مع بواكير تطبيق الاحتراف في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي برزت أسماء للاعبين كانوا يومها يملؤون الأسماع، ويخطفون الأبصار، ويسرقون الأفئدة، ولذلك ظلت عدسات المصورين لا ترمش لها عين بوجودهم، وأقلام الصحفيين لا تفتأ تسجل سكناتهم قبل حركاتهم، حتى إذا ما أعلنوا مغادرة المستطيل الأخضر راغبين أو مرغمين، أغمضت الكاميرات عيونها، وجففت الأقلام حبرها، فباتوا نسياً منسياً، حتى كأنهم ما ركضوا في ملعب، ولا زّخت أجسادهم بقطرة عرق، وما سجل لهم التاريخ لحظة أنهم كانوا هنا، وهو الجحود بعينه، والنكران بكل معانيه. و«دنيا الرياضة» إذ تستشعر المسؤولية تجاه هؤلاء اللاعبين تأخذ على عاتقها إعادتهم إلى دائرة الضوء في هذه الزاوية، لتعبر من خلالها عن الوفاء لما قدموه، وضيفها اليوم لاعب وسط الاتفاق السابق المهندس عبدالحليم عمر. القادسية، لكن الظروف قادتني للاتفاق. *أين أنت الآن من ناديك وما هو برنامجك اليومي؟. - أنا قريب من أسرتي وعملي، ومعظم وقتي بين الرياضوالشرقية، فأنا مهندس بشركة الكهرباء، وعملي يتطلب تواجدي في الرياضوالشرقية لمتابعة بعض المشاريع وإنجاز أعمال الشركة بعد نقل وظيفتي للرياض، وباقي وقتي لأسرتي ومتابعة أبنائي. * قبل اكثر من 25 عاما أحدث انتقالك إلى الاتفاق ضجة إعلامية وسخطا أُحديا، أعدنا بالذاكرة لتلك الحقبة. - انتقلت إلى الاتفاق بعد تخرجي من الجامعة عام 1985م، ولعل السبب في تلك الضجة أنني لعبت للاتفاق دون مقابل مادي، وفي الأصل كنت سألعب للقادسية نظرا لأن أصدقائي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن اغلبهم يلعبون في القادسية، أيام دراستي بالجامعة كنت العب مع أُحد وبعد تخرجي تحدث إلي القدساويون ومنهم أصدقائي بالجامعة، ولكن في ذلك الوقت كان أمير المدينةالمنورة الأمير عبدالمحسن بن عبدالعزيز قرر منع لاعبي أُحد من الانتقال وهو ما عطل انضمامي للقادسية. *من تتذكر من زملائك من لاعبي القادسية آنذاك؟. - كانت علاقتنا قوية بحكم مشاركتنا بدوري الجامعة وتمثيلنا لمنتخبها، والتحديات التي كانت تحصل فيما بيننا، ولعل من أقرب اللاعبين في تلك الفترة كان أحمد الصغير وعبدالله الصغير من القادسية ومحمد المغلوث من الاتفاق وللأخير قصة فأنا من رشحته أن يلعب للاتفاق رغم أن عائلته نهضاوية، وبعدها سحبني للاتفاق بعد أن اتفق مسؤولوه مع إدارة أُحد عام 1985م. * انتقالك آنذاك أثار ضجة إعلامية بين الأُحديين حدثنا عن ذلك؟. -من المفارقات أنني انتقلت للاتفاق بدون مقابل مادي، وفي الفترة ذاتها لعب البحريني عادل العنايشة للأهلي بمبلغ كبير، ولعل هذا ما آثار حفيظة الأُحديين وحرك الإعلام مقارنة مابين الصفقتين، ولم يكن من السهل على جماهير أُحد أن تشاهدني أترك الفريق الذي خدمته لسنين طويلة، لكن ظروفي الأسرية وبحكم تعييني في المنطقة الشرقية كان قرار انتقالي. * مَن من أصدقائك اللاعبين بالاتفاق الذين لا تزال على تواصل معهم؟. -معظم لاعبي الاتفاق أصدقائي، وتواصلنا دائما عبر الرسائل بالجوال، اجتماعاتنا تتم كل عام عبر اللقاء سنوي بالنادي في شهر رمضان المبارك، واحرص على التواجد فيه، أتواصل باستمرار مع المهندس محمد المغلوث وصالح خليفة وعمر باخشوين ومروان الشيحة. ظاهرة جميلة * الظاهرة الرمضانية بين أجيال الاتفاق كيف وجدت أثرها عليكم أنتم اللاعبون السابقون؟ - اللقاء الرمضاني يمنحك فرصة لاستذكار ما كنت تعمله لاعبا، يربطك بالجيل الحالي ومن قبلهم، ولها فوائد عدة لعل أهمها أنها تبقي النجوم ملاصقين لناديهم واستمرار العلاقات الطيبة بين من خدموا النادي والجماهير على مختلف العصور، وأتمنى أن نشاهد ذلك في جميع الأندية وليس الاتفاق فحسب. * هل آنت الآن متابع للاتفاق؟. - منذ زمان طويل لا أحضر إلى الملعب، ولعل آخر مباراة حضرتها كان مهرجان اعتزال صالح خليفة، ومتابعتي مقتصرة على المشاهدة من خلال القنوات والصحافة والاتصال بزملائي اللاعبين، أعرف أن الاتفاق يقدم نتائج إيجابية في الدوري وفي كأس ولي العهد. شرشر غيَّر مركزي والزياني منح اللاعبين حرية الإبداع * أغلب الجماهير لا يعرفون كيف كانت بدايتك فهل تحدثنا عن ذلك؟ -بدأت مشواري مع أُحد وأنا في سن 14، عن طريق معلم التربية البدنية بالمدرسة عبداللطيف البشير الذي اكتشفني وقدمني للنادي، فمنطقتي السكنية اقرب للأنصار، وكنت ألعب في مركز الظهير الأيمن. * من المدرب الذي حولك من الدفاع إلى أن تكون نجما في وسط الميدان؟ - هناك مدربان قاداني إلى الوسط الأول المصري محيي الدين شرشر وهذا المدرب له فضل كبير علي بعد الله، والثاني تونسي لا أتذكر اسمه، أما المدرب السعودي خليل الزياني مع شرشر فقد طورا قدراتي وقدماني للملاعب وعملا على صقل موهبتي حتى أصبحت نجما، الزياني مدرب كبير وتعامله راق مع اللاعبين، ويعطيهم مساحة كبيرة وحرية للإبداع. * صف لنا تجربتك مع الاتفاق. - لعبت للاتفاق أربع سنوات، ووجدت التعامل الطيب من الجميع، كانوا يعملون ويفكرون كيف يحصلون على البطولات، وجدت فكرا مختلفا وتعاملا رائعا سواء من الإدارة أو اللاعبين وكذلك المدرب خليل الزياني الذي لا أنساه أبدا. وكانت الإصابة سببا في إبعادي عن الاتفاق بعد أن ساهمت مع نجوم الفريق في تحقيق البطولات. * أي البطولات الاتفاقية تركت أثرا في نفسك لا تزال تتذكرها وتتحسر عليها مع الجيل الحالي؟. - مشاركتنا في البطولتين العربية والخليجية بالشارقة التي حققناها عام 88، كانت المحطة الأبرز في حياتي لاعبا، تلك المشاركة تم تتويجها بالبطولات بعد مشوار طويل وقدمتني بشكل مختلف للملاعب، وزادت رصيدي لدى الجماهير الاتفاقية التي أصبحت تلاحقني في كل مكان. المغرب آخر محطاتي * متى كانت آخر مشاركاتك مع الاتفاق وأين كانت إصابتك؟. - البطولة العربية التي استضافتها المغرب عام89م كانت هي المشاركة الأخيرة لي مع الاتفاق، وفيها تعرضت لإصابة لم أستطع بعدها العودة للملاعب، رغم أنني ذهبت للعلاج في فرنسا وأميركا لكنني لم أستطع العودة. * أي المباريات التي تركت فيك جرحا؟ وأي البطولات التي تأسفت على خسارتها؟. - مباراة السد القطري التي أقيمت في ماليزيا ضمن البطولة الآسيوية، ففوز السد علينا أهله لمواجهة الرشيد العراقي على نهائي البطولة، تلك الخسارة أحزنتنا كثيرا وأثرت على نفوسنا؛ فهي التي حالت دون تحقيقنا لبطولة آسيا التي كنا سنضمها إلى الخليجية والعربية، مباراة السد تركت جرحا لا ينسى. النصر الأفضل * ما المباراة التي لا تزال تتذكرها؟. - محلياً مباراة النصر وأُحد التي فزنا فيها 3-1، والنصر حينها كان في قمة نجوميته، وكان يضم ماجد ويوسف خميس والبرازيلي ليرا. أما مع الاتفاق فكانت ضد الاتحاد على الكأس باستاد الملك فهد وخسرناها وكنا حزينين لأنها جاءت بعد أسبوع من عودتنا من الشارقة لكننا خسرناها. * من اللاعب الذي كنت تشكل معه تفاهما داخل الملعب؟ - التفاهم لم يكن مع لاعب معين، والاتفاق كانت قوته في الوسط، والتوازن كان مطلوبا بين الكفتين في الجهة اليسرى بوجود باخشوين واليمنى التي كنت العب فيها، فكان التوازن مطلوبا بيني وباخشوين فمثلا مباريات الهلال يضطر باخشوين يرجع لمساندة الدفاع لوجود قوة ضاربة بالهلال تتمثل في يوسف الثنيان، كان دوري يجب أن يكون مساندا للهجوم، فوسط الاتفاق كان متناغما بوجود صالح وعيسى خليفة وفيصل البدين. الاتفاق حيرنا * برأيك ما هي أسباب عدم بقاء احد بالممتاز رغم ما يملكه من نجوم أنت احدهم؟ - في أُحد ربما كانت حسبتنا خطأ رغم فوزنا على النصر والاتحاد والأهلي والشباب والهلال لكن الفريق الوحيد الذي لم نستطع هزيمته هو الاتفاق الذي لم يكن لديه نجم إذا راقبته تشل حركة الفريق كما في الفرق الأخرى، فالاتفاق كان يلعب كمجموعة واحدة. * من هم النجوم الذين يصعب تكرارهم برأيك؟ - يبقى ماجد عبدالله نجم النجوم الذي قدم مستويات كبيرة ولفت الأنظار إلى الكرة السعودية إلى جانب صالح خليفة ويوسف الثنيان وفهد الهريفي ومحمد عبدالجواد وصالح النعيمة القائد الذي يشعرك بالهيبة، ويمنحك الثقة، هؤلاء يعتبرون الصف الأول للكرة السعودية وبكل تأكيد معهم نجوم آخرون بفضلهم وصلت الكرة السعودية إلى ما وصلت إليه، وللأسف ذلك الوقت لم يكن هناك احتراف عكس اليوم مع الاحتراف تغيرت الموازين ومشاركاتنا باتت مختلفة عما كنا نحققه من نتائج. احتراف لاعب * برأيك هل طور الاحتراف الكرة السعودية؟. - في رأيي أن احترافنا قاصر، فلم نطبق الاحتراف من خلال المضمون، احترافنا احتراف لاعب فقط وليس منظومة متكاملة، فاللاعب تدريبه حين كان هاويا لم يتغير اليوم باستثناء بعض التدريبات الصباحية، أما الفكر فلم يختلف من حيث التطبيق والتعامل، الاحتراف يجب أن يكون شاملا الإداري والحكم ورئيس النادي وخصخصة الأندية برأيي هي الطريق الصحيح لتطبيق الاحتراف. * هل تتفق بأن المبالغ الكبيرة التي يأخذها لاعب في بداية مشواره تقتل طموحه لاعبا؟. - أنا فوجئت بان ابني لاعب، كنت أسمع عنه لكنني لم أتوقع