بدأت التغريدات تلامس آذاننا بشكل مسموع، وخاصة في هذا الجزء من العالم، منذ أن بدأ عدد من الشباب الإيراني يستخدمونها عبر حساب "تويتر" لإيصال أصواتهم للعالم حينما قطعت السلطات الإيرانية وسائل التواصل مع العالم بسبب المظاهرات التي أعقبت فوز أحمدي نجاد في صيف 2009م تقريبًا. ومنذ سنتين تقريبًا، صار لموقع تويتر أهمية كبيرة عند جيل الشباب وخاصة بعد الربيع العربي، ثم مالبث هذا الموقع أن اجتذب إليه جميع الشرائح من كبار وصغار، وصار الناس يتسابقون على فتح الحساب في تويتر ويضعون ذلك في كروت العمل، وأصبح للبعض أتباع ومريدون، والبعض يتباهى بعدد التابعين، وربما يضطر أحدهم إلى شراء أتباع لكي ينافس غيره في العدد. ويبدو أننا أمام موضة عاصفة تخصّ الاشتراك في تويتر، لأن عددًا من الناس صاروا يتواصلون عن طريقه ويبثون الأخبار ويتلقون المعلومات وهناك من جعله وسيلة للحوار والأخذ والرد. ويستغرب الناس من الشخص الذي ليس لديه حساب في تويتر، أمثالي، فقد واجهت كثيرًا من التساؤلات حول عدم تواجدي في تويتر، وكنت أجيب بأني لا أملك الوقت الذي يسمح لي بالتغريد، فما بالك بملاحقة تغريدات الآخرين. ولكنْ هناك أسباب أخرى لعدم الحماس للدخول في حيّز التغريد ربما يشاركني آخرون فيها يعود بعضها إلى أن هذا الفضاء الواسع الذي خُصّص في الأصل لتغريدات لا تزيد عن كلمات معدودة صار ساحة للقذائف ومجالاً لكلام بعيد عن تتبع الشخصية، ولم يستطع المشارك التكيّف معه لغويًا فصارت التغريدات متعددة وضاقت عنها المساحة المحددة، فأدّت إلى الصراع بين الفكرة واللغة، ومن هنا نتج عنها قصور في التعبير أدّى إلى سوء فهم. وإذا كانت المساحة المخصصة للتغريدة الواحدة هي مساحة صغيرة، فإن ذلك يتطلب استخدام لغة مكثفة ومختصرة. ولأننا حديثو عهد بالكتابة القصيرة لأن لغتنا العربية ذات نفَسٍ طويل وممتد، فقد وقع البعض في هذا القلق الذي أفضى إلى تقصير في التعبير عن الفكرة المراد إيصالها، ونتج عنه فهم بقية المغردين لذلك التعبير فهمًا حرفيًا دون مراعاة للسياق التقني الذي حتّم على الكاتب عددًا محدودًا من الكلمات. ومن الطبيعي أن تكون الجمل ناقصة كأن تسقط الصفة أو يُحذف المضاف أو يذكر المبتدأ وينسى الخبر، لدرجة تبدو فيها بعض التغريدات أشبه ما تكون بالشعر الحداثي الذي يحتاج السطر فيه إلى أربعة أسطر أخرى لتوضيح المقصود منه. وبسبب الإقبال الكبير من الجمهور على "تويتر"، فقد صار مجالاً ليس فقط للتواصل مع الناس، بل ساحة للصراعات الفكرية والسياسية والتجييش والإثارة، ونتجت عنه أخطاء كثيرة في الاستخدام، كسرقة الحساب أو تزوير حساب باسم شخص معين بهدف الإساءة إليه. ذكر لي أحد الذين سرقت حساباتهم في تويتر أنه لا ينوي العودة إليه مجددًا بسبب ما وجده من غوغاء وانحدار في مستوى التعامل والتفكير لدى عدد ليس قليلاً ممن تواصلوا معهم وغرّدوا قريبًا من أذنه. ويبدو أن الاحتياطات الأمنية والتقنية مطلوبة لملاحقة أيّ شخص يسيء للآخرين في هذا الحساب سواء بانتحال الشخصيات أو سرقة الحسابات أو التهجّم على الآخرين بما يخرج عن حدود الأخلاق والأدب. إن المجتمع أمام تحدّيات كبيرة من بينها مواءمة بعض أفراده بين الحريّة المعطاة من خلال فضاء الإنترنت، وبين القيم الأخلاقية الأصيلة التي تمنع من الإساءة والاعتداء على الآخرين. وإذا كانت التغريدة في مدلولها اللغوي تشير إلى صوت عذب قصير ربما يشوبه الحزن الشاجي، فمن الطبيعي أن تبتعد عن الصوت الحاد المزعج. ومن المتوقع أن تهدأ هذه الفورة مع مرور الزمن وتتنحى الأصوات ذات الإيقاع النشاز تدريجيًا لكي يبقى لنا الاستخدام الصحيح لهذه التقنية المفيدة.