سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فضل صيام 6 أيام من شوال
اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا (1/2)

المخضرم من الناس هو من عاش في عصرين مختلفين في الاتجاه الملكي. كمن عاش في الجاهلية والإسلام وبلادنا مضى عليها مائة عام منذ عام 1330ه إلى 1430ه كانت في النصف الأول من هذا القرن لا تختلف الحياة فيها من حيث الأخلاق والاعتقاد والإيمان والتمسك والتعامل عما كانت عليه قبل قرون، أما النصف الآخر فقد اختلفت الحياة بمختلف أحوالها واصنافها وأجناسها وطوائفها في الحياة العامة وفي الفكر وفي الاتجاه وفي التطور، وقد كان لوسائل الإعلام والاتصال والانفتاح على العالم أثره الجلي في ذلك يدرك هذا تمام الإدراك أكثر المخضرمين من مواطنيها ممن عاشوا العصرين ورأوا الفرق في الاتجاه والتطور والتغيّر بين الفترتين ومن المخضرمين من مواطني بلادنا كاتبكم معشر القراء، فلقد مارست الحياة في بلادي قبل خمسين عاماً ومارستها في المدة التالية للمدة السابقة ورأيت الفرق العظيم في الحياة في المرتين كانت الحياة في المدة الأولى وما قبلها حياة رتيبة ثابتة في أخلاقها وعقيدتها وإيمانها وأمنها واستقرارها وقناعتها ثم تحولت الحياة في الفترة الأخيرة حتى تاريخ إعداد هذه الكتابة إلى ثورة عارمة على الحياة السابقة على أخلافها ومسالكها وإيمانها وحتى التشكيك في بعض أحكام دينها.
ولست الآن في مجال استعراض الفوارق بين الفترتين فهذا موضوع يحتاج إلى رسالة جامعية عليا. ولكني أريد التحدث من كثير من التأوه والتحسر على التفريط في مقدساتنا الشرعية لا سيما المتعلقة بالعبادات ومسائل الاعتقاد.
فلقد كنا في السابق مع علمائنا وفقهائنا وأهل التقوى والصلاح من عامة الناس مقتدين بأسلافنا الصالحين في عباداتنا من صلاة وصوم وطهارة واعتقاد وعمل دون النظر إلى ما في أحكام هذه العبادات من أقوال مخالفة مرجوحة أو ضعيفة أو شاذة أو خلافات مذهبية فلا يتردد أحدنا في أن صلاة الجماعة واجبة وأنه لا يتخلف عنها إلا مشكوك في صلاحه واستقامته وإيمانه.. وكذلك كانت صلاة التراويح وفق تنظيم وترتيب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عشرين ركعة يتبعها الشفع والوتر فتغيرت الحال واختصرت الصلاة وكانت الأضحية عن الميت من القرب التي يتقرب بها إلى الله لصلة الميت وجاء من يقول بانكار ذلك وبدعيته وكان الترخص برخص السفر يكون في حال أن المسافر يحتاج إلى التيسير ورفع الحرج فله قيود وحدود وضوابط ولا يكون من أحوال أن يكون السفر لعدة أشهر أو سنوات وجاء من يقول للمسافر تمتع برخص السفر ولو سنين وكذلك الأمر في صيام ست من شوال وأن ذلك سنة مؤكدة مبينة مشروعيتها على نصوص صريحة صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم جاء من يقول ويقول ويشكك في هذه الأحكام الشرعية المتلقاة من الأمة بالقبول والاعتماد فجاء من يقول بأن القول بالوجوب غير صحيح وإنما هو مستحب أو جائز وقد يصل للقول بتبديع ما ثبتت مشروعيته وباختصار عبادة كان الناس يرون التعبد بها من قواعد الدين. وبالقول بأن المسافر للدراسة أو العمل له الحق بالترخص برخص السفر ولو طال هذا السفر سنين عديدة إلى آخر ما في التجاوزات من هفوات أخذت بتفكيك عرى الدين عروة عروة.
