وكم بخيلٍ فرش الناس ماله وهو منه محرومٍ على نفسه اتلافي كوصف ابرةٍ عريانة دب دهرها وهي تكسي المخلوق من قمش الاصنافي فالمال له حقٍ حلاته مع الفتى يضرب به المجرم ويبذله للصافي وكم جاهلٍ صول على غيره البلا يجرم بفعله آمنٍ غافلٍ غافي ودمار العمار بدار ذلٍ مقامك ولو تربة ارضه تنبت اللولو الصافي والعز لو في رأس حزمٍ تنوله لكنك في جناتها مرغدٍ غافي ومشيك على حد الصراط متحسر على متن قعرٍ في لظى ماله أطرافي أشوى ولا تقصد لئيمٍ لحاجه لو هي بكفه حال دونه جبل قافي وترى الطبع عضوٍ ما يزول ولو نزل زحل منزل المريخ ما افتر بعسافي ولا توري الريبه الى رمت همه ترجف به الصافي وتفرح به الجافي الى رمت أمرٍ فاكتم السر وألتزم قو العزا والحزم والعزم لك رافي صحيب العيا والعجز ما ادرك مرامه يفوته وهو يذرا على رأسه السافي ولا تتبع رأي السفيه من الملا غضوبٍ على أدنى الدون للخل نكافي وجلوسك مع أهل الفهم مما يفيدك ومع الدبش يطبع ران قلبك عمىً خافي ولا تكترب لامرٍ تقدم همومه ترى صعب الاشيا ما اعترض لك بالاصدافي بين افترار الليل والصبح كم حدث يسرٍ بعد عسرٍ والايام زلافي فلا اشتد حبل وسار سوٍ ترى الفرج قريبٍ بألم نشرح دليله وهو كافي وأبرم دواليبك بالأسباب ربما اتوافق مفتاحٍ للارزاق وتكافي بعزمٍ فرأي العزم كم فك مشكل ونجم فلا تدري الشهر هافي أو وافي وتزمل عقول أهل التجاريب واجتنب عمى الرأي مرعابٍ مع الخوف رجافي وأنا عن معاني كل ما قلت عاجز سراجٍ لغيري محرقٍ روحي انصافي ركنت نفسي للهوى يوم لي به مرامٍ وشفي فيه مياس الاعطافي خدمت القلم والطرس للشوق اصخر اعساف شرفات القوافي على القافي قطفت زهرات الهوى يوم لي هوى هجرت الكرى ما اذكر بها ليلةٍ غافي وصدرنا فلا يغني الفتى ذكر ما مضى إلى عاد عن طرق الهوى معطيٍ قافي فإلى فرغت نفس الغريم من الهوى فلا ينفع المسنين تذكير الاريافي كما البدر يطغى في بروجه الى انتهى يكشف ويصبح صافيٍ يوم الانصافي صلاتي وتسليمي على شافع الورى دعا الملك القدوس والروس كشافي الشاعر: هو محمد بن عبد الله بن محمد القاضي من أهل عنيزة ولد سنة 1224ه من أشهر شعراء نجد توفي رحمه الله في عام 1285ه. دراسة النص: كنت توقفت في الجزء الأول من دراسة النص عند قول الشاعر: وكم بخيلٍ فرش الناس ماله وهو منه محرومٍ على نفسه اتلافي فالشاعر يحذر أن يكون البخيل الذي يقتر على نفسه ليكون ماله من نصيب غيره مشبهاً إياه بالإبرة التي تخيط الأقمشة ولا تكتسي منها، فلذة المال ومنفعته أن يهان به المجرم ويكرم به الصديق المخلص، ويحذر من الجاهل فكثيراً ما يكون سبباً في إثارة المشاكل التي تكون عواقبها وخيمة على المسالمين البعيدين عنها؛ وبالتالي فأخذ العقلاء على يد الجاهل أمر محتم حتى لا يجر لهم بلاء، ومما يحطم النفوس ويهدم كيانها هو البقاء في بلاد يذل فيها وأن عليه مغادرتها حتى وإن كان ترابها ينبت لؤلؤاً نفيساً، فإدراك العز وإن كان في مرتفع وعر من الصحراء يجعله جنة رغيدة يرتاح فيها، وان المشي المؤلم على الصراط وتحته حفرة من نار لا نهاية لها تكون أهون من المشي لحاجة عند لئيم وإن كانت حاجتك في كفه فلن تنالها منه وكأن بينك وبينها جبل قاف، ويؤكد أن الطبع أصل في النفس لا يزول بالقوة حتى وان نزل كوكب زحل منزل كوكب المريخ رغم استحالته، وأن من أراد شأناً فلا يظهر فيه تردد وحيرة حتى لا يخلق