يصعب الجزم بالأسباب التي تدفع الرجل للزواج الثاني، فالفكرة دائماً في عقله، ولا أحد يعرف أبعاد هذه الأسباب غيره، فإذا أراد الرجل أن يتزوج على زوجته أقنع نفسه ومن حوله بأنّ زوجته مقصّرة معه، حتى يقنع نفسه بأنّه على حق وأنّه غير ظالم، والبعض يتصيّد الأخطاء ليطبق عليها سياسة «اضرب النساء بالنساء»، كما أنّ هناك أسباب خاصة بالزوجة، كأن تكون سيئة الخلق أو مصابة بمرض يحول دون الإنجاب، إلى جانب انطفاء شمعة الحب والرغبة بين الزوجين، فيفضل الزوج التعدد على الطلاق، خصوصاً مع وجود الأطفال، حيث إنّ غياب التوافق الفكري أو الاجتماعي أو النفسي أو حتى الجنسي من الأسباب التي تدفع الرجل للاقتران بزوجة ثانية، وقد يكون السبب البحث عن مكانة اجتماعية أعلى، خصوصاً في المجتمعات التقليدية.التهديد من البداية وذكرت "صالحة بدر" أنّها لم تتوقع أبداً أن يكون لها ضرة بعد زواج (15) عاماً، حيث كانت حياتها مستقرة، ولديها (5) أبناء، مستدركةً: "لكن الرجل يبقى رجلاً!، إذا أصر على الارتباط بأخرى فيصبح لا يعجبه أي شيء، ويختلق المشاكل لاتهامي بالتقصير في حقوقه"، مبيّنةً أنّه ذات يوم أخبرها بأنّ زواجه الأسبوع القادم، حيث أدركت لحظتها بأنّ هدفه الزواج وليس لأنّها مقصرة. وشدد "فهد الجار الله" على أنّ من حق الرجل الزواج بأربع؛ لأنّ الشرع منحه ذلك، مبيّناً أنّ ذلك لا يعني أن يظلم زوجته الأولى، مضيفاً: "عندما قررت الزواج بعد خمس سنوات، أخبرت زوجتي الأولى، وتقبلت الأمر؛ لأنّها لم تنجب، والآن لدي ولدان، ولم أظلم يوماً زوجتي الأولى، بل لها كل الاحترام والود". ووصفت "مرام خالد" الرجال بأنّهم مخادعون، موضحةً أنّها أم لثلاثة، وكانت تعيش مع زوجها حياة سعيدة، ولكنها فضلت الانفصال بعد أن أخبرها برغبته في الزواج من أخرى، من دون سبب يدفعه لذلك سوى التغيير. د.خالد الرديعان الدوافع والأسباب وأوضح "د.خالد عمر الرديعان" -أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود- أنّ هناك أسباب تدفع الرجل للزواج بالثانية، حيث تختلف دوافع الرجال في هذه المسألة، وبالتالي لا يمكن تعميم سبب واحد رئيس أو القول أنّ لدى الرجال دافع يشتركون به جميعاً أو حتى أغلبهم، مبيّناً أنّ بعض الرجال -على سبيل المثال- يمارسون التعدد لأسباب شائعة، وربما مبررة اجتماعياً، كمرض الزوجة الأولى، أو عدم إنجابها أبناء، أو توقفها عن الإنجاب لسبب ما، في حين أنّ الزوج يريد ذرية، وبعضهن قد تكون ذريتها بنات، ومن ثم يقترن بأخرى، معتبراً أنّ هذه الأسباب هي الأكثر شيوعاً والتي يميل البعض إلى تعميمها كدافع للاقتران بزوجة ثانية، مع وجود استثناءات؛ كوجود رجال لا تنجب زوجاتهم أو مريضات أو أنهن ينجبن فقط بنات، ومع ذلك يفضلون عدم التنغيص على الزوجة "بضرة" أو "جارة" -كما يقال- وذلك من باب حفظ الود والعشرة. أزمة منتصف العمر ولفت "د.