الست من شوال عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر) (1). وخص شوال لأنه زمن يستدعي الرغبة فيه إلى الطعام لوقوعه عقب الصوم فالصوم حينئذ أشق فثوابه أكثر. وفي حديث ثوبان عنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعد الْفطر فذلك تمام صيام السنة) . يعني رمضان وستة أيام بعده (2). قال الإمام النووي رحمه الله : قال العلماء: وإنما كان كصيام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين. وقال الإمام أحمد: ليس في أحاديث الباب أصح منه. وفي صيام الست من شوال فضائل: 1 إن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله. 2 إن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة.. وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل، فيحتاج إلى ما يجبره من الأعمال. 3 إن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبل عمل عبد، وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها، كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها. 4 إن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، كما سبق ذكره. 5 إن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر، وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا لهذه النعمة، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب، كان النبي يقوم حتى تتورم قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيقول: (أفلا أكون عبدا شكورا). وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره، وغير ذلك من أنواع شكره، فقال: «ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون» [البقرة:185] فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان، وإعانته عليه، ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكرا عقيب ذلك. وكان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهارها صائما، ويجعل صيامه شكرا للتوفيق للقيام. وكان وهيب بن الورد يسأل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه، فيقول: لا تسألوا عن ثوابه، ولكن سلوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر، للتوفيق والإعانة عليه. كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبدا فلا يقدر العباد على القيام بشكر النعم. وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر. حكم صيام الست من شوال صيام الست من شوال مستحب، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وهو المروي عن ابن عباس، وكعب الأحبار، وهو قول طاووس والشعبي وميمون بن مهران وابن المبارك. واستدلوا بالأحاديث المتقدمة في فضلها مما رواه مسلم وغيره. وقد كرهها قوم منهم: مالك وأبو حنيفة معللين ذلك بالخوف من اعتقاد فرضيتها لدى العامة، ومن قل علمه، وبأن فيها مشابهة لأهل الكتاب من حيث الزيادة على شهر الصوم المفروض. ولا وجه لهذا فقد ثبتت السنة بصوم الست من شوال في مسلم وغيره ولو تركنا السنة خوف الزيادة على الفرض في الصوم لتركنا جميع المندوب من صوم عاشوراء وأيام البيض وغير ذلك، وقد قيل إن مالكا كان يصومهما في خاصة نفسه، وقد كان المتأخرون من الأحناف لا يرون بصيامها بأسا. قال ابن عبد البر: لم يبلغ مالكا حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه، والذي كرهه مالك قد بينه وأوضحه خشية أن يضاف إلى فرض رمضان، وأن يسبق ذلك إلى العامة، وكان متحفظا كثير الاحتياط للدين، وأما صوم الستة الأيام على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان فإن مالكا لا يكره ذلك إن شاء الله، لأن الصوم جنة وفضله معلوم، يدع طعامه وشرابه لله، وهو عمل بر وخير، وقد قال تعالى «وافعلوا الخير لعلكم تفلحون»، ومالك لا يجهل شيئا من هذا. صفة صومها: (1) من العلماء من استحب صومها من أول الشهر متتابعة، وهو مذهب الشافعي، وقول ابن المبارك. (2) ومنهم من لم يفرق بين التتابع والتفريق من الشهر كله، وقال هما سواء، وهو مذهب الإمام أحمد، وقول وكيع. (3) إنها لا تصام عقب الفطر مباشرة؛ لأنها أيام توسعة وأكل وشرب، وإنما يصام ثلاثة قبل أيام البيض وأيام البيض أو بعدها، وإليه ذهب معمر وعبد الرزاق. والأمر في ذلك واسع إن شاء الله، ولا تثريب على من فعل أيا من الأقوال الثلاثة. صيام الست لمن عليه قضاء في صحيح مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قَال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر) وظاهره أنه لا يصوم الست من شوال ولا يحصل