وآخر ما أصبنا به كتابة الأستاذ نجيب اليماني في أحد مواقع الانترنت من قوله بأن صياح ست من شوال بدعة وذريعة إلى الزيادة على صيام رمضان وأن القول بمشروعية صيامها على سبيل الاستحباب معتمد على حديث في اسناده سعد بن سعيد وهو ضعيف لدى مجموعة من أهل الحديث وأن الإمام مالك يكره صيامه وهذا القول في الأسناد اليماني قول قديم نشره قبل خمس سنوات في صحيفة الوطن ورد عليه معالي الدكتور الشيخ سعد الشثري برد شافٍ ومقنع.
ونظراً إلى أن وازع الإيمان قد ضعف في النفوس إلا من عصم الله وصار الناس يتطلعون إلى النظر والتشكيك في مسالك ومناهج السلف الصالح المتميزة بالتقوى والصلاح والحرص على قوة الوسائل الموصلة إلى مرضاة رب العالمين. فالتفت بعضهم إلى نعيق هذا الناعق فصار لزاماً على علمائنا الأفاضل التصدي إلى هذا الاتجاه الآثم في تجريم سنة إبي القاسم صلى الله عليه وسلم في مشروعية صيام ست من شوال على سبيل الاستحباب. وبجهد مقل أدلي بدلوي في الرد على الأستاذ اليماني - هداه الله - فمن أكد صياح التطوع صيام ست من شوال لما في صحيح مسلم عن إبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله. رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي. وقد قال بهذا الشافعي وأحمد وداود والعترة من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم. وتلقت الأمة هذا بالقبول والعمل. وقد انفرد عن هذا القول مخالفاً أبو حنيفة ومالك بحجة أن حديث أبي ايوب في اسناده سعد بن سعيد وقد ضعفه بعض رجال الحديث واستدل على كراهة صومها بأنه يخشى أن تضاف زيادة على رمضان وما ذكره مالك رحمه الله مردود بجملة أمور:
أولًا: الحديث صحيح أخرجه الجماعة ما عدا البخاري والنسائي وممن أخرجه الإمام مسلم وقد قال مجموعة من أهل الحديث ورجاله وعلمائه: إن ما يخرجه الشيخان البخاري ومسلم قد تجاوز القنطرة. فلا يُسأل عن اسناد ما يخرجان. وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه. وفي إسناده سعد بن سعيد ولم يكن سعد في الاسناد سبباً لرفض رواية ولابن القيم رحمه الله في تهذيب معالم السنن كلام طويل في الرد على من رفض الأخذ بالحديث لوجود سعد بن سعيد في إسناده.. وسأورد كلامه رحمه الله في موضعه من هذا الرد..
ثانياً: الإمام مالك رحمه الله إمام من أكبر أئمتنا في الإسلام وهو إمام أهل السنة وأهل المدينة وبالرغم من ذلك فهو رحمه الله ممن يصدق عليه قوله المأثور عنه: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر ويعني مالك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وللإمام مالك رحمه الله مجموعة أمور قال بها وهي مردودة عليه وردها عليه لا يؤثر على مكانته العليا في الإمامة والتقوى والصلاح ومن الأمرور المردودة عليه:
1 - ما ذكره أن الوقوف بعرفة للحاج حتى غروب الشمس ركن من أركان الحج وأن من وقف بها ودفع منها قبل غروب الشمس فلا حج له فهذا القول من مفرداته رحمه الله ولم يقل به أحد من أهل العلم. قال ابن المنذر وهو أحد أًصحابه قول مالك هذه لم يقل به أحد من علماء المسلمين.. وفضلاً عن ذلك فهو معارض للأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها مَنْ وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه.
ثانياً: الأمام مالك لا يرى خيار المجلس وقد روى في موطنه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا. فقوله هذا رد صريح لهذه السنة الصحيحة الثابتة بهذا الاسناذ الذهبي - مالك عن نافع عن ابن عمر - ويروى أن ابن أبي ذئب قال: أرى أن رد مالك لهذا الحديث ومقتضاه موجب لاستتابته.
