مع بواكير تطبيق الاحتراف في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي برزت أسماء للاعبين كانوا يومها يملؤون الأسماع، ويخطفون الأبصار، ويسرقون الأفئدة، ولذلك ظلت عدسات المصورين لا ترمش لها عين بوجودهم، وأقلام الصحفيين لا تفتأ تسجل سكناتهم قبل حركاتهم، حتى إذا ما أعلنوا مغادرة المستطيل الأخضر راغبين أو مرغمين، أغمضت الكاميرات عيونها، وجففت الأقلام حبرها، فباتوا نسياً منسياً، حتى لكأنهم ما ركضوا في ملعب، ولا زّخت أجسادهم بقطرة عرق، وما سجل لهم التاريخ لحظة أنهم كانوا هنا، وهو الجحود بعينه، والنكران بكل معانيه. و"دنيا الرياضة" إذ تستشعر المسؤولية تجاه هؤلاء اللاعبين تأخذ على عاتقها إعادتهم إلى دائرة الضوء في هذه الزاوية، لتعبر من خلالها عن الوفاء لما قدموه، وضيفها اليوم مدافع الاتفاق السابق جمال الرويشد. * أين أنت اليوم بعد أن هجرت الكرة لأكثر من سبع سنوات؟ أحمد الله أن من علي بالصحة والعافية وأن وضعني في قلوب الكثيرين الذين لا يزالون يتذكروني لاعبا، وفقني الله بعد نهاية عقدي الاحترافي مع الاتفاق بستقطابي من قبل إحدى المؤسسات الحكومية التي تخدم المجتمع؛ إذ أزاول عملي الصباحي في الدمام ومتزوج ولدي أبناء ومرتاح نفسياً مادياً وصحياً والحمد لله، وأواصل تواجدي الرياضي بشكل بسيط من خلال ممارسة الكرة في بعض الملاعب الخاصة فقط؛ وفي ظل المناسبات الكثيرة أقبل المشاركة في معظمها؛ لأنها تجمع الرياضيين مع بعضهم البعض مثل الليلة الأسبوعية المحددة مساء يوم الاثنين من كل أسبوع التي يقيمها عضو الشرف الاتفاقي ومدير إدارة المنتخبات السعودية محمد المسحل الذي يجمع أبناء الاتفاق من إداريين أمثال عدنان المعيبد والمدرب سمير هلال واللاعبين السابقين أمثال عمر باخشوين، ومثل هذه المشاركات تجمع الجيل الاتفاقي القديم في أجواء مميزة من الأخوة والمحبة دون محسوبيات أو مصالح شخصية. زوماريو اختارني للمنتخب ورفضت عرض تكريمي!! *أنت من اللاعبين الأوائل الذين دخلوا عالم الاحتراف..هل هناك فارق بين الاحتراف السابق والحالي؟. أنا من أوائل لاعبي الاتفاق الذين وقعوا عقودا احترافية، واستمررت محترفا 12 سنة حتى نهاية مشواري الرياضي الذي بدأ منذ عام 1988م مع الفريق الأول بالنادي، والاختلاف كبير في شؤون الاحتراف على عهدنا السابق مقارنة بالاحتراف الحالي؛ إذ كان الاحتراف السابق مليئا بالثغرات التي تمكن الأندية من التلاعب على لاعبيها للأسف الشديد بالإضافة لأننا كنا محترفين دون معرفة معنى الثقافة الاحترافية، التي كانت سببا مباشرا لحالات يمكن وصفها بالمصائب للاعبين الذين خسروا كل شيء بسبب الاحتراف؛ لأن الأندية تقوم بكل شيء دون الرجوع للاعب (الطرف الهام في العقد)، والدلائل كثيرة، لم يكن هناك التزام في تسليم المحترفين روابتهم الشهرية التي كانت تتأخر لأكثر من ثمانية أشهر؛ بالإضافة إلى أنها كانت ترفض منح اللاعبين مقدمات عقود في فترة احترافنا، ولكن الآن اختلف للأفضل؛ لأن الثقافة ووضوح اللوائح ومساعدة مسؤولي لجنة الاحتراف بالاتحاد السعودي لكرة القدم للاعبين، ووجود وكلاء لهم وشفافية الأمور التعاقدية وقضايا العرض والطلب، كل هذه الأمور منحت اللاعبين السعوديين أرضية خصبة للاحتراف، إلغاء الصلاحيات المطلقة للأندية في ربط محترفيها إلى فتح المجال الأوسع للاعب لينتقل ويستفيد فنياً ومالياً. * هل يمكن القول أن المحترفين في السابق كانوا