماذا وكيف». وتضيف في مقدمتها أن «كثيراً من المثقفين غيروا مواقفهم المُعارضة إلى ملاعب السلطة، أو الأحزاب أوالمنظمات الثورية»، مؤكدة أنهم «انزلقوا إلى تموضعات وإلى عِصبٍ وجماعات غالبة. استدرجتهم محاولة اختبار فعالية الانتماء إلى النظام الطائفي والكيانية اللبنانية وقضايا إقليمية عدّة، وقدّم بعضهم المسألة الطائفية على قضايا الوطن، وقدّم كلّ مثقف أطروحته على أنها «تطوّر»، أو «تراكم»، أو «صيرورة» أو «انكفاء» أو «ضرورات»، أملتها الحرب وظروف السلم، أو الهزائم والانتصارات، أو الذوبان في الكيان الحزبي الشامل». وتعتبر ثناء كتابها بأنه يحمل تجارب لمثقفين جدليين، حيث قامت بانتقاء مجموعة من الأسماء، معتبرة أن مواقفها واضحة في التحول وهم: (حازم صاغية، روجيه عساف، فواز طرابلسي، د. دلال البزري، عباس بيضون، السيد هاني فحص، الفضل شلق، توفيق هندي، محمد عبدالحميد بيضون). وتقول ثناء إن هذا الكتاب يعبر عن «تجارب مثقفين جدليين، مصحوبة بتساؤلات فرضتها ديناميات هذا التحوّل، وتفاعل المثقف مع الشكل الثقافي الجديد، في زمن التحوّلات الكبرى والتكنولوجيا المعاصرة والحداثة وما بعدها. هي حركة انتقال وعبور ذات بُعد جماعي، تحقّقت عبر عملية البناء والانهدام ثم الانبناء من جديد، وحرّضت المثقف على الاستدارة، وعقد تفاهمات مع أنماط من الحكم والسلطة، لم تكن تُمثّله أو كان في خندق المواجهة معها». مؤكدة أننا لا نستطيع «أن نفهم مغزى هذه التحوّلات إلا في سياق التطوّر السياسي، الذي مرّت به المنطقة في النصف الأخير من القرن الماضي. إذ تغيّرت خلال العقود الخمسة الأخيرة، بُنية المجتمع العربي نفسه، وواكب ذلك ظاهرة تنقّل المثقفين من موقع إلى آخر، ومن فكر إلى نقيضه، ومن إيديولوجيات سياسية إلى مواقع دينية وغيرها. تغيّر فهمنا لدور المثقف، من المثقف الملتزم والعضوي والعقائدي، إلى المثقف الخبير والمثقف المستشار والاحترافي. تغيّرت هذه الشريحة ذاتها، وتغيّرت وظيفتها وجمهورها، جرّاء تغيّر ما يحيط بها، وأصبحت أكثر ارتباطاً بالسياسة والنفوذ والمال». وعن الكتاب تقول أتحدث في هذا الكتاب عن «شريحة، خرج معظمها من رحم الحركات القومية العربية والناصرية والبعثية واليسارية. كانت التيارات السياسية عبارة عن حركات مثقفين ومناضلين، عَبَروا مراحل زمنية خصبة، وصاغوا أفكارهم من منطلقات أممية وقومية وماركسية. كان المنحى الذي استقطب مسالك المثقفين الثوريين عموماً، هو المشترك في هذه التحوّلات، وذلك على الرغم من تنوّع التجارب وتناقضها، بمعنى انتماء غالبية المثقفين إلى حركات اليسار في ذروة صعودها منذ الخمسينيات وحتى السبعينيات. إذ اعتُبرت الماركسية من أهم المشاريع الإيديولوجية التي قدّمت فهماً مختلفاً للتاريخ والأفكار، وربطت بين المثقفين ووحّدت أحلامهم بمجتمعات أفضل، وأسّست، كفلسفة، لاتجاهات