3 - رده السنة في صيام ست من شوال ومشروعيتها الاستحبابية وهي مستندة على مجموعة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواها مجموعة من أهل الصحاح والمسانيد والسنن ومنهم الإمام مسلم. فنحن نحترم الإمام مالك ونعترف له بإمامته وأخذه بقصب السبق في الإمامة ولكننا نطبق عليه قوله: كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر. فنأخذ منه ما وافق الكتاب والسنة ونترك من أقواله ما خالفهما.
وأماالاحتجاج على كراهة صوم يوم ست من شوال بأن ذلك يخشى أن تدخل ضمن أيام شهر رمضان فقد كفاه رسول الهدى والرحمة فيما بلغه صلى الله عليه وسلم عن ربه في حماية شهر رمضان من الزيادة أو النقصان فقال صلى الله عليه وسلم عن بداية شهر رمضان: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم. فهذا حماية لرمضان عند ابتدائه وحرم صلى الله عليه وسلم صوم يوم العيد بعد انتهاء رمضان وهذا حماية لنهايته فكيف يكون تصور زيادة على شهر رمضان والحال أنه محوط من بدايته ونهايته بما يحصر الصوم في شهره دون زيادة أو نقص.
وفيما يلي بعض من أقوال أهل العلم في فضل صيام ست من شوال ومستند ذلك من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والرد على منكري هذه السنة أو القائلين ببدعيتها.
1 - جاء في سنن الترمذي وتهذيب معالم السنن لابن القيم ما نصه:
في فضل صيام ستة أيام من شوال
عن أبي أيوب - صاحب النبي صلى الله عليه وسلم - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال، فكأنما صام الدهر».
وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة. وقيل: معناه: إن الحسنة لما كانت بعشر أمثالها كان مبلغ ما حصل له من الحسنات في صوم الشهر والأيام الستة: ثلاثمائة وستين حسنة عدد أيام السنة. فكأنه صام سنة كامل، وهذا قد جاء مفسراً في حديث ثوبان، مولى رسول الله لصلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين. فذلك صوم سنة» وفي لفظ «جعل الله عز وجل الحسنة بعشر - فذكره» أخرجه النسائي. وإسناده حسن. وأخذ به جماعة.
قال الحافظ شمس الدين: هذ الحديث قد اختلف فيه، فأورده مسلم في صحيحه. وضعفه غيره، وقال: هو من رواية سعد بن سعيد أخي يحيى بن سعيد، قال النسائي في سننه: سعد بن سعيد ضعيف، كذلك قال أحمد بن حنبل: يحيى بن سعيد: الثقة المأمون، أحد الأئمة، وعبد ربه بن سعيد لا بأس به، وسعد بن سعيد ثالثهم ضعيف. وذكر عبدالله بن الزبير الحميدي هذا الحديث في مسنده. وقال: الصحيح موقوفاً. وقد روى الإخوة الثلاثة هذا الحديث عن عمر بن ثابت.
فمسلم أورده من رواية سعد بن سعيد. ورواه النسائي من حديثه مرفوعاً، ومن حديث عبد ربه بن سعيد موقوفاً. رواه أيضا من حديث يحيى بن سعيد مرفوعاً. وقد رواه أيضا ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين، فذاك صيام سنة» رواه النسائي، وفي لفظ له أيضاً: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «جعل الله الحسنة بعشرة، فشهر بعشرة أشهر، وستة أيام بعد الفطر تمام السنة» قال الترمذي: وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وثوبان، وقد أعل حديث أبي أيوب من جهة طرقه كلها. أما رواية مسلم فعن سعد بن سعيد، وأما رواية أخيه عبد ربه، فقال النسائي: في عتبة، ليس بالقوي، يعنى رواية عن عبدالملك بن أبي بكر عن يحيى. وأما حديث عبد ربه، فإنما رواه موقوفاً.
