ظلت ناتالي ترايس (37 عاما) وخطيبها اوليفر يتشاجران باستمرار حتى قبيل 6 أشهر على موعد زفافهما، وصارت أمسياتهما مترعة بالأحزان وكانت الدموع تنهمر غزيرة من مآقيها وكأنها تحاول بها غسل وقع لهجته الحادة. وعلى الرغم من انه من الطبيعي أن تقع خلافات بين الخطيبين بفعل ضغوط الاستعدادات لأجمل يوم في حياتهما، إلا أن ناتالي وأوليفر لم يكونا يتشاجران حول مكان إقامة حفل الزفاف أو الميزانية اللازمة لذلك، بل بسبب أنها كانت تتعرض لاستضعاف شديد في أماكن العمل. وليس ثمة ما يدهش في أن الاستضعاف في أماكن العمل يسفر عن إصابة الشخص المستهدف بتدن في روحه المعنوية، بينما أشارت الدراسات عن انه مسؤول بما يتراوح بين 30 إلى 50 بالمئة عن الأمراض ذات الصلة بالتوتر والإجهاد العصبي في أماكن العمل. ثم هناك الفاقد الاقتصادي حيث أن المئات من أيام العمل تضيع كل عام بسبب الغياب الناتج عن الاستضعاف. غير أن دراسة جديدة توضح أن الاستضعاف في أماكن العمل يمكن أن يضع جبالا من التوتر على العلاقة الزوجية، ويفقد المنزل صفته كواحة للحب والمودة والوئام والدعم المتبادل. هذا ما حدث لناتالي برايس التي تعرضت لاستضعاف واستئساد مستمر من قبل رئيسها المباشر في شركة دولية كان يستهدفها كلما خالفته في الرأي تجاه مسألة ما حتى عندما تكون على حق. وشن ذلك الرئيس حملة كراهية ضد برايس عبر البريد الالكتروني والهاتف وكل الوسائل الأخرى التي توافرت لديه وشكك في استقامتها وقدرتها على أداء عملها وكان يحط من قدرها أمام جميع زملائها، من صغار الموظفين الذين كانوا يطلعونها على ما يحدث من وراء ظهرها، إلى كبار التنفيذيين بالشركة. وبدأت ثقة برايس في نفسها تتضعضع تحت وطأة الاستضعاف المستمر ورفض إدارة الموارد البشرية في البداية اتخاذ أي إجراء ضد الزميل المستأسد، وكانت تبكي بحرقة في طريقها من والى العمل، وتعيش في قلق دائم. أما في البيت فقد أصبحت انطوائية وخجولة وتتجنب المناسبات الاجتماعية. وكان لا بد لكل ذلك من أن يُحدث ضررا بليغا بعلاقة برايس بخطيبها- وهو زوجها الآن. وبنزعة حمائية ممزوجة بالغضب طلب منها خطيبها أن تستقيل، مما أجج الخلاف بينهما. فقد رفضت برايس مبدأ الاستقالة باعتبار أنها لم ترتكب أي خطأ وأنها سوف تناضل بكل قوة لتطهير اسمها. وتطور الأمر إلى مشاجرات تغذت بالكثير من الغضب والإجهاد العصبي وأصبحت برايس تثور وتفقد صوابها لأتفه الأسباب في المنزل، وفقدت شهيتها للطعام وباتت تنتابها نوبات من الفزع.. ولكن في النهاية برق ضوء أنار الظلمة الكالحة في علاقتهما عندما أدركا أن عليهما أن يتحدا ويتكاتفا معا. ووافق أوليفر على استمرار برايس في عملها بينما وافقت هي على الاستعانة بمحام. وأخيرا تم فصل الرئيس المستأسد من الشركة بينما استقالت برايس طائعة بعد مضي عام، استعدادا لإنجاب طفلها الأول، وعقب الولادة أصيبت باكتئاب ما بعد الولادة. وترى سارة هاميلتون- فيرلي، الرئيس التنفيذي بمؤسسة الاستشارات الاجتماعية البريطانية "Start Here"( ابدأ من هنا) إن الاستضعاف في أماكن العمل يظهر في شكل تحقير شفهي وعملي سوى بطريقة شخصية أو عبر البريد الالكتروني أو الرسائل النصية أو من خلال الإقصاء والصد أو الإضرار بالضحية والإيقاع به. وفي بعض الأحيان يأخذ الاستضعاف شكلا أعمق يتمثل في حجب الترقية أو زيادة الراتب، وقد يضعف ثقة الضحية في نفسه مما يؤثر على أدائه لعمله ويصيبه بالأمراض ويعيقه عن عقد صداقات وإقامة علاقات أسرية ورومانسية. وإذا كان الحظ قد حالف برايس ومكنها من إنقاذ زواجها، رغم أن الاستضعاف قد زلزل كيانها، إلا أنه عاند أخريات من أمثال تاسمين فيذرستون، التي تعرضت للاستضعاف أثناء عملها كمديرة تسويق بشركة دولية للأغذية. فقد أخفقت في إنقاذ زواجها الذي استمر خمس سنوات. وتروي تاسمين (37 عاما) مأساتها قائلة إن الاستضعاف من قبل زميلتين اكبر منها رتبة وظيفية بدأ عام 2008 واحدث شرخا كبيرا في علاقتها بزوجها ما أدى إلى طلاقها منذ عامين. وتضيف تاسمين قائلة إن وظيفتيهما كانت تأخذ منهما الكثير من الوقت، حيث كان الزوج يعمل مديرا لشركة عقارية دولية الأمر الذي أضاف الكثير من التوتر على زواجهما. وتسبب الضرر النفسي المتراكم الناجم عن الاستضعاف على مدى ستة أشهر في تبديد إحساسها بقيمتها الذاتية. وتشرح تاسمين حالتها الصحية قائلة، " فقدت 6 كيلوغرامات من وزني ولم أكن أنام جيدا. والشخص الوحيد الذي توقعت أن يواسيني - وهو زوجي توم- كان مشغولا عني باجتماعاته الكثيرة ومتطلبات عمله إلى حد انه لم يكن يتيح لي أن يناقشني في ما اشعر به. وكل ما نصحني به هو أن أتحمل، الأمر الذي جعلني أكثر تعاسة. ثم انفجر في وجهي قائلا انه يكفيه ما هو فيه من متاعب في عمله. ولم يكن الاستضعاف السبب الرئيس في انهيار زواجي ولكن من المؤكد انه كان القشة التي قصمت ظهر البعير." وترى باولا هول، المستشارة بشركة "ريليت" للعلاقات الاجتماعية أن الفارق في مواقف الرجال والنساء تجاه الاستضعاف هو الذي يدق اسفينا في العلاقة بينهما، وتوضح قائلة: "المرأة في اغلب الأحوال تصير مستاءة إلى حد لا يصدق في حين أن شريك حياتها يكون حمائيا ويلجأ إلى مدخل إما ابيض وإما اسود حيث غالبا ما يركز على ضرورة أن تترك عملها أو أن تصمد وتقاوم." وتضيف هول قائلة، "الاستضعاف يماثل أي أزمة أخرى في الحياة. انه يرغمك على الانسحاب. انك تشعر بأنك لست أنت ومن ثم لا تتصرف كما كنت تتصرف." الرئيس المستأسد قد يدمر صحتك نقل متاعب العمل إلى المنزل قد يسفر عن مثل هذه النتيجة