عندما يقع الطلاق للمرة الأولى يكون وقعه على النفس شديداً، ولكن عندما يتكرر الأمر للرجل أو المرأة أكثر من مرة ولا يحالفهما التوفيق في حياتهما الزوجية الأخرى، يصبحان عندئذ من "أهل سوابق الطلاق"، وأياً كانت الأسباب فإن المرأة دائماً تتحمل أسباب الفشل، بأنها لم تحسن التعامل مع زوجها،.. بينما يتم إغفال دور الرجل أو سلوكه الذي كان يتبعه معها سواء كان لفظياً أو معنوياً أو مادياً. في هذا التحقيق نناقش موضوع "سوابق الطلاق" من حيث الآثار النفسية والاجتماعية على الرجل والمرأة ممن مروا بهذه التجارب، وكيف تخطوها؟ البنت تعاني كثيراً و«محد يرحمها» والبديل «كبير في السن».. والسؤال: لماذا كل هذه القسوة والجحود؟ نظرة الأقرباء "أحمد القحطاني" -موظف حكومي- عاش تجربة الطلاق لمرتين متتاليتين، وقال لنا بألم: كنت أعتقد أن الرجل عندما يفشل في حياته مرة سيبتسم له الحظ مرة أخرى، ولكن اعتقادي كان خاطئاً، فعندما طلقت زوجتي الأولى لكثرة الخلافات فيما بيننا، ولعدم الاتفاق على أمور كثيرة، فكرت بالزواج الثاني كحل سريع لمعاناتي، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فكانت زوجتي الثانية لا تختلف عن الأولى، لأقرر إنهاء الحياة معها، مشيراً إلى أنه يعاني من نظرة الأقرباء والأصدقاء، بل ويعاملونه على أنه شخص لا يتحمل المسؤولية، لذلك تردد عدد من أقاربه بقبوله كزوج لبناتهم. ضرب مبرح وتحكي لنا "أم بسام" -سيدة أربعينية تزوجت ثلاث مرات وطلقت مرتان بسبب اختيارات والدها العشوائية-، تحكي بحسرة قصة طلاقها الأول بأنها كانت صغيرة وكان زوجها يضربها ضرباً مبرحاً؛ لعدم تمكنها من أداء أعمال المنزل وخدمة ضيوفه الذين لا ينقطعون، لتطلب الطلاق منه، فكان لها ما أرادت، مضيفةً: "بعدها بعام تقدم لها رجل لديه زوجتان ووافق والدها على الفور دون استشارتها، ولكن زوجها أسكنها مع زوجته الأولى، مما جعل المشاكل تتفاقم ما بينهما لتطلب الطلاق"، مشيرةً إلى أنها تزوجت بعد ذلك من رجل أرمل "كبير في السن"، ووافق عندما علم بعدم إنجابها للأطفال لكي تكون مربية لأولاده، فوافقت عليه حتى ترتاح من نظرة المجتمع التي لا ترحم. حديث الناس وتقول "زهرة محمد" -ممرضة ولها تجربتين في الطلاق-: دائماً الناس والمجتمع يحكم على تجارب الزواج التي لم يكتب لها النجاح بالفشل، والسبب دائماً المرأة، بل ويثبت اعتقادهم إذا تكررت تجربة الطلاق لمرتين متتاليتين، مضيفةً: "عانيت كثيراً من هذه النظرة، لذلك لم أفكر بخوض التجربة مجدداً، على أقل تقدير في الوقت الحالي، فما وجدته في الأيام الماضية كان فوق الاحتمال، فقد كنت حديث الناس لفترة من الزمن، وكلٌ يؤول طلاقي حسب رأيه ومزاجه، دون أن يكلف نفسه السؤال عن السبب الحقيقي لكل طلاق"، لافتةً إلى أنها ولله الحمد متسامحة مع نفسها، ولو كنت ضعيفة أو هشة لاعتزلت الناس، وأصيبت بحالة نفسية صعبة. ليس له أي قرار! وعن سؤالها عن أسباب الطلاق تقول: زوجي الأول كان من النوع الذي يستمع لكلام والدته كثيراً وليس له أي رأي أو قرار، مبينةً أنها كرهت أن تستمر مع رجل لا يعرف معنى الحياة الزوجية، بل ولا