أن يكون صعوده بهذه السرعة، حتى اتصلوا على المدرسة أنهم اختاروه ضمن منتخب المنطقة ليلعب معهم البطولة المدرسية للمناطق، والأكثر استغرابا بأنني تلقيت اتصالا من شركة موبايلي باختياره للسفر إلى بريطانيا وأكثر من ذلك أن القادسية يطلبون مني الموافقة على تسجيله في النادي، والآن أستغرب انه أصبح لاعبا في الهلال، هذا التطور السريع حقيقة فوجئت به مع ابني الذي يلعب حاليا لناشئي الهلال. * في أي مركز يلعب ابنك ولماذا لم تسجله في الاتفاق فريقك السابق ليعيد ذكراك؟. - ابني مهند يلعب في مركز المحور، ولأنني لاعب سابق مر بتجربة كان تركيزي على تحصيله الدراسي، الكرة والتحصيل العلمي خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا، ابني جعلني أعيش في صراع بين هوايته ومشواره العلمي، بين أن يكون لاعبا محترفا أو يكون بعيدا عن الكرة. أما عن عدم تسجيله في الاتفاق فكانت تلك رغبتي لكنني لم أستطع فرض رغبتي عليه، وكان القادسية قد طلبوا مني تسجيله من خلال علاقته مع لاعبي القادسية لكن رغبته في اللعب للهلال جعلته لاعبا هلاليا. * لماذا لم نر عبدالحليم عمر إداريا في الاتفاق؟. - العمل الإداري يحتاج إلى تفرغ، وأنا ظروف عملي لا تسمح، أحترم رغبة الإدارة التي حاولت أن أكون مشرفا على الفريق غير أن متطلبات العمل في الأندية تختلف كثيرا في الوقت الحالي فقد زادت عما كانت عليه في زمننا. * ما رأيك بما يقدمه الاتفاق من مستويات رائعة؟ - تابعت الفريق من البداية، الإدارة كانت تنظر إلى هذا الموسم دون المنافسة أو تحقيق بطولة، وبعد المستويات وتصاعد الأداء اختلفت الرؤية وباتت المنافسة هدف الجميع والبطولة مطمع الاتفاقيين وهذا عمل جيد، الأهم المحافظة على هذه الروح وقد حان وقت الحصاد وعدم التفريط بأي نقطة كما حدث أمام الأنصار، هذا التعادل سيكلف الفريق كثيرا في بقية مشواره بالدوري. * هل أنت مقتنع بأداء الفريق بشكل عام أم بالنتائج فقط؟. - أن تقدم المستوى وتحقق النتيجة فهذا إنجاز ومعادلة ناجحة؛ لكن من الصعب تحقيقها في كل المباريات، وأعجبني قائد الاتفاق سياف البيشي عندما قال بعد مباراة هجر: "الفريق حقق الأهم بالفوز وترك المستوى لهجر"، وهذه المقولة ذكرتني بمدرب الهلال زاجالو عندما انتصر علينا الهلال وأنا في أُحد وقال، "مبروك علينا النتيجة وعلى أُحد المستوى" واذكر أننا قدمنا في تلك المباراة أجمل وأقوى أداء لنا لكننا لم نستفد بخسارتنا للمباراة، فالتاريخ لن يعترف إلا بالنتائج. * تنتظر المنتخب السعودي مباراة مهمة ومصيرية أمام استراليا ضمن التصفيات المؤهلة للتصفيات النهائية لكأس العالم 2014 كيف تنظر لهذه المواجهة؟. - المنتخب ضيع في المباريات السابقة نقاطا، وكان بإمكاننا تحقيق نتائج أفضل تضعنا في راحة بعيدا عن حسابات لقاء أستراليا، الكرة الآن أصبحت في مرمى اللاعبين فمتى وجدت الروح والعزيمة والإصرار لتحقيق الفوز فإن المنتخب قادر على كسبها، المباراة ليست سهلة ولا مستحيلة.