الخوف منه في الصديق المخلص ولا يفرح بذلك العدو،ومن عزم على فعل أمر فليكتم سره ويتحلى بالصبر والجلد ويكون حازماً ذو همة وعزم ففي ذلك عون له على إتمامه، فالمتراخي المتهاون الكسول لا يحقق هدف وتفوته الفرص وهو يغط في سبات عميق وتلقي الرياح ترابها الدقيق على رأسه دلالة على هوانه، وأن لا يؤخذ برأي من لا عقل له فهو سريع الغضب لا يعرف حقاً للصداقة ويختلق المشاكل مع رفقائه على أتفه الأمور،والجلوس مع أهل العقل والفهم ذو فائدة،والجلوس مع من لا عقول لهم فهو يضع على القلب غشاوة ويكون كالعمى الذي لا يمكن صاحبه من معرفة الصواب، وان لا يضيق صدره من فاجعة لها مقدمات من هم وحزن، بل إن الفاجعة الشديدة تأتي بلا مقدمات مؤكداً على أن كل شدة وعسر يعقبها فرج ويسر من الله بين تقلب الليل والنهار، وعلى الإنسان أن يجتهد ويلجأ إلى الله ويفعل الأسباب في طلب الرزق ويكون لديه قوة عزم ومغامرة لتحقيق ذلك، وان تكون وسيلته الناجحة هي عقول أهل التجربة والخبرة ويتجنب من ليس له رأي صائب وهو جبان يثير الخوف في الآخرين، ثم الشاعر يبين عجزه عن تطبيق جميع هذه النصائح مشبهاً نفسه بالمصباح الذي يحرق نفسه ليضيء للآخرين، فقد انصرف إلى العشق والهوى عندما كان له فيه حبيبةٍ ذات دلال وجمال، وانشغل بنظم الشعر الجميل الرفيع، وقد نال من العشق بغيته واعتزله وأن تذكر ذلك لا فائدة له منه الآن . وهذا يدل على أن الشاعر نظم هذا النص في أواخر عمره. تأثر الشعراء بالنص: استكمالاً لما تطرقت له في مقالات سابقة من تأثر الشعراء ببعض فنجد أن نص القاضي هذا قد تأثر به بعض كبار الشعراء و انقسموا في تأثرهم بالنص إلى نوعين: 1-مجاراة النص وهو تأثر جائز: وهم الذين حفظوا حقوق القاضي وأشاروا لذلك في نصوصهم وهذا شائع بين الشعراء يأتي إعجابا بنص الشاعر مثل الشاعر سليم بن عبد الحي الاحسائي حيث يقول: اعجبني جوابك بالمثايل وهاضني حسن بدع قافك حدني اتبعه قافي ثم يبدأ بعد ذلك في استحضار بعض أبيات نص القاضي ويؤكد مضامينها من واقع تجربته كقوله: تقول لا تقصد لئيمٍ لحاجه ولو هي بكفه حال دونه جبل قافي فانا لك على ذا شاهدٍ زاكي الوفا صدق فاك يامن له قميص الوفا ضافي وكذلك نجد الشاعر مبارك العقيلي نظم قصيدتين متأثراً بقصيدة القاضي وأشار لذلك في مقدمة كل نص فالنص الأول يقول مطلعه: عجايب زماني كلها جات بخلافي فهل يا رجيح العقل تحكم بالانصافي ومطلع النص الثاني: على الحزم عول في امورك ولا تخافي وقس ما بقى باللي مضى بين وخافي 2-إعادة صياغة النص وهو تأثر غير جائز: وهم الشعراء الذين أعادوا صياغة بعض الأبيات ولم يشيروا للقاضي وهذا يعتبر تحايل وسطو غير جائز مثل ما فعل الشاعر لويحان العنقري في قصيدته الشهيرة: والتي مطلعها: شعرٍ مثل يا فاهمين التماثيل كلٍ يجي شعره بحسب اقتداره ومن ذلك قول لويحان: الحنظله لوهي على شاطي النيل زادت مرارتها القديمه مراره وهو بذلك يعيد صياغة بيت القاضي: العوشزه لو هي على النيل ما أثمرت الابقو الشوك والغصن غريافي فلويحان استنسخ معنى القاضي وبدل أسماء الشجر (العوشزه-الحنظلة) فالقاضي ركز في التدليل على حاسة اللمس ولويحان حولها لتذوق الطعم. وكذلك فعل مع قول القاضي: ترى الطبع عضوٍ مايزول ولو نزل زحل منزل المريخ ماافتر بعسافي ويقول لويحان: والطبع ماينزال غيره بتبديل مثل الجدي مرساه ليله نهاره لويحان