الرديعان" إلى أنّ غياب التوافق من الأسباب التي تدفع الرجل للاقتران بزوجة ثانية، سواءً كان ذلك فكرياً، أو اجتماعياً، أو نفسياً، أو حتى جنسياً، ويكون الطلاق مستبعداً إذا أنجبا عدداً من الأبناء؛ مما يدفع الزواج للجوء إلى الزوج، مبيّناً أنّ الزواج بالثانية قد يعزز مكانة الرجل اجتماعياً في المجتمعات التقليدية وذات الصبغة القبلية، معتبراً أنّها طريقة لعرض الفحولة وتعزيز النزعة الرجولية في مجتمعات ذكورية بامتياز تجنح نحو التقليل من مكانة المرأة. وأضاف أنّ بعض الرجال قد يمر بأزمة نفسية يطلق عليها علماء النفس "أزمة منتصف العمر"، تبدأ في المرحلة العمرية بين (45-55) سنة، وربما أقل أو أكثر، إذ قد ينظر الرجل إلى شريط حياته الماضية ثم يكتشف أنه لم يحقق إنجازات تذكر -حسب تقديره- ومن ثم يتخذ بعض القرارات المفاجئة وربما غير المحسوبة بدقة، كتغيير وظيفته أو بيع مسكنه وشراء آخر، أو الاندماج بهواية جديدة غير مألوفة، أو السفر بغرض الترفيه، أو التفكير بزوجة ثانية، موضحاً أنّ بعض الرجال في هذه الفئة قد لا تطول مدة زيجاتهم الثانية، حيث تستمر لأشهر محدودة. «أزمة منتصف العمر» تبدأ بتهمة «تقصير الزوجة» وتنتهي عند المأذون.. والخوف أن يكون «الوجه الجديد» من الخارج جس نبض ونوّه "د.الرديعان" إلى أنّ استخدام البعض لتهديد زوجته بالزواج عليها قد يكون طريقةً للتعبير عن تبرمه من الزوجة وعدم رضاه عنها، معتبراً أنّ هذا التصرف يدخل تحت ما يسمى ب"العنف اللفظي"؛ لأنّه مؤذٍ لمشاعر الزوجة -رغم مشروعية تعدد الزوجات-، مبيّناً أنّ استخدام هذا النوع من التهديد يقع في الغالب من أزواج يعبرون عن عدم توافقهم مع الزوجة، وربما رغبتهم الحقيقية في الاقتران بزوجة ثانية، أو أنّه أسلوب قد يستخدمه الزوج لجس نبض الزوجة حول موقفها فيما لو صمم بالفعل على الاقتران بزوجة أخرى، أو أنّ لديه نية مبيتة للزواج بثانية، بمعنى آخر هو يستخدم هذا التهديد كحيلة نفسية للتأكد من مشاعر زوجته نحوه وسلوكها، وهو بذلك يستخدم أسلوباً لا تحبه معظم النساء، مشيراً إلى أنّه قد يكون دافع الزوج لاستخدام هذا النوع من التهديد لإجبار الزوجة على إتيان سلوك معين، أو تغيير سلوكها الحالي إلى السلوك الذي يرغب أن يراها فيه، وهو في الأخير سلاح يلجأ إليه بعض الرجال كنوع من العقاب. الزوجة الثانية تعيش دائماً على سعادة الزوجة الأولى زوجة غير سعودية ورأت "د.هياء المزيد" -رئيسة قسم الخدمة الاجتماعية الإكلينيكية بمستشفى الملك خالد الجامعي- أنّه لا توجد إحصائيات دقيقة تعطي فكرة عن أعداد الأشخاص متعددي الزوجات، فإذا نظرنا إلى نسبة السعوديين المتزوجين بأكثر من زوجة سعودية نجد أنّهم (0.64%) أي أقل من (1%) -حسب إحصائيات وزارة التخطيط عام 2011م- موضحةً أنّ هذه النسبة غير دقيقة ولا تعكس الواقع؛ لأنّ الزوجة الثانية قد تكون غير سعودية، وبعض هذه الزيجات من أجنبيات تتم من دون موافقة رسمية أو أوراق تثبت ذلك الزواج، مبيّنةً أنّ هناك الكثير من الأسباب وراء قرار الرجل الزواج من زوجة أخرى، منها ما هو شرعي، كأن تعجز الزوجة عن أداء الأدوار الأساسية المتوقعة منها؛ مما يمنحه الحق في البحث عن أخرى، أو لمرض أصابها، سواءً أكان نفسياً أو عضوياً، وقد يلجأ الطرفان للفراق بعد أن يتكرر إصابة الأبناء بأمراض وراثية. «الشرع محلل أربع» ليست مبرراً للتعدد من دون استيفاء شرط العدالة ضعف شخصية وبيّنت "د.