عنوان زاوية هذا السبت مقتبس من عنوان تقرير تشاتام هاوس (أحد أشهر مراكز الدراسات البريطانية غير الربحية) عن البترول في المملكة. لقد وجدت التقرير في بريدي الإليكتروني وكعادتي في قراءة التقارير - سواء الطويلة أو القصيرة - أبحث عن الزبدة في أهم رسومها البيانية فهي تكفي عن قراءة كامل التقرير. التقرير يتكون من أربعين صفحة ولكن كامل الرسالة في جوف الرسم البياني رقم واحد (صفحة 2) بعنوان توازن البترول في السعودية ( سيناريو بقاء الوضع كما هو عليه as usual Business). الرسم البياني يحتوي على رسم توقعات مسار ثلاثة متغيرات بترولية في المملكة هي: إنتاج البترول، واستهلاك البترول، وصادرات البترول من عام 2001 الى عام 2045 كالتالي: أولاً: إنتاج البترول (الخام وسوايل الغاز) سيرتفع تدريجياً من حوالي 10.8 ملايين برميل في اليوم الى أن يصل 13.2 مليون برميل في اليوم عام 2020 ويحافظ على نفس المستوى الى عام 2040. ثم يضطر الإنتاج للإنخفاض (بقوة الطبيعة) بمعدل 3 % سنويا. ثانياً: استهلاك البترول في المملكة يتجاوز الآن ربع إنتاجها (2.8 مليون برميل في اليوم) وسيستمر في الارتفاع الى أن يتساوى (إذا لم يتم ترشيده) مع الإنتاج عام 2038 فتتحول المملكة من دولة مصدرة الى دولة مستوردة للبترول. ثالثاً: صادرات المملكة من البترول ستتراوح مابين سبعة إلى تسعة ملايين برميل في اليوم الى عام 2020 فقط. ثم ستبدأ الصادرات في الانخفاض الى أن تصل الصفر عام 2038 ( أي بعد 26 سنة فقط). عندما قرأت الرسم البياني تأكد لي أنه ليس فيه شيء جديد بل هو وصف لأحد السيناريوهات المحتملة التي سيتوصل لها أي باحث بمجرد استخدام المعلومات الرسمية في مواقع أرامكو وتصريحات بعض المسؤولين إذا بقيت السياسات البترولية كما هي عليه الآن. كذلك يجب ملاحظة أن التقرير يؤكد بوضوح أن هذا السيناريو ليس هو الأقرب الى الحدوث لكن للتنبيه فقط الى الحاجة الملحة الى تغيير السياسات الحالية لتفادي حدوثه. فوائد مثل هذه التقارير (بغض النظر عن دوافعها) انها تأتي من خارج الصندوق الضيق الذي يعيش داخله الجهات المسؤولة عن اداء عمل معين، فعادة رغم ان الجهات المسؤولة تعرف المشكلة الا انها قد تتحرج من الاعلان عنها في انتظار أن يأتيها الفرج من خارج الصندوق. لذا لم أكن أتوقع أن التقرير سيثير احتجاج بعض الجهات الرسمية لدينا ( كما أوردت أرقام الفابتا يوم الاربعاء 04\04\2012) بل كنت اعتقد انه سيلاقي الامتنان من باب يجزى الله خيرا من يهدي لي عيوبي واعتقد ان هذا السيناريو ليس مفاجأة لارامكو لأنه غالبا يوجد لدى ارامكو مركز بحوث يقوم بوضع سيناريوهات مختلفة للاسترشاد بها في سياساتها البترولية وقد يكون من بينها سيناريو مماثل وربما أشد خطورة من سيناريو تشاتام. الخلاصة هذا السيناريو هدية مجانية لصناع القرار حتى لو افترضنا وجود اختلاف في بعض التعريفات أو وجود سياسات لدى المملكة لتفادي حدوث الأزمة تجاهلها الذين كتبوا التقرير. الأسبوع القادم - إن شاء الله - ساقوم بدور المنجم فأتكلم عن ماهية التعديلات التي قد يجريها تشاتام على تقريره في حالة تجاوبه (وكما يقال) مع ملاحظات ووجهة النظر السعودية.