وهذه العلل - وإن منعته أن يكون في أعلى درجات الصحيح - فإنها لا توجب وهنه، وقد تابع سعداً ويحيى وعبد ربه عن عمر بن ثابت: عثمان بن عمرو الخزاعي عن عمر، لكن قال: عن عمر عن محمد بن المنكدر عن أبي أيوب. رواه أيضاً صفوان بن سليم عن عمر بن ثابت. ذكره ابن حبان في صحيحه وأبو داود والنسائي، فهؤلاء خمسة: يحيى، وسعيد، وعبد ربه، وبنو سعيد، وصفوان بن سليم، وعثمان بن عمرو الخزاعي، كلهم رووه عن عمر. فالحديث صحيح.
وأما حديث ثوبان: فقد رواه ابن حبان في صحيحه. ولفظه «من صام رمضان وستاً من شوال فقد سام السنة» رواه ابن ماجه. ولفظه «من صام رمضان وستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة، ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها».
وأما حديث جابر: فرواه أحمد في مسنده عن أبي عبدالرحمن المقري عن سعيد بن أبي أيوب عن عمرو بن جابر الحضرمي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعمرو بن جابر ضعيف، ولكن قال أبو حاتم الرازي: هو صالح، له نحو عشرين حديثاً. وقال أبو نعيم الأصفهاني: روى عن عمرو بن دينار ومجاهد عن جابر مثله.
وأما حديث أبي هريرة: فرواه أبو نعيم من حديث ليث بن أبي سليم عن مجاهد عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم. ورواه من حديث عبدالله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو نعيم: ورواه عمرو بن دينار عن عبدالرحمن بن أبي هريرة عن أبيه، ورواه اسماعيل بن رافع عن أبي صالح عن أي هريرة. وهذه الطرق تصلح للاعتبار والاتضاد. وقد احتج أصحاب السنن الأربعة بليث، وقد روى حديث شداد بن أوس، قال عبدالرحمن بن أي حاتم، في كتاب العلل: سمعت أبي، وذكر حديثاً رواه سويد بن عبدالعزيز عن يحيى بن الحرث عن أبي الأشعث الصنعاني عن أبي أسماء عن ثوبان مرفوعاً «من صام رمضان وأتبعه بست من شوال» قال أبي: هذا وهم من سويد قد سمع يحيى بن الحرث هذا الحديث من أبي أسماء، إنما أراد سويد: ما حدثنا صفوان بن صالح أخبرنا مروان الطاطري عن يحيى بن حمزة عن يحيى بن الحرث عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من صام رمضان - الحديث». وهذا اسناد ثقات كلهم، ثم قال ابن أبي حاتم بعد ذلك: سئل أبي عن حديث رواه مروان الطاطري عن يحيى بن حمزة؟ - وذكر هذا الحديث حديث -: شداد بن أوس قال: سمعت أبي يقول: الناس يروون عن يحيى بن الحرث عن أبي أسماء عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت لأبي: أيهما الصحيح؟ قال: جميعاً صحيح. وقال الدارقطني: حدثنا إبراهيم بن محمد الرقي أخبرنا أبو همام أخبرنا يحيى بن حمزة عن اسحق بن عبدالله قال: حدثني سعد بن سعيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من صام ستة أيام بعد الفطر فكأنما صام الدهر كله» ويحيى بن حمزة قاضي دمشق صدوق، وأبو همام الوليد بن شجاع السكوني أخرج له مسلم، وهذا غريب، لعله اشتبه على بعض رواته عمر بن ثابت بعدي بن ثابت وتأكد الوهم فجعله عن البراء بن عازب، لكثرة رواية عدي بن ثابت عنه.
وقد اختلف أهل العلم في القول بموجب هذه الأحاديث. فذهب أكثرهم إلى القول باستحباب صومها. منهم: الشافعي وأحمد وابن المبارك وغيرهم. وكرهها آخرون. منهم: مالك. وقال مطرف: كان مالك يصومها في خاصة نفسه. قال: وإنما كره صومها لئلاً يلحق أهل الجاهلية ذلك برمضان. فأما من رغب في ذلك لما جاء فيه فلم ينهه.
