تجولت في مواقع عمل كثيرة، في الأسواق، والمطاعم، ووكالات السيارات، والبنوك، والشركات، فوجدت وقابلت شباباً سعوديين يؤدون أعمالهم بكل محبة، وحماس، وبمهنية، وسلوك إداري. هذه النماذج تدحض الفكرة الانطباعية السائدة التي تتهم الشاب السعودي بأنه كسول، ولا يمتلك المهارات والسلوكيات الإدارية المطلوبة في سوق العمل. هذه النماذج الناجحة هي دليل على مدى تأثير بيئة العمل بكل مكوناتها على الأداء. الشاب السعودي يحتاج قبل كل شيء إلى الثقة بقدراته واتجاهاته وتقدير طموحاته، ومنحه الفرص مثلما تمنح للآخرين. ومن أهم هذه الفرص فرص التدريب بكل أنواعها وفي مقدمتها التدريب على رأس العمل. في إحدى المؤسسات الأكاديمية يتطوع الطلاب للعمل من أجل اكتساب الخبرة كرافد للمستقبل. وفي موقع عمل آخر أجد شاباً سعودياً يجمع بين الدراسة والعمل حتى يتمكن من دفع الرسوم الدراسية، ومن اكتساب خبرة عملية تفيده في حياته العملية. أمامي قائمة تضم خريجي إحدى البرامج التدريبية التي تنفذها إحدى المؤسسات المتخصصة. اتصلت هاتفياً بعدد كبير منهم بدافع الفضول لأعرف إلى أين انتهى بهم المطاف فوجدت أن معظمهم التحقوا بوظائف ومعظمها في القطاع الخاص. هناك شباب سعودي مؤهل، وهناك فرص وظيفية، والمطلوب إيجاد جسور اتصال وآلية واضحة للتوظيف، وهذا ما تسعى وزارة العمل بكل جدية إلى تحقيقه، ومن الإنصاف القول إن إنجازات ملحوظة قد تحققت في هذا المضمار. ولكي تكتمل تلك الإنجازات، وتستمر الجهود بشكل مثمر، فلابد من استثمار النماذج الناجحة والتجارب البارزة في التوظيف بطريقة إعلامية علمية إن صح التعبير. وعندما أقول علمية، فهذا يعني أن نتحدث بلغة الأرقام والحقائق، وأن نعطي الفرصة للشباب الناجح للحديث عن تجربته وعلى الباحثين، والمختصين، والمسؤولين في وزارة العمل إعداد الدراسات الميدانية لإلقاء الضوء على التجارب الناجحة وغير الناجحة؛ حتى نتوصل إلى تحديد المقومات المتوفرة في بيئة العمل التي تؤثر في استمرار الشاب في عمله أوتجبره على الانسحاب، أو الاستمرار بأداء يتسم بالسلبية وعدم المبالاة مما يؤثر على صورة الآخرين ويؤدي إلى تكوين انطباعات سلبية عن أداء الشباب السعودي. إنني هنا لا أنفي وجود نماذج سلبية، ولكنني أقترح دراسة أسباب النجاح وأسباب الفشل، فهذا موضوع تتداخل فيه مؤثرات كثيرة منها التدريب، والراتب، وبيئة العمل، وساعات العمل، ونظام الحوافز، والترقيات، والبدلات، وغير ذلك. وإذا أردنا أن نخرج برأي علمي فعلينا أن ننزل إلى الميدان حيث توجد التجارب والآراء الواقعية. [email protected]