يحترم خصوصيتها، ذاكرةً أنه في المرة الثانية كان سبب الطلاق أن زوجها كان من مدمني المخدرات، فحاولت إصلاحه كثيراً ومعالجته، إلا أن حالته لم ينفع معها شيء، فأخذت أطفالها وعادت إلى بيت أهلها. الرجل يتضرر ويوضح "سامي الزامل" أنه قد يقول البعض أن المرأة هي أكثر المتضررين من الطلاق، بينما الرجل هو الأكثر ضرراً، مضيفاً أن الرجل يكتم في قلبه ولا يبوح لأحد، مما يزيد من محنته ويرفع درجة تأزمه، خاصةً إذا كان طلب الطلاق من الزوجة، ولم يكن قرارا منه شخصياً، فهذا يعتبر إهانة وجرحا للرجولة، مشيراً إلى أن الأهم من هذا أن المجتمع لا يأخذ موضوع الطلاق بنتيجته وأسبابه، بل باسمه ومطلقه، فهناك مشاكل اقتصادية واجتماعية تكون السبب في وقوع المشاجرات التي تحدث بين الزوجين باستمرار، وتحول دون تفاهمها، بل وتحول دون دوام العشرة، إلى جانب عدم وجود توافق جسمي وفكري وثقافي بين الزوجين. نظرة مجحفة أما "فريدة اليحيى" فتقول: تزوجت أربع مرات ولم أوفق، ولست مهتمة بما يقال عني، فالناس لا يعيشون معي ولا يعرفون عن ظروفي، مضيفةً أنها لا تعترف أن المرأة هي المسؤولة عن الفشل، فقد يكون الفشل مشتركا، وقد يكون بسبب أمور خارجة عن السيطرة والإرادة، مشيرةً إلى أن نظرة المجتمع للمرأة التي تعددت تجاربها بالطلاق مجحفة، فينظرون إليها على أنها امرأة "هوى" وغير ثقة؛ حتى أن البعض أصبح يرمي التهم عليها بأنها غير جديرة بالثقة، بل ومشكوك في أخلاقياتها، ذاكرةً أن المرأة عليها أن تحفظ نفسها بعد طلاقها الثاني؛ لأن في قبولها الزواج لأكثر من مرتين دليل على أن الخلل فيها، وذلك ما يؤمن المجتمع به، ولهذا تقابل بالنقد. رفض الارتباط في حين يرفض "فهد العايض" الارتباط بامرأة سبق لها الطلاق أكثر من مرة، بالرغم من أنه سبق له الزواج سبع مرات، ويقول: الرجل لا يعيبه ذلك، فهو الموكل إليه ب"القوامة" -على حد قوله-، في حين تبقى المرأة ذات وضع حساس وتلاحقها وصمة النقص والعيب الاجتماعي حينما تكون مزواجة، مبيناً أنه من الصعب أن يقبل الرجل الزواج من امرأة تزوجت بأكثر من رجل قبله، ذاكراً أنه قد يلتقي بزوجها الأول في السوق، والزوج الثاني في المستشفى والثالث في حفل زواج، وذلك يسبب خللا لدى الرجل، لذلك المرأة المزواجة مرفوضة بالنسبة لي! دراسة ميدانية بعد هذه الآراء رغبنا باستعراض دراسة بينت أن غالبية المطلقين قد تزوجوا لمرة واحدة بنسبة (93.75%) مقابل (6.25%) منهم قد تزوجوا مرتين، أما المطلقات فقد تزوجت منهن (66%) مرة واحدة، مقابل (24%) تزوجن مرتين، و(8%) تزوجن ثلاث مرات، كما تبين أن (31.25%) من المطلقين قد انقضى عليهم خمس سنوات بدون زواج، بينما قضى منهم سنتين أو ثلاث سنوات بنسبة (18.75%) لكل منهما بدون زواج. ويشير ذلك إلى وجود عوامل متعددة لعدم تكرار الزواج، منها صدمة الطلاق، ومنها التكاليف الباهظة للزواج التي تقع على كاهل الزوج، أما المطلقات فقد تبين أنهن يتوزعن على فترات زمنية مختلفة منذ الطلاق من عام إلى (15) عام، وأكثر نسبة هي أربع سنوات بنسبة (18%)، ثم عامان بنسبة (16%)، ثم عام واحد بنسبة (14%)، ثم ثلاثة