مهمشين تماما؟. كنا مهمشين بشكل فاضح ومخجل؛ إذ توجد لائحة تحفظ حقوق اللاعب المحترف الأجنبي من كافة النواحي، أما المحترف السعودي فكان بعيدا كل البعد عن أي بنود أو لوائح تهتم بالمحافظة على حقوقه؛ لكن بعد أن طغت المشاكل وكثرت الشكاوى، تم سن بنود جديدة وإصدر تعديلات عدة في اللائحة لضمان حقوق اللاعب والنادي في وقت واحد وهذا هو التجديد الجيد للاعبين. * على أرض الواقع هل استفادت الكرة السعودية من الاحتراف؟. الرويشد بشعار الاتفاق استفادت في السنوات ال 10 الأخيرة من النظام الاحترافي الذي يتوافق مع الأنظمة المعمول بها في القطاع الخاص إذ نشاهد تخوف اللاعبين من الغياب أو التأخر في التدريبات لوجود لوائح جزائية يتم تطبيقها تجاههم، أدرك إن هناك أضرار حضرت بسبب الاحتراف ومنها دفع الأندية ملايين الريالات للاعبين سعوديين لم تستفد منها، والدلائل كثيرة ومنها لاعب اتفاقي حالي بعد أن وقع عقد احترافه الأخير أداؤه ومستواه من (حفرة إلى دحديرة)، أخذ مقدم العقد، وأمَّن مستقبل أسرته ثم تغيَّب عن التدريبات للأسف الشديد، هذا المثال يكرر في كل ناد لأكثر من مرة في كل موسم، لا يوجد فكر احترافي لدى بعض اللاعبين يتواكب وأهمية المحافظة على أنفسهم بالنوم الباكر والغذاء الجيد والالتزام بكل الأساليب الرياضية لضمان إنتاجية أفضل. *هل أنت راضٍ عما قدمته في الملاعب؟. لست راضيا فقد كان لدي طموح ورغبة أن أواصل اللعب؛ إلا أنهم أجبروني على الاعتزال من خلال الأجواء غير الصحية التي تجبر أي لاعب على عدم البروز، في النادي تواجدت فئة تعمل لمصالحها الشخصية رغم تسلمهم مهام محددة ومعروفة، وضعت العراقيل في وجهي، وأتذكر في تلك الفترة عام 1425ه أن الاتفاق تحول من نادٍ يعمل كل من فيه بأجواء جميلة إلى آخر مليئ بالأحزاب وكل يعمل فقط لحفر حفرة لأخيه، وكل السماء التي كانت موجودة حينها تدرك صحة كلامي. * لكنك اعتزلت في سن ال 32 وهو موعد مناسب لترك الكرة، أليس كذلك؟. - في الفترة الأخيرة يوجد لاعبون يشاركون تتجاوز أعمارهم حاجز 32 سنة أمثال قائد نجران السابق الحسن اليامي وقائد الاتحاد محمد نور ومدافع الشباب زيد المولد، العمر ليس مقياسا حقيقيا للاعب بل العطاء هو الذي يحدد موعد الاعتزال، كان مسؤولو الاتفاق في تلك الفترة يصدقون الصحافة التي تركز على اللاعب كبير السن وأنه غير قادر على تقديم ما يفيد؛ رغم أن لاعبي الخبرة هم الذين يرجحون الفرق الكبيرة عند الأزمات بهدوئهم وعقولهم وتركيزهم، وضع المسؤولون أنفسهم في موقف محرج وتناسوا أن اللاعب يشارك في مباراة وليس في سباق الخيل حتى يحكم على أدائه من خلال الركض!!. ياسر القحطاني * ما أجمل الألقاب التي أطلقت عليك؟ كنت أشارك مع فريقي ومنتخب بلادي بروح معنوية مرتفعة لدرجة كبيرة إذ شخصيتي في الملعب تختلف كلياً عن شخصيتي في خارجه، أحاول تخليص الكرات بأي طريقة، وهذا الأسلوب أعجب الكثير من النقاد الرياضيين الذين أطلقوا علي ألقابا عدة ومن أجملها عندي (الأسد) و(المشاغب) لأنها كانت تسيطر على فكري وروحي حتى في التدريبات اليومية، تم اختياري من قبل المدرب البرازيلي السابق للمنتخب السعودي الأول زوماريو بعد أن قدمت مستوى متميزا أمام فريق الرياض، كان زوماريو في تلك المباراة مدرباً للرياض وسبق أن تم إعلان ترشحه رسمياً لتدريب "الأخضر" بعد نهاية مهمته مع الرياض. * بعد سنوات من اختيارك للمنتخب غبت عن الظهور مع الاتفاق رغم تواجدك