من الطبيعي جداً، بل من الضروري أيضاً أن يكون الزوجان معاً في السراء والضراء، يواجهان الحياة جنباً إلى جنب بحلوها ومرها، في الغنى والفقر، في الصحة والمرض.. لكن هل من الطبيعي أن يكون الزوجان معاً في كل شيء دائماً.. يعملان معاً، يأكلان معاً، يشربان معاً، يلهوان معاً، ينامان في وقت واحد ويستيقظان معاً، يمارسان معاً هوايات مشتركة، يحبان معاً الأشياء والأشخاص ذاتهم، ويكرهان معاً الأصناف الغذائية ذاتها، يتابعان معاً البرامج التلفزيونية ذاتها ويتجنبان معاً برامج بعينها.. تتطابق آراؤهما حول كل شيء.. وفوق هذا وذاك يجب ألا يشعرا بالملل ولا تعرف الخلافات طريقها إليهما!! هل هذا معقول؟ مستحيل بالطبع.. فالإنسان إحساس ومشاعر، يحب ويكره، ويتوق بين الوقت والآخر الى الاختلاء بنفسه، والابتعاد لو مؤقتاً عن أقرب الناس إلى نفسه. إنها قواعد الزواج التي يتمسك بها البعض وتنتهي بهم وبمن يقبل نصائحهم إلى محاكم الطلاق.. قواعد قديمة يجب أن يتجاوزها ويتجاهلها كل من يبحث عن السعادة الزوجية. لا يكفي القول ان آباءنا وأمهاتنا اتبعوا تلك القواعد وعاشوا «في سبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات» كما يقال في الأمثال، بل لا بد من البحث والتقصي حتى نعرف أن بعض هذه القواعد هي أقصر الطرق إلى دمار البيوت وتفسخ العائلات. ليس هذا فقط، بل إن بعض المتخصصين في شؤون الأسرة والسعادة الزوجية يعتبرون كسر بعض المفاهيم التي كانت سائدة في الماضي الحل الأفضل للكثير من المشاكل الأسرية في هذا الزمن. وفي ما يلي بعض القواعد التي يتعيّن كسرها بكل ثقة، كما تقول الدكتورة الأميركية باربرا بارتلاين، وهي عالمة نفسية معروفة ومؤلفة العديد من الكتب عن أسرار السعادة الزوجية: لا تنم وأنت غاضب لا أحد يعرف بالضبط من أين جاءت هذه الحكمة القديمة، وما أصلها.. ربما هي دعوة دينية قبل آلاف السنين بألا تنتظر حتى غروب الشمس لكي تحل مشاكلك وتنسى غضبك. لكن ألا تعتقد أن محاولة حل أي مشكلة وأنت في غاية التعب والإرهاق وربما التوتر لن يكون بالأمر السهل أو حتى الممكن؟ فلماذا لا تترك هذه المشكلة إلى وقت آخر كما تقول الدكتورة الأميركية المتخصصة في علم النفس إليزابيث لومباردو، وهي مؤلفة العديد من الكتب عن السعادة الزوجية وفن إدارة الخلافات. وتضيف أن الحل الأفضل هو الاتفاق على حق الاختلاف تطبيقاً للنظرية القائلة ان الخلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية.. وفي الإمكان مناقشة أي مشكلة حول فنجان من القهوة عندما تهدأ النفوس بعيداً عن التوتر . الأمانة والصدق.. أحيانا! رائع جداً أن تتسم العلاقة بين الزوجين بالأمانة والصدق، لكن ألا تعتقد أن الأمانة الزائدة عن الحد يمكن أن تخرب البيت أحياناً؟ تصور أن يتسم الزوج بالأمانة، فيروح يسرد بكل صدق تفاصيل مغامرات العزوبية.. هل سيمر الموضوع من دون ردود فعل غاضبة وربما متفجرة من جانب الزوجة؟ وماذا سيكون رد فعل الزوج الهمام إذا كانت الزوجة صادقة تماماً وراحت تسرد تلك الذكريات الحلوة عن الماضي الجميل؟ تقول عالمة النفس باربرا بارتلاين في كتابها «لماذا تزوجتك؟» إن الصدق الكامل يجر صدقاً كاملاً من الطرف الآخر.. فهل العلاقة الزوجية قوية بما فيه الكفاية لتتحمل تبادلاً للقصف بالمدفعية الثقيلة من هذا النوع؟ القصف يجر القصف.. والمقارنة تتبعها المقارنة، ولا أحد يعرف كيف يمكن لحرب الصدق والأمانة الكاملتين أن تنتهي. المهم في مثل هذه الأمور أن يتصرف الزوجان بكل حكمة، ويراعي كل منهما مشاعر الآخر، ولا يسمح للصدق والأمانة الزائدتين بخدش مشاعر وأحاسيس شريك العمر. الإجازة.. مشتركة أو منفصلة؟ الاعتقاد السائد بين الغالبية أن يقضي الزوجان الإجازة معاً.. لكن السؤال: أين الحكمة في ذلك؟ الإجازة هي الاستمتاع بالوقت بعيداً عن العمل وهمومه وروتين الحياة اليومية ومشاكلها. والاستمتاع بالإجازة يختلف بين شخص وآخر، فلكل من الزوجين هواياته وأولوياته أيضاً.. فهو يريد قضاء أطول فترة ممكنة في البحر مثلاً، في حين تتمنى الزوجة قضاء إجازتها في أحضان الطبيعة، أو العكس.. هو يريد السهر حتى الفجر، في حين أنها تريد الاستمتاع بقراءة كتاب أو متابعة برنامج تلفزيوني.. هو يريد زيارة الأهل والأصدقاء، وهي تريد الاستمتاع بالإجازة بعيداً عن الأهل والأصدقاء. يقول المتخصصون ان مفهوم الإجازة يختلف بين شخص وآخر، وليس من الضروري أن تتوافق الأمزجة في موضوع الإجازة بين الزوجين. ليس هذا فقط، فمن المهم جداً لكل من الزوجين أن يدرك أن الحياة يمكن أن تستمر من دونه، وأنه ليس مركز الكون، وأن شريك العمر لن يموت إذا غاب عنه طوال فترة الإجازة. لكن الدكتورة بارتلاين تؤكد نقطة في غاية الأهمية حين تقول ان الإجازة المنفصلة للزوجين مفيدة وضرورية بشرط ألا تصبح عادة. فالإجازة المشتركة فرصة لتجديد العلاقة حين يعتبرها الزوجان شهر عسل ثانياً. الاختلاف لا يعني الطلاق كل النظريات تؤكد أن الخلافات الزوجية ضرورية مادامت بقيت في حدود العقل والمنطق، فهي مثل الملح والبهار بالنسبة للطعام الذي لا يطيب مذاقه من دونهما. ليس هذا فقط، فالدراسات الحديثة أثبتت أن المتزوجين الذين يتجنبون الخلافات اعتقاداً أنها تؤدي إلى الطلاق، يواجهون احتمالات الطلاق أكثر من الأزواج الذين يختلفون ويتشاجرون، بشرط التعامل مع الاختلافات بفن وذوق وأخلاق. تقول الدكتورة بارتلاين ان المتزوجين في حاجة الى العثور على طريقة صحية للتعبير عن خلافاتهم، بشرط أن يوصلهم الاختلاف إلى حلول مقبولة للمشاكل التي تجري مناقشتها. النقاش الصحي هو الذي لا يتضمن تبادل الاتهامات واللوم أو الكلمات النابية، بل هو نقاش يراعي الاحترام المتبادل ولا يؤذي المشاعر. الأولوية للأطفال تقول الدكتورة لومباردو ان الخطأ الكبير الذي يقع فيه معظم المتزوجين هو أنهم يضعون علاقاتهم في الثلاجة، أو على الرف.. يركزون كل وقتهم وجهدهم وتفكيرهم للأطفال وينسون أنفسهم لكي يكونوا آباء وأمهات مثاليين. فالمتزوجون الذي يعطون الأولوية للعلاقة الزوجية لا يفيدون أنفسهم فقط بل يفيدون أطفالهم أيضاً. وتضيف أن الطفل في حاجة ماسة لأن يدرك أن العلاقة بين أبيه وأمه يحكمها الحب والتفاهم والترابط، فمثل هذه العلاقة تشعره بالأمان. وعلى هذا