يموق إلى شبع وان جاع يسرق، وكيفاته إلى شم الكتاره! (حميدان الشويعر) ان اللئيم إذا رأى لينا تزايد في حرانه (يحيى بن الطيب) (اللؤم) كلمة جامعة لمساوئ الأخلاق ولا فخر! وهي من البراهين على شمول لغتنا العربية وقدرتها على تلبية إبداع البلغاء. إن هذه الكلمة الكريهة (اللؤم) تجمع البخل مع الخبث والدناءة والغدر وقلة الخاتمة.. الحكماء والشعراء يكرهون اللؤم وينهون عن مقاربة اللؤماء.. قال السحيمي: (ومالي وجه في اللئام ولا يد ولكن وجهي في الكرام عريض أهش إذا لا قيتهم وكأنني إذا لا قيت اللئام مريض» فمجرد رؤية اللئام يمرض النفس فما بالك بمعاشرتهم؟ ❊❊❊ وفي التعبير الشعبي يقولون عن اللئيم (نجس طفس) والنجاسة هنا معنوية أي أنه حقود يحب الشر وايقاع الأذى بالآخرين، أما (الطفس) فهو الثقيل الوبيل، قال حميدان الشويعر: فان بالناس نجس وذا طاهر وآخر مثل طيب وذا عرعره! وآخر من صباخ الثرى منبته لو بذرت الندى فيه انكره تاجر فاجر ما يزكي الحلال لو يجي صايم العشر ما فطره عاطل باطل فيه من كل عيب لو تبي منه بول الخلا ما ظهره لو تجي خالته تبي كف ملح مخطر ضلعها بالعصا يكسره!» أعوذ بالله! قوله (طيب) أي بخور ذو رائحة زكية أو مسك عرعرة: نبات كريه الرائحة يصرع من قربه! ويقول أبو فراس أو البستي: ونذل الرجال كنذل النبات فلا للثمار ولا للحطب أي بالتعبير الشعبي (ما ينفع لا طبخ ولا صلخ) (ما فيه فود)! ❊❊❊ ويصف حميدان الشويعر صديق السوء اللئيم فيقول: وقت الرخا تيس مسلفع وان جت الشدات لقاك قفاه!» مسلفع: كثير الثغاء، فاللئيم كلامه كثير عن المراجل ولا هنا فعل، يدعي لينال ثم يهرب شامتا إذا أقبلت الشدائد على صاحبه. والتشبيه بالتيس هنا بليغ لأنه أضاف (مسلفع). ❊❊❊ ومع ان لفظ (اللئيم) أكثر ما يطلق على البخيل إلاّ أنه لفظ شامل لمساوئ الأخلاق، ولهذا يمتعض الحكماء إذا نال اللئيم مرتبة عالية أو مالاً وجاهاً ظاهرياً، لأنه سيوجه ذلك للشر، ما يجي منه خير، قال زياد بن أبي سفيان: «لأن ينخفض عشرة من العلية، خير من ان يرتفع واحد من السفلة» وهو لا يريد انخفاض العلية يريد ايضاح الفكرة وخطورة ارتفاع اللئام. وقريب منه قول أبو هلال العسكري: لا يغرنكم علو لئيم فعلو لا يستحق سفال فارتفاع الغريق فيه فضوح وعلو المصلوب فيه نكال ومن مشاكل علو منزلة اللئيم أنه قد يحتاج له بعض الكرام اضطراراً، والعرب تقول: «أمرُّ الأشياء حاجة الكريم إلى اللئيم». وقد عرف المتنبي - بعبقريته - اللئيم فقال: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت اكرمت اللئيم تمردا ويرى عبدالله بن صقية ان اللؤم مقارفة العيوب والجرأة عليها وهذا ما يتضمنه قوله: اللي يريد الطيب يبعد عن العيب ما ينسكن قصر تبيَّن عيابه الحر ميقاعه بروس الشخانيب ياللي عليك طيور دارك تشابه فالصقر يقف فوق رؤوس الجبال والغراب يقع على الجيف. ❊❊❊ أما الحمق فصفة مذمومة ولكنها - على سوئها - أسهل من اللؤم، الأحمق قليل عقل لا يفكر في العواقب ولا يعرف ما يضره مما ينفعه، أما اللئيم فهو خبيث بخيل وقد يكون ذكياً جداً لكنه يستخدم ذكاءه بكل أنانية وربما إجرام وهو ما يسمى في علم النفس (الشخصية السيكوباتية) صاحبها يقتل القتيل ويمشي في جنازته.. الأحمق أخرق.. ومصاحبته تتعب.. وقد يريد ان ينفعك فيضرك.. لا عن سوء قصد بل عن قلة عقل وسوء تدبير وفقدان للحكمة. لذلك نهى الحكماء والشعراء عن مصاحبة الأحمق، قال صالح بن عبدالقدوس: احذر الأحمق ان تصحبه إنما الأحمق كالثوب الخلق كلما رقعته من جانب حركته الريح وَهْناً فانخرق واذا جالسته في مجلس افسد المجلس منه بالخَرَق وإذا عاتبته كي يرعوي زاد شراً وتمادى في الحُمق كحمار السوء ان أشبعته رمح الناس وان جاع نهق! والبيت الأخير ينطبق على اللئيم أكثر من الأحمق، إلاّ ان كان وجه الشبه مع الحمار هو الجهل.. والخرق هو سوء التصرف (والرفالة) وعدم وزن الأمور قلة العقل ورداءة التفكير.. مع استحالة التعلم تقريباً لأن الحماقة فيه طبع لازب، قال الشاعر: لن يسمع الأحمق من واعظ في رفعه الصوت وفي همسه لن تبلغ الأعداءُ من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه والحمق داء ماله حيلة ترجى، كبُعد النجم في لمسه والتعبير الشعبي عن الأحمق هو: (الخِبِل).. ❊❊❊ ولشاعرنا محمد العبدالله القاضي أبيات حكيمة أولها أقرب لوصف الأحمق أو الخبل والباقي في وصف اللئام: ولا عاد ينفع ميت القلب تعلوم تاه بعمى رايه قليل الرحام من يبذل المعروف بالندل مليوم خاب وخسر من ياضعه باللآمي وحذاراك خلان الرخا عدهم قوم خلان من دامت نعيمه ودام إذا ادبرت دنياك عدوك معدوم مروا عليك ماردوا عليك السلام!