في التدريبات، وبعد تعاقد الإدارة الاتفاقية مع زوماريو عدت مجددا للمشاركة، ما السر في ذلك؟. نحن ضحية المتلاعبين . . وخليل وياسر كشفا عن تميز الهلال في تلك الفترة كنت أعاني من أشخاص يقفون ضدي من لاعبين قدامي جيء بهم لتنفيذ رغبة أو مخطط للإدارة؛ لأن هؤلاء القدامى الذين تم استقطابهم للعمل مديرين للفريق كانوا يرغبون فقط في إرضاء الإدارة دون أن يكون هناك أي تدخل إيجابي من قبلهم؛ كانت مشاركتهم سلبية وكانوا يخلقون المشاكل بهدف إبعادي، عرضت عليهم أسئلة عدة؛ لتوضيح أسباب تعاملهم معي في تلك الفترة؛ إلا أنهم لم يستطيعوا أن يردوا بأي إجابة، زوماريو هو الذي فرض اسمي في أول مباراة تسلم فيها الفريق وكانت أمام الهلال، بعد غيابي عن اللعب لمدة سنتين وكنت قبل مباراة الهلال بأيام فوجئت بمشرف الفريق يقدم لي عرضا احترافيا لموسمين وأنه تكريم من قبل النادي لي؛ إلا أن هذا المشرف صعق من كلامي وردي عليه بأنني لن انتظر أن يكون عقدي تكريمياً فقط، ورفضت التوقيع وعند تقديمي مستوى جيداً أمام الهلال وافقت على التوقيع لأؤكد للجميع أنني لا أقبل التكريم بهذه الطريقة، وليكون التوقيع معي عن جدارة لأنني أعرف ما يحاك ضدي وأحببت أن أقدم درسا إيجابيا لهؤلاء. *ماهي أمنيتك الرياضية التي لم تحققها بعد اعتزالك الكرة؟ - لن أتكلم عن موضوع اعتزالي أو تكريمي؛ هناك لاعبون اتفاقيون مميزون لم يتم تكريمهم، كنت أتمنى أن أقدم عطاء أكثر للكرة السعودية من خلال انتقالي للهلال أو النصر، أي لاعب اتفاقي أو من لاعبي الشرقية لن يبرز إطلاقاً إلا مع الهلال لأن الإمكانيات التدريبية والاهتمام الإعلامي والأجواء الصحية متوفرة، والأمثلة كثيرة ومنها المدافع الاتفاقي السابق أحمد خليل والمهاجم القدساوي السابق ياسر القحطاني، هذا الثنائي لم يكن ليبرز إطلاقاً لو استمرا في الاتفاق والقادسية، وشخصياً سبق أن تلقيت عرضا من النصر إلا أن الشروط التعجيزية التي تمنع اللاعب الهاوي أو المحترف آنذاك وقفت حائلا دون انتقالي. * ماذا تقول للاتفاقيين - سيبقى نادي الاتفاق له أفضال عليَّ شخصياً لأنه هو من عرفني على الوسط الرياضي، أنا سعيد بتواصلكم مع اللاعبين السابقين عبر "دنيا الرياضة" التي تهتم باللاعب المعتزل بشكل استثنائي خلاف الكثير من الصحف الأخرى. أبعدوا النجوم وحولوا المشجعين مديرين للكرة !! تحظى بعلاقات واسعة وتملك خبرة كبيرة لماذا لا تعمل في نادي الاتفاق؟. لا أجيد التلون مع أي مسؤول يمر على النادي، لن يأتي اليوم الذي أقول للإدارة (خذوني معاكم) وعلاقتي مع رئيس النادي عبدالعزيز الدوسري مميزة وتواصلي معه مستمر، وهو وإدارته يعرفون من يختارون للمناصب في النادي، رغم أن لدي تحفظا كبيرا في عملية اختيار مديري الفريق، نشاهد حالياً مشجعين كانوا يساندونا في المدرجات يعملون مدمديرين للفرق، في الوقت الذي لم يتم استقطاب اللاعبين السابقين القادرين على النهوض بالفرق السنية أو بالفريق الأول، ولكن هناك سياسة من قبل الإدارة في عملية الاختيارات نحترمها قد لا تتوافق مع بعض الأسماء التي تتردد في الوسط الاتفاقي لاستلام منصب مشرف أو مدير للكرة مثل المهاجم السابق مروان الشيحة؛ فالأخير ليس مثل أي لاعب سابق سيقبل للعمل بدون روزنامة واضحة وميزانية مالية محددة وتوفير سيولة له حتى يطبق رؤيتة بشكل غير مقلق له؛ الواضح للجميع أن الشيحة وأمثاله ليس للإدارة قدرة على التعاون معهم لأسباب عملية بحتة.