لم يكن ينقصنا سماع أغنية "أنا طفشانة.. أنا زهقانة" - مع تحفظي على إدخال طفلة في مجال الغناء والكليبات - لتتأكد النغمة التي نسمعها دائماً من الصغار وحتى الكبار، لقد اعتاد الأطفال ترديد هذه العبارة في السنوات الأخيرة وأصبحت مفردة "طفش" متداولة في كل البيوت فالكل في حالة شكوى من الملل ومطالبة بالمزيد من الترفيه، وقد رأيت مراهقين يتسكعون في مراكز تسوق بهدف التسلية صبيحة أول يوم من وصولهم من رحلة صيف طويلة!! ومع أن الأهالي في شغل من أمرهم من أجل تسلية أولادهم إلا أنهم دائماً في حالة شعور بالذنب. ماسبب شعور الأطفال بالملل مع أنهم يحصلون على كل ما يريدونه؟؟ يفسر بعض المختصين ذلك بأن توقعاتهم بأن يحصلوا على شيء أفضل ومختلف هو ما يشعرهم بالملل خصوصا في عالمنا المادي. وهذا ينطبق على الكبار أيضاً عندما لا يقنعون بما عندهم ويتوقعون الأكثر، إنه باختصار الغرق في التوقعات، وكلما تعقدت الحياة وزادت المثيرات زاد الملل والعكس. في حالات أخرى يكون شعور الأطفال بالملل نتيجة احتياجهم إلى قضاء وقت مع والديهم واشتراكهم معهم في أنشطة وأعمال معينة، أو بسبب الإدمان على مشاهدة التلفاز واللعب بالأجهزة الإلكترونية التي تسبب لهم شيئاً من التبلد خصوصاً عند الأطفال الأكبر سناً. تنصح طبيبة متخصصة في علم نفس الأطفال إعطاء الصغار مساحة من الوقت الحر ليستكشفوا عالمهم الداخلي والخارجي، ليتخيلوا ويبدعوا ويتلمسوا بأنفسهم المتعة التي تمنح حياتهم معنى، وتشجع الوالدين على ضرورة التوصل بمشاركة الأبناء إلى قائمة بأفكار لأنشطة ينفذونها في الأوقات التي يشعرون فيها بالملل، مع إرشادهم في الوقت نفسه إلى أن مللهم مسألة تخصهم وهم الملزمون بالتعامل معها، وغالباً ما سيجد الأطفال ما يمكن أن يسليهم ويسعدهم شرط التأكد من مناسبة وسلامة ما يفعلونه. كما أنه من المهم عند التعامل مع ملل الأطفال والمراهقين التأكد من توازن البرنامج اليومي لأبنائهم ومدى احتوائه على الأعمال والأنشطة التي تكسبهم المهارات والمتع التي يحتاجونها بما فيها بناء العلاقات الإيجابية مع الآخرين. ولكن هل الملل شيء سلبي دائماً؟ البعض ينظر إليه بصورة إيجابية على اعتبار أنه فرصة للتغيير وإعادة النظر في نمط حياتنا وتفكيرنا وسلوكنا، وإذا استبعدنا الذين يعانون من مشكلات صحية أونقص في القدرة على الانتباه والتركيز، فإن الأشخاص الميالين كثيرا للتذمر والإحساس بالملل غالباً ما يكونون قلقين غير متوازنين وغير قادرين على التأمل بدواخلهم وفهم ما يشعرون به، بل العكس هم في حالة هروب من الذات، لذلك فإن محاولة تغيير طريقة التفكير التي تتحكم بالعواطف والمزاج والسلوك يساعد على التخفيف من حالة السأم. إحدى النصائح التي قرأتها لمعالجة الملل، هو عدم المسارعة لعمل أي شيء لمجرد الخروج من حالة الزهق، لأن ذلك لن يمنحنا الرضا والاكتفاء، وقد يجعلنا نمارس أنشطة تسبب لنا الإجهاد، أو نقوم بأعمال غير ضرورية قد تشعرنا بالندم لاحقاً، والمطلوب في حالة الشعور بالملل هو الجلوس والاستمرار بهذا الشعور، والتركيز على الوضع أو العمل الذي يشعرنا بالملل حتى نصل لمرحلة الاسترخاء وتقبل فكرة عدم فعل شيء، وحالما يبدأ الإحساس بالاسترخاء يأتي الشعور بالتجدد والانتعاش، عندها يمكن الوصول إلى أفكار جديدة تمنحنا الطاقة لنتقدم إلى الأمام.