نظرية لا تزال جزءاً من تفكير العصر. مثّلت القضايا التي ناضل المثقفون من أجلها، قاسماً مشتركاً ما بين مكوّنات اليسار عموماً. تقاسموا الأحداث، وتقاسموا الحلفاء والأعداء أيضاً. كانت التطلّعات واحدة: العدالة الاجتماعية والوحدة العربية وتحرير فلسطين. وكانت الأهداف واحدة: مناهضة الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية. اختبروا زمن الناصرية وانهزامها، والقومية وتراجعها، وذلك بعد فشل تجربتين عربيتين للوحدة. عاشوا مرحلة ازدهار اليسار، وانتصروا للقضية الفلسطينية، واصطفّوا إلى جانب الفدائيين. تبنّوا الثورة الإسلامية الإيرانية، وبحثوا عن خلاصهم في الحرب الأهلية، ثم انقلبوا على حساباتهم وتمركزوا في أحزابهم، ليعودوا ويتفرّقوا عنها يميناً ويساراً، ديناً ومالاً، نفطاً وجهاداً.. وتقول ثناء إنها لا تسعي في هذا الكتاب «إلى سرد سِير، بقدر ما هي محاولة لقراءة الظروف التاريخية التي تأثّرت بها بُنية المجتمع اللبناني نفسه، وقراءة في فكر الاختلاف، في الثابت والمتغيّر، الذي حدّد خاصية المثقف اللبناني وتموضعاته. هي محاولة لإجراء مراجعة نقدية لصورة المثقف، خصوصاً بعد تبدّل الخطاب، وشكل الصراع، وتقديس الرموز الثورية والسياسية والدينية، ومُصادرة الحاكم أو الزعيم لدور المثقف وأفكاره، إما استغلالاً أو تهميشاً أو قمعاً». مؤكدة عدم وجود أي «دافع للاعتقاد بأن المثقفين يجب أن يتّبعوا اتجاهاً واحداً أو الاتجاه ذاته، فالأفكار التي يعتنقها المثقف ليست عقائد جامدة، عليه أن يحفظها، خصوصاً أن غالبية المثقفين الذين تنقّلوا هم من أحزاب يسارية، وتالياً فإن فكر ماركس هو فكر جدلي، وهو فكر التجاوز والعلاقة ما بين النظرية والممارسة، كما هي فلسفة هيغل التي وضعت حدّاً نهائياً لكلّ تصوّر عن الطابع النهائي لفكر الإنسان وفعله». واعتبرت ثناء أن المشترك بين هذه الحوارات بين المثقفين هو «الخيبة المزدوجة التي واجهوها، لجهة عجزهم عن التغيير، وإسهامهم في إنتاج زعماء أجهزوا على أفق هذا التغيير. خسروا الحرب ومعها محاولة التأسيس لواقع لبناني جديد. لم يتغيّر المثقف وحده، ولا بُنى الدولة وحدها، ولا المجتمع العربي فقط، كان إعصاراً من المُتغيّرات الذي وصل إلى ذروته وأوصل الجميع إلى أفق مشترك مرّة جديدة، أفق متّصل ببناء الدولة الديمقراطية الحديثة، دولة المؤسّسات وحقوق الإنسان. وتختتم ثناء مقدمتها قائلة «قد يكون هناك ما يُسمى جَبْريّة التحوّل»، معتبرة أن «الحقائق تكمن في تطوّر المعارف وتغيّرها»، ومؤكدة أن «المثقف هو استرجاع مُستمر لمبدأ تفسير الثبات، هو رهينة أفكاره، ولذلك فإن تعبيرات مواقفه مرتبطة بخاصّية وظيفية، لها علاقة بمفهوم «الالتزام»، ومفهوم «الموقف» و«الصورة» التي يبنيها الآخرون عنه، وتضعه محاولة الخروج عنها في موضع الشُبهة».