تجذبني ندوة الثلاثاء بجريدة «الرياض» لما تطرحه من موضوعات جادة يتم تناولها بهدوء وموضوعية وتنتهي عادة بتوصيات جيدة. في ندوة الثلاثاء 16/4/1426ه كان موضوع الندوة هو الفساد الإداري، وهو موضوع يتناول ظاهرة محلية وعالمية وصلت حتى إلى أروقة الأممالمتحدة في قضية النفط مقابل الغذاء. تحدث المشاركون عن محاور الندوة وهي تشمل مفهوم الفساد الإداري وتأثيره على نزاهة الوظيفة، ومعنى استعمال السلطة، وحجم الفساد الإداري، وكيفية تقويم هذا الفساد والآثار الجانبية للفساد الإداري وواقع الفساد الإداري في المملكة وهل وصل إلى ظاهرة، وما هي الحلول المقترحة. المشاركون تناولوا الموضوع بموضوعية، وعندما وصل الأمر إلى الحديث عن هذه الظاهرة في المملكة لاحظت طرح بعض الآراء الانطباعية العاطفية التي ترى أننا أقل الدول في وجود هذه الظاهرة وأننا أفضل من غيرنا على مستوى الدول العربية. هذا الرأي الانطباعي الذي لا يستند إلى دراسة لا يتفق أيضاً مع الآراء التي طرحها المشاركون عن ظاهرة الفساد وتنوعها، وانتشارها. فقد تطرق المشاركون إلى جوانب كثيرة من هذه القضية ومن ذلك مثلاً إساءة استخدام السلطة، والرشوة، والتزوير، وتوظيف غير المؤهلين، وعدم الانتظام في العمل، والواسطة، والاختلاس، والتبذير، وعدم وجود ضوابط للحد من هذه الظاهرة، وعدم تقييم احتياجات البلد من القوى البشرية بما يؤثر سلبياً على سياسة السعودة. أمام هذه الممارسات لابد أن تعتمد على الدراسات وليس على الانطباعات، وهنا أشير إلى الدراسة المذكورة في الندوة التي نشرتها المجلة العربية للإدارة وقام بها الدكتور الشهابي والدكتور منقذ داغد وتوصلا إلى نتيجة وهي أن معظم مرتكبي الفساد هم من الموظفين الشباب لأنهم أكثر ميلاً للمجازفة ولأن غالبية مرتكبي جرائم الفساد هم من حملة المهارات العلمية المتوسطة والدنيا، أما أهل الشهادات الجامعية والماجستير والدكتوراه فإن حساباتهم تكون أكثر دقة في حال عُرض عليهم رشوة، ولكن إذا تسلم شخص سلطة وهو في الحد الأدنى من التعليم فإنه أمام المغريات سيضعف، وأشارت الدراسة أيضاً إلى أنه كلما زادت مدة الخدمة أثر ذلك في سلوك الموظف واستعداده لارتكاب الفساد. هذه دراسة ميدانية نشرتها المنظمة العربية التابعة للجامعة العربية، وسؤالي هنا للمشاركين في الندوة هو عن مجتمع هذه الدراسة؟ وهل مدة الخدمة الطويلة التي تؤثر في استعداد الموظف لارتكاب الفساد تنطبق على صغار الموظفين أم على الجميع؟ الرأي الانطباعي الثاني الذي طرحه أحد المشاركين في الندوة هو القول بأن عدم الاهتمام بالنظام والدوام في القطاع الحكومي مظاهر فساد بيروقراطي إداري لا يوجد في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع العام. إن النظرة الشمولية لهذه القضية هي نظرة للمجتمع بكل قطاعاته، فالقطاع العام لا يعمل بمعزل عن القطاع الخاص، والعكس صحيح. من الناحية التنظيمية هناك جهات معنية بقضية الرقابة، المتابعة، وضبط حالات الفساد الإداري وهي كما أشارت الندوة بحاجة إلى تفعيل المتابعة، وتطوير ضوابطها وأساليبها في تطبيق النظام وفي التعامل مع حالات الفساد الإداري. أعود مرة أخرى إلى الدراسات المقارنة فأجد الأستاذ سليمان الجريش قد نشر دراسة ميدانية توصل فيها إلى أن المملكة تعتبر من أقل الدول في الفساد الإداري لسببين أولهما الجانب الديني، والجانب الثاني هو كبر المسؤولية مع كبر حجم الوظيفة. هذه الدراسة تحتاج إلى مزيد من الإضاءة حول تاريخها ومنهجيتها، والمجتمع البحثي الذي طبقت عليه، وهل المجتمعات الأخرى المقارنة في هذه الدراسة لا يتوفر فيها الجانب الديني؟ نتطلع إلى تطبيق المقترحات التي طرحها المشاركون في الندوة وهي كلها مقترحات جيدة كما نتطلع إلى تفعيل الأنظمة والضوابط القائمة حول هذه القضية، كما نتطلع إلى نظام حماية المال العام المعروض للدراسة في مجلس الشورى حتى لا نستمر في اعتبار الفساد الإداري من الجرائم المجهولة وهل فعلاً هو كذلك رغم وجود الأنظمة والأجهزة الرقابية، والضوابط التي تحكم هذا الموضوع؟ [email protected]