وقد اعترض بعض الناس على هذه الأحاديث باعتراضات، نذكرها ونذكر الجواب عنها إن شاء الله تعالى:
الاعتراض الأول: تضعيفها. قالوا: وأشهرها: حديث أبي أيوب، ومداره على سعد بن سعيد، وهو ضعيف جداً، تركه مالك؛ وأنكر عليه هذا الحديث، وقد ضعفه أحمد، وقال الترمذي: تكلموا فيه من قبل حفظه. وقال النسائي: ليس بالقول، وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج بحديث سعد بن سعيد.
وجواب هذا الاعتراض: أن الحديث قد صححه مسلم وغيره.
وأما قولكم: يدور على سعد بن سعيد، فليس كذلك، بل قد رواه صفوان بن سليم ويحيى بن سعيد، أخو سعد المذكور، وعبد ربه بن سعيد، وعثمان بن عمر الخزاعي.
أما حديث صفوان: فأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان.
وأما حديث يحيى بن سعيد: فرواه النسائي عن هشام بن عمار عن صدقة بن خالد، متفق عليهما، عن عتبة بن أبي حكيم. وثقه الرازيان وابن معين وابن حبان، عن عبدالملك بن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحرث بن هشام، وعبدالملك بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم واسماعيل بن إبراهيم الصائع، ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد عن عمر به.
فإن قيل: فقد رواه حفص بن عياث، وهو أثبت ممن ذكرت، عن يحيى بن سعيد عن أخيه سعد بن سعيد عن عمرو بن ثابت، فدل على أن يحيى بن سعيد لم يروه عن عمر بن ثابت وإلا لما رواه عن أخيه عنه، ورواه اسحق بن أبي فروة عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت عن البراء، فقد اختلف فيه.
قيل: رواية عبدالملك ومن مع عن يحيى بن سعيد، أرجح من رواية حفص بن عياث، لأنهم أتقن وأكثر، وأبعد عن الغلط، ويحتمل أن يكون يحيى سمعه من أخيه، فرواه كذلك، ثم سمعه عن عمر، ولهذا نظائر كثيرة، وقد رواه عبدالله بن لهيعة عن عبد ربه بن سعيد عن أخيه يحيى بن سعيد عن عمر، فإن كان يحيى إنما سمعه من أخيه سعد فقد اتفقت فيه رواية الإخوة الثلاثة له، بعضهم عن بعض.
وأما حديث عبد ربه بن سعيد فذكره البيهقي، وكذلك حديث عثمان بن عمرو الخزاعي. وبالجملة: فلم ينفرد به سعد، سلمنا انفراده، لكنه ثقة صدوق، روى له مسلم، وروي عنه شعبة وسفيان الثوري وابن عيينة وابن جريج وسليمان بن بلال، وهؤلاء أئمة هذا الشأن. وقال أحمد: كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن، قال عبدالله: يعنى في الرجال وبصره بالحدث، وتثبته، وتنقيته للرجال. قال محمد بن سعد: شعبة أول من فتش عن أمر المحدثين، وجانب الضعفاء والمتروكين، وصار علماً يقتدى به، وتبعه عليه بعده أهل العراق.
وأما ما ذكرتكم من تضعيف أحمد والترمذي والنسائي فصحيح.
وأما ما نقلتم عن ابن حبان: فإنما قاله في سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وليس في كتابه غيره، وأما سعد بن سعيد الأنصاري المدني: فإنما ذكره في كتاب الثقات، وقد قال أبو حاتم الرازي عن ابن معين: سعد بن سعيد صالح، وقال محمد بن سعد: ثقة، قليل الحديث، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كان سعد بن سعيد مؤدياً، يعني أنه كان يحفظ ويؤدي ما سمع. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، تقرب من الاستقامة، ولا أرى بحديثه بأساً مقدار ما يرويه، ومثل هذا إنما ينفي ما ينفرد به. أو يخالف به الثقات، فأما إذا لم ينفرد وروى ما رواه الناس فلا يطرح حديثه.
سلمنا ضعفه، لكن مسلم إنما احتج بحديثه لأنه ظهر له أنه لم يخطئ فيه بقرائن ومتابعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.