هيا" أنّ هناك أسباب اجتماعية ثقافية وهي غالباً ما تكون جائرة في حق الزوجة الأولى، وبعيدة عن الشرعية، كأن يعدد الرجل للمفاخرة بالقوة الجسمية والمالية أمام الأقارب والأصدقاء، أو بسبب رغبته في تقليد الآباء، أو باحثاً عن المرأة الموظفة؛ طامعاً في دخلها، موضحةً أنّ الرجل قد يهدد بالزوجة الثانية، حينما تكون ضعيفة وتظهر مشاعرها وخوفها من خسارته؛ مما يدفعه لاستغلال الأمر لتقبل كل تصرفاته، معتبرةً أنّ هذا سلوك ناتج عن الشعور بالقوة الممنوحة من المخرج الشرعي، إذ قد يكون الزوج عاجزاً عن إيجاد طرق لتسوية خلافاته سوى التهديد بالزواج، مضيفةً: "في كل الأحوال التهديد سلوك مرضي ناتج عن نقص في الشخصية، فمن لا يستطيع إقناع الآخر يلجاء للتهديد لإثبات القوة التي تعكس في طياتها ضعف". تزويج الزوج وأكّدت "د.سهام محمد العزام" -وكيلة قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- على أنّ الحياة الزوجية تعتمد على التضحية، والصبر، والرحمة، والإحسان، ولو أنّ كل أزمة تطرأ تجعل الزوج يفكر بالطلاق أو بالتعدد انهارت كل الأسر في اللحظات الأولى من تكوينها، موضحةً أنّ الأسباب في التعدد كثيرة، فمنها ما هو خاص بأحد الزوجين، ومنها ما هو اجتماعي ليس للزوجة دور فيه، مشيرةً إلى أنّ بعض النساء عندما يجدن أنهن لا يلدن وأنّه لا أمل لهن بذلك، يعمدن بأنفسهن إلى طلب زوجة ثانية لأزواجهن؛ كي يصبح أباً ويحقق حلمه الذي يراود أي رجل، وقد يكون السبب تقصير الزوجة في حق زوجها بصفة متكررة، كأن تعصيه في أكثر ما يأمرها به، أو تخالف رأيه أو قوله أو تتصرف بشكل يسيء إليه، أو أنّها لا تلبي له طلبه الشرعي في كثير من الأحيان. صورة مشوشة وقالت "د.سهام": "إذا تأكد الرجل من مشاعره بعد تريث طويل فإن الزواج بامرأة أخرى يكون أجدى له وأفضل من الطلاق، ومن هنا يفكر الرجل جدياً في الزواج بأخرى، باحثاً عن الحب، والتوافق الفكري والعاطفي -على الرغم من كثرة تكاليف الزواج والتزاماته-، كل ذلك من أجل أن يجد الإنسانة التي تتوافق رغباتها مع رغباته، وآراؤها مع آرائه، وتوجهها مع توجهاته، فيشعر بالقرب الروحي والنفسي والجسدي منها، كما يشعر بالحب والسعادة في مشاركتها"، منوهةً بأهمية الأسباب الاجتماعية المتعلقة بالرجل، كأن يكون هدفه من التعدد الزيادة في عدد الأولاد؛ لارتباطه بعلو مكانته الاجتماعية. وأضافت أنّ البعض ينقصه الوعي بحقيقة التعدد، إذ أنّهم يرونه حقاً مطلقاً من دون شروط، إلى جانب أنّ هناك من يتأثر برأي أحد سابقيه في التجربة، كما أنّ الأعم والأغلب يعتقدون أنّ الزواج الثاني حق مطلق للرجل، وله مطلق الحرية في الزواج من ثانية -أيا كان وضعه المادي والاجتماعي-؛ مما جعلنا نرى العديد من الأسر المفككة بسبب زواج الأب من ثانية، من دون أن يقدر وضعه وقدرته، أصبحت صورة الزواج الثاني مشوشة يغلب عليها الرفض من جانب الزوجة الأولى.