على فضيلتها وذمته مشغولة بأيام من رمضان أفطرها فلا يستحق هذا الوصف ويتحصل على الأجر إلا من أكمل رمضان، والذي عليه قضاء لا يكون مكملا لرمضان. أن فضيلة صيام الست من شوال حاصلة لمن أفطر رمضان بعذر قالوا: إن صيام الست لها خصوصية وقضاء رمضان موسع فيه، ولا يجب أداؤه في شوال خاصة «فعدة من أيام أخر» والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي قال (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال.........) وهو يعلم أن ذمم كثير من الناس قد تكون مشغولة بالقضاء، ومع ذلك لم يشترط في الحديث بأن يقضي أولا ما عليه. وعلى هذا فمن كانت ذمته مشغولة بقضاء أيام أفطرها بعذر من رمضان يتسع لها شوال مع صيام الست؛ فهذا يستعين الله، ويشمر لأمر ربه، ويقضي ما عليه، ثم يصوم الست، إبراء لذمته وتحصيلا للأجر. ومن كانت ذمته مشغولة بقضاء أيام أفطرها لعذر، ولا يتسع شوال لصيامها مع الست، فهذا ممن حبسه العذر، فيصوم الست أولا تحصيلا لفضلها، ثم يقضي؛ فإنه لم يفطر رمضان إلا لعذر، والأدلة كثيرة على تحصيل المعذور للأجر الكامل طالما حبسه عذر كما في الصحيحين عن أنس بنِ مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنا من الْمدينة فقال: (إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم). قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال: (وهم بالمدينة، حبسهم العذر). صيام الست في غير شوال صيام الست لها اختصاص بشوال من طريقين: أحدهما: أن المراد به الرفق بالمكلف؛ لأنه حديث عهد بالصوم فيكون أسهل عليه، ففي ذكر شوال تنبيه على أن صومها في غيره أفضل، هذا الذي حكاه القرافي من المالكية وهو غريب عجيب. الثاني: أن المقصود به المبادرة بالعمل وانتهاز الفرصة خشية الفوات، قال تعالى: «فاستبقوا الخيرات» [البقرة:148]، وقال: «وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات وَالأرض أعدت للمتقين» [آل عمران:133] وهذا تعليل طائفة من الشافعية وغيرهم. قالوا: ولا يلزم أن يعطى هذا الفضل لمن صامها في غيره لفوات مصلحة المبادرة والمسارعة المحبوبة لله. قالوا: وظاهر الحديث مع هذا القول. ومن ساعده الظاهر فقوله أولى. ولا ريب أنه لا يمكن إلغاء خصوصية شوال وإلا لم يكن لذكره فائدة. وقال آخرون: لما كان صوم رمضان لا بد أن يقع فيه نوع تقصير وتفريط وهضم من حقه وواجبه ندب إلى صوم ستة أيام من شوال جابرة له ومسددة لخلل ما عساه أن يقع فيه؛ فجرت هذه الأيام مجرى سنن الصلوات التي يتنفل بها بعدها جابرة ومكملة وعلى هذا تظهر فائدة اختصاصها بشوال والله أعلم(3). تنبيهات اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية عيدا، كثامن شوال الذي يسميه بعض العامة (عيد الأبرار) هو من البدع الباطلة المنكرة التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها، فإن أعياد المسلمين اثنان لا ثالث لهما. بعض الناس أنه إذا صام الست من شوال في السنة يظن أنه يجب عليه الصيام في كل سنة، وهذا غير صحيح فالأمر بالخيار وفي الأثر (الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر) (4). هناك أحاديث شوالية مشتهرة لا تصح منها: «من صام رمضان وشوالا والأربعاء والخميس دخل الجنة».رواه أحمد وفيه من لم يسم. «من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه مسلمة بن علي الخشني وهو ضعيف. «يكون في رمضان صوت وفي شوال معمعة وفي ذي القعدة تتحارب القبائل وفي ذي الحجة يلتهب الحاج وفي المحرم ينادي مناد من السماء: ألا إن صفوة الله تعالى من خلقه فلان فاسمعوا له وأطيعوا». رواه أبو نعيم عن شهر بن حوشب مرسلا. انظر (المنار المنيف، وكتاب اللآلئ المصنوعة للسيوطي). اللهم تقبل منا صومنا وقيامنا إنك أنت السميع العليم، اللهم اغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم اهدنا إلى سواء السبيل، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم احشرنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم وفقنا لصيام رمضان وقيامه اللهم ارزقنا فيه الخير. 1 رواه مسلم ج2/ص822/ح1164.. والترمذي ج3/ص133/ح759.. وابن ماجه ج1/ص547/ح1715.. وأبو داود ج2/ص324/ح2433. 2 أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ج3/ص298/ح2115.. والنسائي في سننه الكبرى ج2/ص163/ح2860. ج2/ص163/ح2861..والبيهقي في سننه الكبرى ج4/ص293/ح8216.. والدارمي في سننه ج2/ص35/ح1755.. وصححه الألباني. 3 حاشية ابن القيم على سنن أبي داود. 4 أحمد والترمذي والحاكم عن أم هانئ. سلمان العوده