أعوام بنسبة (12%)، ودلالة ذلك أن تجربة الطلاق المريرة بالنسبة للمطلقات تجعلهن يستنكفن عن تكرار الزواج إلى فترة قد تطول أو تقصر حتى ينتهي أثر الصدمة، وتتهيأ ظروف مواتية لهن لتكرار الزواج. لا يوجد تهيئة ويرى "د. منصور العسكر" -الأستاذ المشارك بقسم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- أن السبب الرئيس للطلاق هو الاستعجال بالزواج دون تهيئة نفسية ومعرفة بالحقوق والواجبات، إلى جانب طبيعة العشرة واختلاف الثقافات والطباع، والجهل بأبسط متطلبات الزواج، خاصةً وأن كثيرا من المقبلين عليه ليس لهم هدف واضح سوى أن والديه رغبوا بزواجه، أو أن أصدقاءه تزوجوا، مبيناً أن كثيرا من حالات الطلاق تأتي في السنوات الأولى منه، حيث لا يستطيع كلا الزوجين التوافق والمواءمة بين الحياة الماضية التي عاشها في كنف أهله وبين حياته الجديدة، أيضاً هناك النزعة الفردية التي تدعو أي طرف من الزوجين إلى اتخاذ مسألة الطلاق دون مراعاة للأهل أو المجتمع، فقديماً كانت المرأة تتحمل الزوج وعائلته؛ لأنها لا تمثل نفسها فقط، بل تمثل أسرتها، لذلك كان معدل الطلاق لا يذكر، مشيراً إلى أن الحاصل اليوم أن المرأة أو الرجل لا يمثل إلا نفسه، فإن حصل بحياة أحدهما أي "منغص" فهو من يحدد وحده أن ينهي تلك الحياة دون الرجوع إلى رأي أحد. سهولة القرار وأضاف: من أسباب الطلاق المتكرر سهولة اتخاذ القرار بدون إجراءات أو تعقيدات من قبل الدولة والقضاء، فيكفي الرجل لطلاقه من زوجته لفظ الطلاق أو كتابته على ورق، فمسألة الإجراءات المتبعة في حالات الطلاق ساهمت في أن الجيل الجديد لا يعي مسؤوليته، موضحاً أن الضبط الاجتماعي دائماً ما يظلم المرأة في تكرار طلاقها، فيأخذ بالنتيجة ويتجاهل الأسباب، ليقع اللوم على المرأة، بأنها لم تحسن التعامل مع زوجها، بينما يغفلون دور الرجل أو سلوكه الذي كان يتبعه معها سواء كان لفظياً أو معنوياً أو مادياً، لافتاً إلى أن هناك سببا للفشل الزوجي وتكرار الطلاق، وهو بمحاولة الرجل أو المرأة أن يثبت للمجتمع بأنه صالح للزواج مرة أخرى، بل وقادر على تحمل بيت الزوجية، فيلجؤون إلى حياة جديدة، مستعجلين بالخيار السيىء. شباب اليوم وأوضح بأنه بإمكان المجتمع أن يعي الظروف الاجتماعية من التحولات والتغيرات التي طرأت على الشباب اليوم، وأن الشاب الذي ينتمي لأسرة ذات سلوك معين ليس شرطاً في ظل المتغيرات أن ينطبق عليه ما انطبق على أسرته، فغالبية الشباب لايمثلون أسرهم، ناصحاً بوضع الأمور في نصابها الصحيح، حيث تشير الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل في عام 30-31ه، أن هناك (120) ألف حالة زواج مقابل (125) ألف حالة طلاق، مشيراً إلى أن المجتمع يلعب دوراً كبيراً في وضع الأمور في نصابها الطبيعي، ويمنح المرأة فرصة الحياة، فليس معنى الفشل في الحياة الزوجية الفشل الوظيفي أو العلمي، مطالباً بمساعدة المطلقين والمطلقات، لنجعل منهم أعضاء صالحين في المجتمع، ونحاول أن نعطيهم الفرصة لتجربة حياتهم مع أشخاص قد يكونوا أكثر ملائمة لطبيعتهم، وأكثر من الشركاء المنفصلين عنهم. د. منصور العسكر