القصائد فقط هي ما وصلنا من إرث الشعراء الشعبيين القدماء، أما سوى ذلك من جوانب حياتهم والمؤثرات الحقيقية في تجاربهم وآرائهم في عملية إبداع الشعر ومواقفهم من النقد ومستوى التلقي لأشعارهم فلا نكاد نعرف عنها إلا بعض الملامح التي نُقلت إلينا في الغالب عن طريق الرواية الشفهية التي لا تتسم بالدقة وتتجه قبل كل شيء للاهتمام بالنص الشعري، ولا يقتصر غياب جوانب سيرة أو حياة أولئك الشعراء على الذين لم يتلقوا التعليم فقط، فحتى الشعراء الذين أوتوا نصيباً جيداً من التعليم والثقافة لم يحرصوا على كتابة سيرهم الذاتية بقدر ما حرصوا على إبداع القصيدة وتجويدها وإشاعتها بين الناس، ويُقابل ذلك حرص عدد كبير من الشعراء العرب - الذين نظموا الشعر الفصيح - على كتابة سيرهم الذاتية العامة أو الشعرية التي يجد فيها المتلقي إشباعاً لفضوله بمعرفة جوانب أخرى غائبة في حياة الشاعر الذي يعشق إبداعه ويحرص على معرفة كل ما له تأثير في تكوين تجربته وصقل موهبته، وقد صدرت لشعراء العربية المبدعين كنزار قباني والجواهري وفدوى طوقان وغازي القصيبي –على سبيل المثال لا الحصر- سير ممتعة وجديرة بالاطلاع. ورغم غياب كتابة السيرة الذاتية أو الشعرية عن اهتمام الشعراء الشعبيين في الماضي والحاضر إلا أن بعض القنوات الفضائية الشعرية حاولت تغطية القصور في هذا الجانب المهم والمغيب بإنتاج برامج خاصة تستعرض حياة بعض الشعراء الأعلام الراحلين، وعُرضت بعض البرامج الرائعة التي تحاور أحفاد الشعراء أو من لهم علاقة أو معرفة جيدة بهم وبإنتاجهم الشعري كبرنامج: (رواد وأحفاد) وبرنامج (رحلة في وجدان شاعر) وغيرهما من البرامج، وكذلك لفت نظري خلال الفترة الماضية برنامج (عمالقة الشعر) الذي سعى خلاله الإعلامي القدير ناصر المجماج لاستضافة الشعراء الشعبيين الكبار من أمثال: (محمد الخس وعبدالله بن عون وعيد بن مربح ورضا طارف الشمري وفلاح المبرد ورشيد الزلامي ...) وحاورهم في مسائل شعرية ونقدية متنوعة، وميزة هذا البرنامج هو أن الآراء والأحكام التي يُدلي بها الشعراء فيه تتسم بالموضوعية والعمق بحكم الخبرة والتجربة الطويلة لهم، وكذلك لكونه يساهم من خلال طرحه العميق والبعيد عن الإثارة أو محاولة جذب أضواء الإعلام - كما يحدث في حوارات الشعراء الشباب - في تسجيل وحفظ آراء هؤلاء الشعراء وشهاداتهم حول قضايا الشعر والنقد والإبداع. أظن أن مثل هذا البرنامج وغيره من البرامج الجيدة من حيث اختيار الشعراء وجدية الطرح تُساهم بشكل جيد في تعويض غياب موضوع السيرة من ساحة الشعر الشعبي، فالاطلاع على سيرة الشاعر لا يُقصد منه إشباع فضول المتلقي فحسب، بل سيساعد بشكل كبير في الاقتراب من تجربة الشاعر وفهمها وقراءتها بشكل أفضل. أخيراً يقول عبدالله الكايد: تبي تشوف الضياع بصورته شفني شف يا عيوني، عيوني، تعرف أوضاعي من دون داعي تعانق دمعتي جفني وشلون لا صار يوم وداعك الداعي؟!