الأساس لا بد للزوجين من تخصيص وقت لهما فقط بعيداً عن الأطفال ومشاكل الحياة اليومية.. وقت لممارسة هواية مشتركة مثلاً أو لمجرد الاستمتاع بوقتهما معاً.. فالأطفال لن يموتوا من الجوع، والدنيا لن تنقلب رأساً على عقب إذا تأجل حل تلك المشاكل ساعة أو اثنتين.. أو حتى يوما أو اثنين. النوم في غرف منفصلة لماذا لا يتعامل المتزوجون بصراحة في مثل هذه الأمور.. أحدهم يشخر أثناء النوم والآخر لا يحتمل الشخير.. أحدهم يريد النوم مبكراً والآخر يعشق القراءة الليلية فيبقي الإضاءة اللازمة لكي يرى.. أحدهم يهوى متابعة الإنترنت قبل النوم والآخر يريد الاستيقاظ مبكراً إلى عمله.. أحدهم يتحرك ويتقلب على السرير أثناء النوم والآخر لا يستطيع النوم وسط عواصف السرير. يقول المتخصصون ان الاعتقاد أن على الزوجين النوم دائماً في غرفة واحدة فيه خطأ كبير وظلم فادح بحق أحدهما أو كليهما. فأين الضرر إذا ناما في غرفتين منفصلتين بين الحين والآخر؟ فقضاء ليلة هانئة مسألة في غاية الأهمية للجسم وللعقل معاً، بل تؤكد الدكتورة لومباردو أيضاً أن النوم الهانئ مهم جداً للزواج الناجح والسعيد، بشرط أن يدرك الزوجان أن النوم في سريرين منفصلين أو حتى في غرفتين منفصلتين لا يعني في أي حال من الأحوال أن احدهما يتجنب الآخر. هوايات الزوجين ليس من الضروري دائماً أن تكون للزوجين الهوايات ذاتها، بل إن ذلك مدعاة للملل في معظم الأحيان. اختلاف الهوايات، ضمن حدود المعقول، مسألة ضرورية وصحية للزواج الناجح.. لكن بشرط ألا تتضارب تلك الهوايات. وعلى الرغم من أهمية أن يشترك الزوجان في ممارسة هواية أو أكثر، فمن غير المعقول أن يتخلى أحدهما عن كل هواياته من أجل إرضاء شريك حياته اعتقاداً أن ذلك يقوي العلاقة الزوجية. يقول المتخصصون ان الهواية تصبح مع الأيام كأنها جزء من الشخصية، وبالتالي فالتخلي عنها أشبه بالتخلي عن الذات.. فيه ذوبان للشخصية وفيه تخل عن الاستقلال. والمشكلة كما تقول الدكتورة لومباردو أن المرء حين يشعر بفقدان الاستقلال، يسيطر عليه شعور بأنه في سجن كبير اسمه الزواج. وتنصح هذه المتخصصة كل المتزوجين بأن يتفقوا على ممارسة هواية مشتركة أو أكثر مع الحفاظ على بعض الهوايات المنفصلة لممارستها بين الحين والآخر، وبشرط أن يحترم كل منهما هوايات الطرف الاخر أن يعتبرها موضوعاً للتندر والفكاهة. جذوة الحب من المهم جداً أن يعرف الجميع أن شعلة الحب لا تكفي وحدها لأن يستمر الزواج السعيد. فمشاعر الحب الحقيقي لا بد من أن تولد الالتزام والمودة والثقة بين الزوجين، ومن دون هذا الثلاثي لا يمكن أن يستمر الحب. ليس هذا فقط، فالثقة والمودة بين الزوجين تقويان الحب وتجعلان منه رابطة أبدية. لكن المشكلة بين بعض المتزوجين هي الاعتقاد بضرورة البحث عن حب جديد وحياة جديدة بمجرد أن تخبو جذوة الحب، ويتجاهل هؤلاء حقيقة انعدام المودة والثقة بينهم. الخطأ الكبير يكمن في اعتقاد البعض أن شعلة الحب أبدية لا يمكن أن تنطفئ، أو أن الحب وحده يكفي للحياة السعيدة، من دون أن يكلف هؤلاء أنفسهم مشقة الحفاظ على تلك الشعلة بالثقة والمودة والإخلاص.